من يخلف سلامة في ليبيا؟:مصر والامارات تعترضان على المرشح الجزائري
من يكون المبعوث الأممي القادم إلى ليبيا، ومَن يعرقل تعيين الدبلوماسي الجزائري المخضرم رمطان لعمامرة، الذي طُرح اسمه بشكل رسمي، وما أبرز الأسماء المنافسة له على هذا المنصب.
تساؤلات تُثار منذ استقالة الدبلوماسي اللبناني غسان سلامة من منصب رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الذي بدأ فيها مهامه، جوان2017 وحتى شهر مارس2020، بسبب مشاكل صحية بحسب ما كتبه على صفحته في تويتر.
وعقب استقالته برز اسم وزير الشؤون الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة، من قِبل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي تم اقتراحه بشكل رسمي.
وهو الاسم الرسمي الوحيد الذي يتم تداوله في أروقة الأمم المتحدة بشكل رسمي.
مصر والإمارات ترفضان مرشح الجزائر.. ولكن ماذا عن موقف باقي الدول
في المقابل تسعى أبوظبي للدفع بشخصية تتوافق مع توجهها السياسي، وذلك سيراً على نهج غسان سلامة، الذي تقول مصادر مطلعة إن أبوظبي كانت تدعمه جنباً إلى جنب مع مصر والسعودية، حيث عُرف سلامة بمواقفه المتساهلة مع اللواء خليفة حفتر على حساب حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.
وترفض أبوظبي والقاهرة تعيين رمطان لعمامرة باعتبار أنّه جزائري، في ظل حرب باردة بين مصر والجزائر حول الملف الليبي، حيث ترفض الجزائر دخول حفتر إلى طرابلس رفضاً قاطعاً، لأنها تعتبر دخول حفتر إلى طرابلس يعني تزايد التمدد والنفوذ المصري-الإماراتي في ليبيا.
ورغم أن أبوظبي تعارض مشاريع الإسلام السياسي بعد الربيع العربي، والجزائر تتخذ نفس الاتجاه، فإنها تختلف في حساباتها عن الإمارات.
كما عارض فريق اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر تعيين لعمامرة.
إذ اعتبر الناطق الرسمي باسم قوات حفتر أحمد المسماري، الذي عقد مؤتمراً صحفياً في القاهرة مؤخراً، أنّ اقتراح تعيين لعمامرة غير منطقي، وقال “نحن لا نقبل به وسيطاً للحوار، وطالب بأن يكون المندوب الأممي شخصية إفريقية، أو لا يكون من جيران ليبيا”.
مصادر ليبية رسمية خاصة، قالت لـ”عربي بوست”، إن لعمامرة سيواجه صعوبات في مسألة تعيينه بالمنصب الجديد، لأنّ اسمه مجرد اقتراح من قبل الأمين العام للأمم المتحدة.
وتشير تلك المصادر إلى أنّ المؤشرات تفيد بأنّ الروس والأمريكيين لن تكون لديهم مشكلة مع رمطان لعمامرة، لكنّ الموقف الروسي يمكن أن يتغير بتحريض مصري-إمارتي.
مصادر أمنية ليبية أخرى رفيعة، أشارت إلى أنّ رمطان لعمامرة سيلقى دعماً سياسياً من فرنسا، باعتبار أنّ النفوذ الفرنسي في شمال إفريقيا، وعلى رأسها الجزائر والمغرب، قوي جداً، إضافة إلى أنّ لعمامرة شخصية لها حيثيتها في أروقة الأمم المتحدة ولدى أمينها العام، إضافة إلى أنّ لعمامرة يعتبر من أقوى رجال حقبة بوتفليقة في الجزائر، وتولى مناصب عدة في هذه الحقبة.
البديل الذي تحاول مصر والإمارات تمريره
تسعى كل من أبوظبي والقاهرة إلى الترويج لشخصية جديدة يجري طرحها والتسويق لها في وسائل إعلام محسوبة على الإمارات، وتتمثل تلك الشخصية في وزير الداخلية الأردني الأسبق سمير حباشنة، الذي تريده أبوظبي بديلاً لرمطان لعمامرة.
قناة الغد المدعومة إمارتياً حاولت الترويج لشخصية سمير حباشنة، وصورت شخصيته على أنّه يحظى بالدعم الكبير في ليبيا، وبقبول وارتياح ليبيين، وتأييد ودعم من السياسيين والدبلوماسيين والمثقفين العرب، وهذا غير صحيح، فشخصية الحباشنة غير معروفة لدى الليبيين، ولا يعرفونه من قريب ولا من بعيد، حسبما قالت مصادر مطلعة لـ”عربي بوست”.
المصادر نفسها قالت لـ”عربي بوست” إن الموقف الأردني يتناغم مع الموقف الإماراتي-المصري، وإنّ عمان تسعى هي الأخرى إلى تمرير حباشنة ليكون في منصب المبعوث الأممي إلى ليبيا خلفاً لغسان سلامة.
الحباشنة.. تاريخ أمني
يتم الترويج للحباشنة، المقرب من دوائر السلطة الأردنية، في وسائل الإعلام الممولة إماراتياً، على أنّه سيكون المبعوث الأممي في ليبيا وأنه شخصية لديها القدرة على حل النزاع الليبي ويمتلك رؤية لحل هذا النزاع، وباستطاعته أن يفكّ هذا الاشتباك بين أطراف الأزمة الليبية، وأنّه متخصص في حل النزاعات والصراعات، ويقود مجموعة عربية تعنى بهذا المجال، ويبحث عن التضامن العربي.
ويقول المستشار السياسي والأمني المقرّب من دوائر القرار الأردنية، محمد الملكاوي، لـ”عربي بوست”، إن الحباشنة شخصية سياسية أردنية، خلفيته عروبية قومية بالدرجة الأولى، ومطّلع على كثير من الشؤون السياسية العربية، وتقلّد عديداً من المناصب السياسية في الأردن، أبرزها منصب وزير الداخلية في مرحلة كانت حرجة.
وأضاف: “إن الحباشنة كان جزءاً من حكومة أردنية تسعى إلى محاولة السيطرة على الشؤون الداخلية، وفي الوقت نفسه البدء بإصلاح سياسي حقيقي”.
ويرجّح الملكاوي اختيار الحباشنة في منصب المبعوث الأممي الجديد في ليبيا، ويرجع ذلك إلى قدرته على فهم الملف الليبي بشكل كامل (علماً أن اسمه لم يُطرح بشكل رسمي).
وقال إنه لن يتعامل مع ملفات سياسية بقدر ما سيتعامل مع ملفات أمنية وعشائرية، وملفات تسعى إلى إصلاح داخل الدولة الليبية المفككة ولها امتدادات خارجية وطابع عسكري وأمني وسياسي.
ويرى الملكاوي أنّ الحباشنة سيسعى إلى توحيد الصف الليبي عبر التواصل مع قيادات ومسؤولين ليبيين سواء كانوا سابقين أو حاليين”.
الحباشنة يعي أن ليبيا تتنازعها قوى إقليمية في المنطقة، بحسب رؤية الملكاوي. وسيسعى إلى إقناع الأمين العام للأمم المتحدة بوضع خطة ناجحة للتعامل مع الملف الليبي، تراعي دعم بعض القوى الدولية والإقليمية لحفتر، وتركيا لحكومة الوفاق.
رمطان لعمامرة الاسم الرسمي الوحيد حالياً، ولكن هناك مرشحون آخرون
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اقترح في رسالة رسمية إلى الدول الأعضاء تعيين الجزائري رمطان لعمامرة، وهو الاسم الوحيد الذي جرى تداوله بشكل رسمي داخل أروقة الأمم المتحدة.
لكن هناك مشاورات تتم بين الدول الأعضاء داخل الأمم المتحدة وخاصة الخمس الكبار، لتحديد المبعوث الذي يمتلك القدرة والمهارة في عمله، ويلائم بين متطلبات الدول الأعضاء وماذا تريده من ليبيا ومعايير الأمم المتحدة.
فعلى سبيل المثال، كان غسان سلامة يدير الملف الليبي باعتباره مبعوثاً أممياً وفقاً لما تريده الأمم المتحدة وأيضاً وفقاً لما تريده الدول الأعضاء التي تمتلك حق الفيتو والمؤثرة في الملف الليبي، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا.
المصادر المشار إليها قالت لـ”عربي بوست”، إن هناك أسماء أخرى مطروحة.
من هذه الأسماء الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني ويليامز والسوداني يعقوب الحلو والتونسي خميس الجهيناوي، وهي كلها شخصيات لم تُذكر بشكل رسمي.غير ان الجهيناوي لا يحظى بدعم رئيس تونس قيس سعيد الذي كان اول قراراته اقالته من الخارجية دون ان يستقبله اصلا بعد توليه رئاسة الجمهورية كما سحب ترشيحه لخطة امين عام مساعد لجامعة الدول العربية رئيسا لمركز تونس ورشح بدلا منه الوزير السابق محمد صالح بن عيسى الذي كان اقاله رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد
وبالنسبة لستيفاني ويليامز فهي أمريكية يصعب اختيارها للمنصب، لأنّ التعيين يجب أن يكون بالتوافق من قِبل الدول الخمس الكبار ومن ضمنهم روسيا، ومن المرجح أنّ روسيا لن توافق على تعيين شخصية أمريكية في الملف الليبي.
فجميع المبعوثين السابقين إلى ليبيا لم تكن من ضمنهم شخصية أمريكية واحدة رغم أنّ روسيا في الفترات السابقة لم تكن مهتمة بالملف الليبي وكانت ملتفتة إلى الملف السوري، لكن في الوقت الحالي روسيا طرف رئيسي في الملف الليبي، وداعمة ومؤججة للصراع الليبي باعتبارها داعمة لخليفة حفتر، وبالتالي فإنّ خيار ويليامز ليس مرجحاً.
وفيما يتعلق بيعقوب الحلو، منسق الشؤون الإنسانية في ليبيا، الذي يعتبر شخصية مهتمة بالشأن الإنساني بالدرجة الأولى ويتعامل مع موضوع تراجع الأوضاع الإنسانية في عموم ليبيا ولا دخل له بالشأن السياسي، فاسمه لم يبرز كسياسي بارز لديه القدرة على حل النزاعات والدخول في مفاوضات ومباحثات بين أطراف متنازعة.
نريد مبعوثاً إسكندنافياً
وفي سياق متصل يقول رئيس لجنة تعديل الاتفاق السياسي بالمجلس الأعلى للدولة بشير الهوش، لـ”عربي بوست”، إن بديل غسان سلامة سوف تفرضه الدول الخمس دائمة العضوية، مشيراً إلى أنّ الجزائري رمطان لعمامرة يعتبر ابن المنظومة العسكرية الجزائرية منذ 1962، وهذا ما يقلل حظوظه وآماله في تنصيبه مبعوثاً أممياً.
وفيما يتعلق بالأردني سمير الحباشنة، فقال إن حظوظه تبقى غير واضحة، بسبب مؤهلاته التي لا تتناغم مع طبيعة العمل والتي تتطلب خبرة في حل النزاعات، متمنياً أن يكون البديل من دولة إسكندنافية باعتبار أنّ الممثلين والشخصيات المنتمية إلى تلك الدول يكونون أكثر حياداً من غيرهم؛ نظراً إلى عدم انخراط بلدانهم في الصراع والأزمة الليبية.
ويدعو الهوش إلى ضرورة اختيار شخصية المبعوث الأممي من خارج النسق العربي والإفريقي باعتبار أن تلك البلدان جميعها لديها تشابك داخل الأزمة الليبية ولدى كل منها اعتباراتها وموازينها الخاصة.
واعتبر أن حظوظ الجزائري لعمامرة أوفر من الأردني، على اعتبار أن منصب وتخصص الأخير لا يسمحان بذلك، فهو وزير داخلية سابق وتخصصه زراعة، إضافة إلى أنّ الأردن يعتبر دولة غير محايدة في الأزمة الليبية.
الخوف من تكرار تجربة سلامة
انتقدت المصادر المطلعة على الشأن الليبي نهج المبعوث الأممي السابق غسان سلامة، الذي تولى مهمته بسبب انحيازه للإمارات ومصر وحفتر، رغم أن الأخير انتهك بشكل فاضح ترتيبات وقف إطلاق النار التي كانت ترمي للتحضير لعملية تسوية سلمية تشرف عليها الأمم المتحدة، بالتعاون مع الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي.
حتى إن حفتر بدأ هجومه على طرابلس، عندما كان الأمين العام للأمم المتحدة يزورها للإعداد لإطلاق عملية التسوية.
وضربت مثالاً بمواقف سلامة بتجاهله لوجود قاعدة الخادم الإماراتية في شرق ليبيا، التي سمح حفتر لأبوظبي بإنشائها وكانت تنطلق منها الطائرات والعتاد الإماراتي، وكان قائدها إماراتياً برتبة عميد، يُدعى أبو محمد.
وكان غسان سلامة يعرف بوجود هذه القاعدة، ووصله تقرير مفصل عن هذه القاعدة ومكان وجودها ومساحتها الجغرافية، وكم يوجد بها من أسلحة وعتاد، من أحد أعضاء المجلس الأعلى للدولة الليبي.
المصادر ذاتها اتهمت غسان سلامة بأنه لم يأبه إلى كثير من الخروقات والتدخلات الكبيرة في الأزمة الليبية، ومنها التدخلات الإماراتية والمصرية والإماراتية، كما أنّه لم يركز على قرارات مجلس الأمن التي تتعلق بحظر توريد السلاح إلى ليبيا خلال سنوات واصلت فيها مصر والإمارات إرسال الأسلحة إلى ليبيا.
لكن عندما تحالفت حكومة الوفاق الوطني مع تركيا، ووقعت اتفاقية التعاون العسكري والأمني معها، أصبح في كل مؤتمر صحفي يتحدث عن أنّ هناك خرقاً لقرارات مجلس الأمن، يتعلق بخرق حظر السلاح، وهناك أطراف إقليمية تدعم أطراف النزاع بالسلاح، في إشارة منه إلى تركيا، لأنّه يعرف أنّها بدأت بإمداد حكومة الوفاق الوطني بالعتاد والسلاح كما كانت تفعل مصر والإمارات والأردن والسعودية وفرنسا مع حفتر، على مدار سنوات.
ومن هنا فإنّ العديد من الأطراف الليبية تتخوف من إعادة استنساخ شخصية جديدة مثل غسان سلامة، تتماهى وتخدم أطرافاً ودولاً مهمة مثل الإمارات ومصر والسعودية وفرنسا، الأمر الذي يجعل من سيناريو تمرير شخصية محسوبة على هذا المحور هو الأقرب والأكثر حضوراً، وهذا سيُدخل الملف الليبي في أزمات ومشكلات متلاحقة لن تنتهي.
المصدر:عربي بوست