القاهرة تستعيد المبادرة في الملف الليبي
في تكتم شديد، عادت إلى القاهرة الزيارات التي انقطعت لما يقرب من عامين لوفود من المنطقة الغربية الليبية الذين يدعمون حكومة الوفاق، وهي المكون السياسي المعادي للرجل القوي في شرق ليبيا والداعم لبرلمان طبرق، الجنرال خليفة حفتر، الذي يحظى بدعم مصر والإمارات وروسيا.
يأتي هذا التطور، بعد أقل من شهر من إعلان السلطتين المتنازعتين في ليبيا، في بيانين منفصلين، وقف إطلاق النار بشكل فوري وكامل، وتنظيم انتخابات العام المقبل في أنحاء البلاد.
ومنذ أقل من شهرين، كانت مصر على استعداد للتدخل العسكري في ليبيا، وأعطى البرلمان الضوء الأخضر لنشر قوات مسلحة في الخارج، وذلك بالتزامن مع تفويض قبائل ليبية لهذا التدخل، بعد تلميح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدخول الجيش المصري إلى مدينة سرت الاستراتيجية وقاعدة الجفرة الجوية إذا استمر تقدم قوات الوفاق.
ولم تعلق مصر رسميا على اجتماع مع وفد ليبي من المنطقة الغربية بدأ زيارته الأربعاء وتتواصل اليوم الخميس، وفقا لمصادر تحدث إليها موقع “الحرة”.
يقول الباحث والمحلل السياسي الليبي إبراهيم بلقاسم إن هذا الاجتماع كان من المفترض أن يكون سريا، لكن من الواضح أن معلومات بشأنه تسربت سريعا.
وعلى الرغم من تسريب بعض المعلومات بشأن أعضاء الوفد، وهدفه، والجهات المجتمع معها في مصر، فإن التضارب كان سيد الموقف مع إصرار الطرفين على عدم الحديث بشأن أي تفاصيل في هذا الصدد.
ولم يرد المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد حافظ على محاولات موقع “الحرة” التواصل معه، وكذلك البرلماني الليبي عن منطقة ورشفانة أيمن سيف النصر الذي أكدت مصادر حضوره ضمن الوفد.
أعضاء الوفد
ويقول الباحث السياسي الليبي، محمد السلاك، إن الوفد القادم من المنطقة الغربية يضم أعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، بينهم عضوان عسكريان بارزان، وذلك لبحث سبل دفع العملية السياسية، وللقاء اللجنة المصرية المعنية بالشأن الليبي التي شكلها السيسي وتشمل وزارتي الدفاع والخارجية فضلا عن المخابرات.
بينما قال بلقاسم لموقع “الحرة” إن الوفد مشكل من لجنة مصغرة بها أعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وشخصيات عامة من مدينة مصراتة (غربي البلاد).
وأضاف بلقاسم أن “الوفد يضم النائب أيمن سيف النصر عضو مجلس النواب عن منطقة ورشفانة بطرابلس، أبو بكر سعيد عضو مجلس النواب عن مدينة ترهونة، ومحمد الرعيض عضو مجلس النواب عن مدينة مصراتة، وعبد الله جوان عضو مجلس النواب عن مدينة زليتن، بلقاسم قزيط عضو مجلس الأعلى للدولة عن مدينة مصراتة، سعد بن شرادة عضو المجلس الأعلى للدولة عن أجدابيا، وشخصيات عامة من بينهم حسين شابه (وهو رجل أعمال)”.
أما رئيس مركز الأمة الليبي للدراسات الاستراتيجية محمد الأسمر فقد قال لموقع “الحرة” إن الوفد الذي يزور القاهرة يترأسه تاج الدين الرازقي وهو مستشار الأمن القومي الخاص بفايز السراج الذي يترأس حكومة الوفاق، لكن مواقع إخبارية ليبية نفت أن يكون الرازقي ضمن الوفد الليبي.
“مبادرة من الخارجية المصرية”
وحتى الآن لم تصدر أي بيانات رسمية تتعلق بزيارة وفد الغرب الليبي التي جاءت، وفق مصادر مطلعة، بتنسيق من الخارجية المصرية، لبحث المسار السياسي والخلاف بين رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج ووزير داخليته فتحي باشاغا، والوضع في طرابلس.
وما يزيد من ضبابية الزيارة هو نفي المجلس الأعلى للدولة في ليبيا أن يكون ممثلا في الوفد الموجود في مصر، رغم تواجد أعضاء منه هناك، إلا أن المجلس أكد في بيان أصدره الأربعاء أنه يرحب بأي دعوة توجه له من القاهرة.
ويترأس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري، المستقيل في يناير 2019 من جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها مصر إرهابية.
ويصف بلقاسم هذه الزيارة بـ”التمهيدية”، قائلا إنها تهدف لفتح قنوات للتواصل لما بعد، وتحسين العلاقات بالدرجة الأولى وبحث عدة قضايا.
وأضاف: “هذه الاجتماعات أصفها بالانتصار للخارجتين المصرية والليبية، الانفتاح في هذا الوقت بعد حالة من الجمود والفتور في العلاقة بين البلدين بسبب الحرب على طرابلس، أعتقد أنها بداية علاقة جديدة بين البلدين”.
ويرى السلاك، في حديث لموقع “الحرة”، أن استضافة مصر لهذا الاجتماع تطور إيجابي كبير في الموقفين المصري والليبي، قائلا: “كانت القاهرة تستقبل مثل هذه الوفود عادة في 2016 و2017 ثم توقفت، وهي تعود لاستقبال الجميع، نأمل أن تلعب دورا محوريا في الأزمة”.
ماذا يريد الوفد؟
ويرى رئيس مركز الأمة الليبي للدراسات الاستراتيجية محمد الأسمر، أن الوفد الليبي المجتمع حاليا في القاهرة يمثل حكومة الوفاق، قائلا إنه الزيارة تعد أول تحرك دبلوماسي على المستوى التشريعي بعد إعلان فايز السراج، في 21 اوت الماضي، وقف إطلاق النار.
وأضاف: “لابد من التواصل مع الأطراف المعنية بالأزمة الليبية، وعلى رأسهم مصر لأنها تبنت إعلان القاهرة الذي يدعو لوقف إطلاق النار وخروج كافة القوات الأجنبية المسلحة، والدخول في عملية سياسية عبر الحوار، وإنتاج جديد لمجلس رئاسي يضم مناطق الأقاليم التقليدية الثلاث، ثم الإعلان عن الدستور الجديد، والانتخابات التشريعية والتنفيذية.
وعلى الرغم من عدم تأكيد مشاركته ضمن الوفد، نشرت وسائل إعلام ليبية أن الرازقي يناقش في مصر اقتراحه بتأجيل الانتخابات إلى ديسمبر 2021 بدلا من مارس المقبل، والاتفاق على ضخ النفط بشكل مستمر وتقاسم موارده بآلية عادلة، والاستمرار في الحوار العسكري والأمني والاقتصادي.
ضغط أميركي
وأرجع الأسمر أسباب التقدم تجاه حلول للأزمة الليبية إلى ما سماه بـ”التدخل المباشر للولايات المتحدة، فواشنطن كانت تدير الملف الليبي عن بعد وبالإنابة عبر حلفائها، خاصة الأوروبيين، وذلك منذ عام 2011″، إلا أنها الآن حثت الجميع على الانخراط في التحاور المباشر مع جميع الأطراف، على حد قوله.
ويضم الوفد الليبي إلى القاهرة “النواب المقاطعين”، وهم النواب الذين يمثلون الغرب الليبي لكنهم قاطعوا جلسات مجلس النواب المنعقد في طبرق، في إطار دعمهم لحكومة الوفاق.
وبحسب الأسمر، فإن هؤلاء النواب يواجهون الآن معضلة تتمثل في عدم احتساب أصواتهم في البرلمان إذا ما تم التوصل إلى مشروع اتفاق يتطلب موافقة مجلس النواب عليه.
وسبق وأن دعت مصر لاجتماع مجلس النواب بكل أطيافه، في القاهرة لتداول الأزمة الليبية واتخاذ قرارات حاسمة لكن نواب المنطقة الغربية لم يستجيبوا للدعوة.
المصدر: الحرة