امراء الخليج يتنافسون في ملاعب اوروبا
بدأت قصة دخول الرساميل العربية لسوق كرة القدم الأوروبية قبل أكثر من عقد على الأقل، خصوصا مع أوج الطفرة النفطية والوفرة النقدية الهائلة التي غمرت الصناديق النقدية لدول الخليج العربية. وحينها بدأ أثرياء الخليج وأمراؤها في التهافت للاستحواذ على كبريات الأندية الأوروبية. ففي عام 2008 اشترى الشيخ الإماراتي منصور بن زايد نادي مانشستر سيتي الإنجليزي بحوالي 210 مليون جنيه استرليني، تبعتها فيما بعد مجموعة من الصفقات، منها نادي مالاغا الإسباني الذي اشتراه الشيخ القطري عبد الله بن ناصر الأحمد آل خليفة. ثم نادي خيتافي الإسباني واشترته مجموعة “رويال دبي” الإماراتية. دون نسيان نادي باريس سان جرمان الفرنسي الذي استحوذت عليه “مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية” في صفقة مثيرة عام 2011. وهناك أيضا نادي شيفيلد الإنجليزي الذي اشترى نصف أسهمه الأمير السعودي عبد الله بن مساعد، إضافة إلى مستثمرين عرب آخرين من الأردن ومصر اشتروا أسهم نوادٍ أوروبية عريقة في ألمانيا وبلجيكا وغيرها.
دخول المال الخليجي غير وجه العديد من الأندية الأوروبية. فقد ضخ الشيخ منصور بن زايد ما لا يقل عن 500 مليون جنيه إسترليني في نادي مانشستر بعد شرائه له مباشرة، وجعل منه آنذاك أغنى الأندية الإنجليزية على الإطلاق. وتم استثمار تلك الأموال في تجهيز البنية التحتية للنادي وعقد مجموعة صفقات جلبت أبرز نجوم كرة القدم العالمية حينها، من بينها صفقة النجم البرازيلي روبينهو (32.5 مليون جنيه إسترليني). أما القطريون فصرفوا ما لا يقل عن 364 مليون يورو على فريق العاصمة الفرنسية خلال السنوات الموالية لشرائهم للنادي. وجلبوا أسماء وازنة في كرة القدم العالمية.
الكل يتذكر صفقات خيالية أغرت نجوما من وزن السويدي زلاتان إبراهيموفيتش (65 مليون يورو)، ولا ننسى أكبر صفقة في تاريخ كرة القدم العالمية حين دفع رئيس النادي الباريسي ناصر الخليفي (222 مليون يورو) مقابل خدمات النجم البرازيلي نيمار دا سيلفا عام 2017. وبهذا الصدد كتب موقع “ريفيرسبورت” التابع لمجموعة فونكه الإعلامية الألمانية (السادس منفيفري 2016) أن الخليجيين يضخون ما لا يقل عن 400 مليون يورو سنويا في الأندية الأوروبية.
وإذا كان نموذج مانشستر سيتي يُقدم كنموذج لنجاح الاستثمار الخليجي، فإن الأمر لا ينسحب على باقي الأندية. وبهذا الصدد قال كارل-هاينز رومينيغه الرئيس التنفيذي لنادي بايرن ميونيخ الألماني عام 2017 عن استثمارات قطر في باريس سان جرمان “المال لا يسجل الأهداف”. وغداة فوز البافاري ببطولة أوروبا هذا العام كتبت صحيفة “هامبورغر آبندبلات” (22 اوت 2020): “على الرغم من الاستثمارات الكبيرة، لم تنجح معظم الأندية التي تسيطر عليها دول الخليج حتى الآن، وبات الشيوخ يتعرضون لضغوط كبيرة” بشأن جدوى تلك الاستثمارات.
شره المال الخليجي ـ عوالم الإشهار والتسويق التجاري
نهم الرساميل الخليجية لم يقتصر على شراء الأندية الأوروبية وإنما توسع ليشمل عالم الإشهار والتسويق التجاري. وكان قطاع الطيران في دول الخليج أول من اقتحم هذا السوق، وهكذا أصبحت أقمصة كبريات الأندية الأوروبية تحمل العلامات التجارية لعدد من شركات الطيران الخليجية. شركة “طيران الإمارات” التابعة لإمارة دبي كانت سباقة في سوق كرة القدم الأوروبية، حيث وقعت عقد رعاية عام 2001 مع نادي تشيلسي الإنجليزي، بعدها بسنوات أبرمت عقدا ضخما (150 مليون دولار) مع نادي أرسنال، حيث نصت بنود الاتفاق على إطلاق اسم الإمارات على ملعب النادي وطبعه على أقمصة اللاعبين. كما أبرمت الشركة عقودا مماثلة مع أندية أوروبية عريقة منها باريس سان جرمان الفرنسي وريال مدريد الإسباني وميلانو الإيطالي وهامبورغ الألماني. وينسحب الأمر نفسه على شركة “طيران الاتحاد” المدعومة من أبو ظبي التي حمل علامتها التجارية لاعبو مانشستر سيتي، فيما استثمرت شركة “قطر للطيران” في نادي برشلونة الإسباني.
وبهذا الصدد أوضح سيمون تشادويك، أستاذ الاقتصاد الرياضي بجامعة سالفورد في مانشستر لموقع “ريفيرسبورت” الألماني: “إنها طريقة لتقديم بلد ما لنفسه أمام العالم والرسالة هي: نحن هنا وندعم الرياضة (..) وبالطبع فإن الخطوط الجوية القطرية ونادي برشلونة يسعيان لنقل صورة إيجابية بمعنى: أفضل ناد في العالم قد يجعل الناس يعتقدون أن الخطوط الجوية القطرية هي أفضل شركة طيران في العالم”.
وسعت السعودية بدورها في الفترة الأخيرة لتعزيز استثماراتها في قطاع الرياضة داخل وخارج المملكة، في سياق “رؤية 2030” التي بلورها ولي العهد محمد بن سلمان بهدف تنويع مصادر الاقتصاد وتخفيف الاعتماد على الإيرادات النفطية.
القرصنة وحقوق الإنسان ـ هزيمة السعودية أمام نيوكاسل
تابع المراقبون من عالمي السياسية والرياضة في أوروبا كما في الخليج فصول معركة تجارية وإعلامية، فشل على إثرها مشروع صفقة سعودية لشراء نادي نيوكاسل الإنجليزي، قيل إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يقف شخصيا وراءها. الصفقة فشلت بعدما رفضت رابطة كرة القدم الإنجليزية رسميا عرضا تقدم به صندوق الاستثمارات السعودي. وكانت مجموعة مكونة من صندوق الاستثمارات العامة، شركة “بي سي بي كابيتال بارتنرز” والأخوين الثريين البريطانيين ديفيد وسايمون روبن، قد سحبت في جوان عرضها المقدرة قيمته بـ300 مليون جنيه استرليني (391 مليون دولار) للاستحواذ على نيوكاسل. وأظهرت هذه الصفقة كيف أصبحت أزمات السياسة في الخليج تُنقل إلى عالم الكرة الأوروبية. فبعد عملية مطوّلة ومضنية، امتدت لأشهر، أُجهضت الصفقة بعد انتقادات واسعة على خلفيات حقوقية وتجارية.
فعلى المستوى الحقوقي شنت منظمات حقوق الإنسان حملة واسعة منتقدة سجل السعودية في هذا الشأن خصوصا بعد الجريمة البشعة التي تعرض لها الصحافي والمعارض جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول. المشروع السعودي واجه معركة أخرى ذات طابع تجاري هذه المرة وتتعلق باتهامات شبكة “بي إن سبورتس” القطرية المالكة لحقوق بث الدوري الممتاز (البرمييرليغ) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تتهم الرياض بالوقوف خلف قرصنة بث القنوات التابعة لها.
يذكر أن نيوكاسل يتمتع بقاعدة جماهيرية واسعة، وكان يسعى فعلا كما العديد من مشجعيه إلى نجاح الصفقة وتكرار إنجاز مانشستر سيتي الذي حقق أربعة ألقاب في البرميرليغ منذ انتقال ملكيته إلى الشيخ الإماراتي منصور بن زايد آل نهيان. وكانت منظمة العفو الدولية قد حذرت من “خطر أن تصبح (البطولة الإنجليزية) ضحية” في حال صرفت النظر عن حقوق الانسان. وقال فيليكس جايكنز، المسؤول في مكتب المنظمة في بريطانيا لفرانس بريس (30 جوان 2020) “إذا تمكن الأمير (محمد بن سلمان)، بموجب سلطته على صندوق الاستثمارات العامة، من الاستحواذ على نيوكاسل يونايتد، فإننا نتساءل كيف يمكن لذلك أن يكون إيجابيا لسمعة الدوري الممتاز”. كما بعثت شبكة “بي إن سبورتس ” برسالة الى أندية الدوري تحضها فيها على رفض الصفقة، محذرة من أن “مستقبل النموذج الاقتصادي لكرة القدم على المحك” في حال نجحت الصفقة.
أمير قطر ـ البطل الحقيقي لنهائي دوري أبطال أوروبا؟
نهائي دوري أبطال أوروبا لكرة القدم الأخير بين فريقي بايرن وسان جرمان، لم يكن مثيرا على المستوى الرياضي فحسب، وإنما سلط الضوء أيضا على توغل المال الخليجي في الدوريات الأوروبية، بعدما ظهر أن أمير قطر كان الفائز الحقيقي بالدوري حسب تعليقات معظم الصحف الألمانية. فالنادي الباريسي تعود ملكيته لقطر برئاسة ناصر الخليفي، فيما ترعى شركة الطيران القطرية النادي البافاري. ومنذ عام 2011 والقطريون ينفقون المال بسخاء على النادي الباريسي. أما بايرن ميونيخ، فرغم استفادته من التمويل القطري، إلا أنه لا يزال يعتمد في نموذجه الاقتصادي على قدراته الذاتية، من خلال حقوق البث التلفزيوني، المبيعات التجارية، وبالطبع الرعاة التجاريين.
موقع “فيستركورييه” الألماني (12 جوان 220) رأى أن “الصراعات السياسية (بين دول الخليج) لن تمنع أندية كرة القدم الأوروبية من الاستمرار في قبول البترودولارات، وستبقى الكرة الأوروبية بالتالي لعبة بين الشيوخ”.
وعكس بريطانيا أو فرنسا، فإن فكرة بيع ناد كرة قدم إلى مستثمر عربي أو أجنبي فكرة لا تزال مرفوضة في ألمانيا. وتساهم شركة الخطوط الجوية القطرية بما لا يقل عن عشرة ملايين يورو سنويا في صندوق النادي البافاري، ما سمح لها بوضع علامتها التجارية على أكمام قمصان اللاعبين. ويقيم الفريق البافاري معسكرا تدريبيا في قطر خلال فترة الاستراحة الشتوية للدوري الألماني (بوندسليغا) في شهر جانفي كل عام، تقليد يثير انتقادات كل سنة من قبل منظمات حقوق لإنسان. غير أن معظم الشركاء التجاريين الكبار لبايرن هم شركات ألمانية عملاقة، مقارنة بالشريك القطري. ومن بين شركاء البافاري نجد شركة “دويتشه تليكوم” للاتصالات، “أودي” المصنعة للسيارات، “أديداس” للملابس والمعدات الرياضية وشركة “أليانز” للتأمينات.