السعودية تلغي الجلد وإعدام القصر.. إصلاح حقيقي أم تجميل آخر
في إجراء غير متوقع، قررت السعودية إلغاء عقوبتين من العقوبات التي لطالما واجهت انتقادات شرسة بسببها، وهما عقوبة تنفيذ الإعدام في حق القصر وعقوبة الجلد. وحسب ما أعلنته المحكمة العليا في السعودية يمكن للقضاة الاكتفاء بعقوبة السجن والغرامة أو بهما معا، أو بعقوبة بديلة كتقديم خدمات اجتماعية.
إصلاح يأتي ضمن سلسلة قرارات جريئة اتخذتها السعودية في السنوات الأخيرة تهدف إلى خلق انفتاح في البلد المنغلق. وهو القرار الذي حظي بترحيب من منظمات حقوقية، لكن توقيت هذا الإجراء يطرح تساؤلات، بالإضافة إلى جدواه أيضا في ظل استمرار اتهامات حقوقي للرياض بمواصلة انتهاكات حقوق الإنسان ووصف كل ما اتخذ من قرارات لحد الآن بأنها إجراءات تجميلية لواقع حقوقي مازال حالكا. فما الذي تسعى إليه السعودية من هذا الإصلاح؟
ومن أشهر الحالات في هذا السياق قضية الفتى علي النمر الذي اعتقل في عام 2011 وهو يبلغ من العمر 17 عاما على خلفية مشاركته في احتجاجات سلمية ثم حكم عليه مع رفاقه بالإعدام في محاكمات وجهت لها انتقادات دولية حقوقية واسعة. والطفل مرتجى قويريص الذي اعتقلته السلطات السعودية في 2014 وهو يبلغ من العمر 13 عاما بعد مشاركته في مسيرة بالدراجات الهوائية ضمن احتجاجات تطالب بتحسين أوضاع حقوق الإنسان. ورغم عدم تنفيذ حكم الإعدام في حق النمر وقويريص بعد إلا أن السعودية تتجاهل مطالبات منظمات حقوقية بإطلاق سراحهما.
وحسب منظمة العفو الدولية، تعتبر السعودية من أكثر خمس دول في العالم تنفذ أحكام الإعدام، وترتيبها هو الثالث بعد الصين وإيران. ففي عام 2019 وحده تم تنفيذ 184 حكم إعدام وهو ما يشكل رقما قياسيا للمملكة حسب المنظمة. ولطالما شكل إعدام الأطفال سببا إضافيا للهجوم على السعودية.
وبالإضافة إلى الإعدام، تجلب عقوبات أخرى تنفذها السعودية الكثير من الانتقادات لها، كعقوبة الجلد. وفي هذا السياق يعتبر المدون السعوديرائف بدوي، الذي اعتقلته السلطات بتهمة الإساءة للإسلام بينما تعتبره المنظمات الدولية سجين رأي، من أشهر الحالات التي سلطت الضوء على هذه الممارسة بعدما نفذت فيه هذه العقوبة.
ويرى المحامي والحقوقي السعودي طه الحاجي أن القرار الجديد وإن كان قد يغير حياة البعض إيجابيا بشكل محدود إلا أنه يكشف الكثير مما هو مخفي ويفضح ادعاءات السعودية في المحافل الدولية والإعلامية. ويشرح الحاجي ذلك في حديث لـDW عربية قائلا “القرار الملكي لم يأت بجديد فكل ما ذكره موجود في قانون الأحداث لكن النيابة العامة والقضاء السعودي يتجاهلان هذا القانون ومازالت النيابة العامة تطالب بإعدام القاصرين رغم أن القانون حدد لهم عقوبات خاصة ليس من ضمنها القتل، علما أن التهم التي يواجهونها ليست تهما خطيرة كتهمة المشاركة في المظاهرات ورمي المولوتوف وغيرها أي القوانين وإن وجدت فلا سيادة لها ودائما تجد السلطة استثناءات لتنفيذ ممارساتها”.
محاولة للتقرب من الغرب؟
ويشير حاجي إلى ثغرة أخرى في القرار يرى فيها خطورة كبيرة ونسفا للقرار وهي استثناء تهمة الإرهاب، وهو ما يعني أن إعدام القصر بتهمة الإرهاب سيستمر، “والإرهاب في السعودية مفهوم واسع جدا جدا فالدولة قد تحاكم أي طرف يعارض قراراتها أو ينتقدها بتهمة الإرهاب”.
وعن سبب اختيار التوقيت الحالي لإعلان هذا الإجراء، يتوقع حاجي أن السبب في ذلك قد يكون محاولة للتغطية على وفاة الناشط المعتقل عبد الله الحامد في السجن بسبب الإهمال الصحي رغم تقدمه في السن وهو أحد أبرز الناشطين السعوديين، لهذا “تحاول الرياض شغل العالم بإنجازات بن سلمان عوض التركيز على فضيحة وفاة مناضل سعودي معروف”.
وفي هذا السياق يلاحظ حاجي أن طريقة إعلان هذا الأمر تؤكد أن القرار محاولة “للتغزل بالغرب”. ويشرح ذلك بالقول “إن الأمر الملكي لم ينشر بطريقة رسمية كالعادة ولم يضج الإعلام الرسمي بالتطبيل والتهليل له بل تم بداية تسريب الخطاب وبعد يومين تناولته هيئة حقوق الإنسان السعودية كأول جهة رسمية تتحدث عن الموضوع وذلك عبر حسابها الناطق بالإنجليزية في تويتر وليس الصفحة العربية وهذا وحده يوضح الكثير”.
هذا الرأي يشاطره غيدو شتاينبيرغ الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط. فهو يرى أن السعودية قلقة على سمعتها في الغرب، لهذا اتخذت هذا القرار بعدما لاحظت أن صورتها تضررت كثيرا في السنوات الأخيرة بسبب تطبيقها للعقوبات البدنية القاسية، وبالتالي فهذا الإجراء محاولة لتلميع صورتها خاصة بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت بها منذ قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر 2018.
طيف خاشقجي مازال حاضرا
من جهته يرى بدر السيف الباحث في معهد كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت أن الإصلاحات القضائية الأخيرة تتناغم مع أهداف رؤية 2030. فالسعودية مبنية على مبدأ الحفاظ على عقيدة التوحيد والشريعة الإسلامية، ولطالما كانت هناك تحفظات على تليين المشهد الديني بسبب تاريخ البلاد لكن الملك الحالي وابنه خرجا على هذا الخط فهما يحاولان جعل البلد قريبا ومتماشيا مع المعايير الدولية.
وبدأ عهد التغييرات الأخيرة في السعودية في العام 2016 مع إعلان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إطلاق ما سمي برؤية 2030 التي تهدف إلى إدخال إصلاحات شاملة وواسعة للبلاد في إطار مساعي الرياض لتنويع مصادر الدخل استعدادا لمرحلة ما بعد النفط.
وقد اتخذ بن سلمان قرارات غيرت بالفعل من وجه السعودية لعل أبرزها السماح للنساء بقيادة السيارة، وهو الموضوع الذي لطالما كان محط جدل داخل وخارج المملكة المحافظة. بالإضافة إلى قرارات أخرى غيرت شكل الحياة العامة في السعودية وأدخلت إلى البلاد اختلاطا بين الجنسين ونمطا ترفيهيا غير معهودين.
وبينما رحب البعض بهذه الإجراءات غير المسبوقة في بلد الحرمين الشريفين، انتقدتها أصوات محافظة داخل وخارج السعودية، بينما اعتبرتها جهات حقوقية ومعارضون سعوديون مجرد إجراءات تجميلية لواقع مازال مريرا فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
ورغم “الإصلاحات” الكبيرة التي أطلقتها المملكة وحملة الانفتاح غير المسبوقة على أكثر من صعيد، تواصلت الاتهامات لقيادة البلاد باستهداف المعارضين بمن فيهم الأمراء ورجال الدين وحتى المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقول حاجي إن الدولة ترفض أي نوع من النقد بما في ذلك النقد الإيجابي البناء الذي يسعى لتطوير أو تحسين قرارات السلطة.
وقد شكلت قضية مقتل خاشقجي تحديا كبيرا لصورة السعودية بالإضافة إلى استمرار اعتقال ناشطات سعوديات بمن فيهن من كن يطالبن بالسماح للنساء بقيادة السيارة، وانتشار تقارير عن تعرضهن للتعذيب والتحرش.
المصدر:dw ـ سهام أشطو