طرد المصريين وعرب آخرين من الخليج ومخاطره على دولهم
في دول الخليج يتعرض ملايين العاملين الأجانب والعرب للطرد والترحيل بسبب الركود الاقتصادي وتبعات كورونا. وفي مصر لوحدها شمل ذلك نحو نصف مليون عامل. ما هي أبرز المشاكل الناجمة عن ذلك، وهل يمكن مواجهات تحدياتها؟
يتحسر المصري مرزوق محمد على اضطراره لمغادرة الكويت التي قضى معظم حياته فيها منذ 45 عاما بسبب العمل. وجاء في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية أن مرزوق من بين عشرات الآلاف الذين سيطردون قريبا حتى من هذه الإمارة الغنية التي بقيت نسبيا خارج دائرة الضجيج حول سوء معاملة العمال الأجانب. فمع حلول العام الجاري 2020 لن يكون بإمكان الذين تزيد أعمارهم من هؤلاء عن 60 عاما ولا يحملون شهادة جامعية تجديد تصاريح عملهم والبقاء في هذا البلد الصغير الذي يمتلك أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم بقيمة نحو 550 مليار دولار. ولا تميز السلطات المعنية في عملية الطرد هذه بين من قضى عمره في إعمار الكويت على مدى عقود وبين من قدم إليها منذ بضع سنوات أو أشهر.
وتطال إجراءات مشابهة العاملين العرب من مصريين ولبنانيين وسوريين وأردنيين وفلسطينيين وسودانيين وغيرهم في دول أخرى كالسعودية والإمارات منذ صدمة تراجع أسعار النفط منذ صيف 2014 والركود الاقتصادي الذي تبعها. وعلى إثر هذا الركود فقد الملايين عملهم في الخليج وعادوا قسرا أو طوعا إلى بلدانهم الأم أو راحوا يبحثون عن بلد آخر للهجرة والعيش. وزاد الطين بلة تفشي فيروس كورونا الذي شل جزئيا أنشطة القطاع الخاص وأجبر الشركات هناك على تسريح وتقليص عمالتها بنسب تتراوح ما بين 30 إلى 60 بالمئة ما يعني خسارة ملايين العمال الإضافيين لفرص عملهم دون تعويضات توفر لهم مستوى حياة مقبول. وقد أدى ارتفاع نسب الإصابة بالفيروس في صفوفهم بسبب ظروف سكنهم المزرية وغير الصحية إلى تأجيج مشاعر العداء تجاههم وارتفاع وزيادة الأصوات المطالبة بترحيلهم وتشغيل المواطنين مكانهم. ولعل الأدهى في الأمر أن بلدانهم الأصلية لا تبدو متحمسة لاستقبالهم خوفا من الفيروس وأعباء الإصابة به على نظمها الصحية. وهو الأمر الذي جعل الآلاف منهم تحت رحمة دعم الجمعيات الخيرية التي تقدم بعض الأغذية والألبسة في الأبنية المكتظة بهم والتي تشكل بؤرا لتفشي كورونا.
طرد وترحيل أو رحيل
أصابت عمليات الترحيل الجنسيات العربية العاملة في الخليج بنسب مختلفة، تزيد كلما كانت مستوى التأهيل متدني وطبيعة العمل بسيطة. أما أصحاب الكفاءات العالية والمتوسطة فقد اضطر عشرات الآلاف منهم للعودة أيضا بسبب فقدان العمل وآقدم آلاف آخرون على الرحيل الطوعي وخاصة بعد أزمة دبي المالية وتقليص المشاريع الحكومية بسبب تراجع أسعار النفط. وتبدو أعداد المرحلين والعائدين المصريين من دول الخليج من بين الأعلى. فقد زاد هذا العدد على نصف مليون خلال السنوات القليلة الماضية نصفهم من الذين غادروا السعودية على ضوء خططها الرامية إلى “سعودة” سوق العمل. ومع استمرار جائحة كورونا يتوقع وصول هذا العدد إلى نحو 1٫5 مليون مصري، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الكويت لوحدها تعد العدة قريبا للاستغناء عن 400 ألف وافد أجنبي قسم كبير منهم من المصريين الذين يعملون في التجارة والخدمات الأخرى التي لا تتطلب كفاءات عالية.
وينطبق هذا الوضع على مواطني الدول العربية الآخرين من سوريا ولبنان والسودان ودول أخرى. ولا توجد معلومات دقيقة عن عدد العاملين من الدول العربية في دول الخليج. أما التقديرات فتشير إلى أن أعدادهم المتغيرة بسرعة تصل إلى نحو 11 مليون شخص. ويشكل المصريون نحو 5 ملايين منهم يليهم السودانيون واليمنيون بأعداد تزيد على 3,5 مليون، بينما يشكل العاملون من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين القسم الأكبر من الأعداد المتبقية. وهناك الآلاف القادمين من المغرب وتونس نسبة عالية منهم ومن الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والأردنيين من أصحاب الكفاءات المتوسطة والعالية. وتفيد المعطيات المتوفرة أن ثلث إلى نصف العمال الأجانب في الخليج إما فقدوا عملهم أو تم تقليص دخلهم بسبب تبعات كورنا واستمرار تدني أسعار النفط.
تعني عودة العاملين في الخليج بالنسبة لبلدانهم الأم تعرضها لمزيد من المشاكل والمخاطر الاقتصادية والاجتماعية بسبب ضعف مواردها وضعف قدرتها على مواجهة تبعات كورونا، ناهيك عن استفحال أخطبوط الفساد المتفشي في مؤسسات دولها. ومن هذه المشاكل على سبيل المثال ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الضغوط على سوق العمل التي تعاني أصلا من الجمود وقلة التوظيف. ومما يعنيه ذلك زيادة معدلات الفقر وسوء التغذية لاسيما في صفوف العاطلين عن العمل الذين ستزيد أعدادهم على 20 أو 25 بالمائة في صفوف الشباب بسن العمل. ومن المشاكل التي لا تقل أهمية تراجع عائدات هذه البلدان من تحويلات عمالتها المهاجرة التي تعد في بلدان كمصر ولبنان واليمن والأردن وفلسطين وسوريا أحد أهم مصادر الدخل القومي. ففي مصر على سبيل المثال تُقدر تحويلات العمالة المهاجرة بنحو 20 مليار دولار نصفها من دول الخليج. وفي لبنان تزيد التحويلات على 3٫5 مليار دولار. ويعيش القسم الأكبر من اليمنيين حاليا من تحويلات مغتربيهم في السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. وتشكل تحويلات المغتربين في الناتج المحلي أكثر من 20 بالمائة في اليمن، و 14 بالمائة في لبنان وفلسطين، و 5 بالمائة في مصر وتونس ونحو 7 بالمائة في المغرب. وبعيدا عن الخسائر المالية فإن هناك مخاطر أخرى تتعلق بتهديد ما تبقى من استقرار سياسي وأمني في هذه البلدان نظرا إلى أن قسما من هؤلاء العمال يشكلون جزءا من حراك الشارع واحتجاجاته ضد الفساد وفشل دولهم في تأمين متطلبات حياتهم الأساسية.
صعوبة حل المشكلة
السؤال الذي يطرح نفسه الآن كيف ستواجه الدول العربية المصدرة للعمالة وفي مقدمتها مصر ولبنان والأردن والسودان تحديات عودة مواطنيها العاملين من دول الخليج؟ مما لا شك فيه أن مواجهة المشاكل الناتجة عن هذه العودة بشكل جوهري غير ممكنة حاليا وعلى المدى القصير بسبب جائحة كورنا التي زادت من معاناة الاقتصاديات وكشفت المزيد عن عجز الحكومات وشبكات فسادها التي تنخر في جميع المؤسسات. ومما يعنيه ذلك هو المزيد من البطالة والفقر والاضطرابات الاجتماعية حتى في دولة كمصر حيث تقوم الدولة بعشرات المشاريع الضخمة الرامية إلى تحسين البنية التحتية وتوفير مصادر الطاقة والغذاء.
لكن وعلى الرغم من هذه الصعوبات فإن أمام الحكومات المعنية فرصة للحد من تبعات عودة العاملين، لاسيما وأن قسما هاما منهم يتمتع بمستوى تعليمي جيد وراكم خبرة سنوات طويلة في العمل الوظيفي وثقافة العمل المنضبطة، إضافة لامتلاكه مدخرات تمكنه من إطلاق مشاريع صغيرة ومتوسطة. مثل هؤلاء ليس من الصعب إعادة دمجهم في مشاريع ومؤسسات الدولة أو من خلال مبادرات متكاملة تشجعهم على إقامة مشاريع فردية أو مشتركة في قطاعات ينمو الطلب عليها وفي مقدمتها المعلوماتية والاتصالات والعقارات والإنتاج الزراعي والصناعي الاستهلاكي. وهناك قسم من الكفاءات العالية العائدة سيجد مجددا فرص عمل جديدة في الخارج، لابل حتى في دول خليجية مثل قطر والإمارات والسعودية التي بدأت تعاني من نقصها. وهو الأمر الذي يفسر اتخاذها مؤخرا لعدة قرارات تحفز على عودتهم من خلال ميزات إضافية كمنحهم إقامات طويلة الأجل وتحريرهم من معظم قيود أنظمة الكفالة التي تطالب منظمات حقوقية مثل “هيومن رايتس ووتش” دولية بإلغائها. أما القسم المتبقي من العائدين فسوف ينضم إلى جيوش العاطلين عن العمل التي تشكل أكبر التحديات الخطيرة التي تواجه جميع الدول العربية، لاسيما غير النفطية منها وخاصة في زمن كورونا.
ابراهيم محمد
المصدر: dw