نتنياهو أشعل فلسطين التاريخية لمصلحته
عندما كان التفويض بتشكيل الحكومة بأيدي نتنياهو، معظم أيام الشهر الماضي، بدا واضحا أنه سيفشل في ذلك. لم تكن هناك أغلبية داعمة له في الكنيست، وإنما 59 عضو كنيست، من الليكود والحريديين والصهيونية الدينية وحزب “يمينا”، برئاسة نفتالي بينيت. ورئيس حزب “تيكفا حداشا”، غدعون ساعر، رفض بشدة الانضمام إلى معسكر نتنياهو، والصهيونية الدينية رفضت بشدة أكبر، دعم القائمة الموحدة، برئاسة منصور عباس، لحكومة كهذه من خارجها.
وأجرى نتنياهو المفاوضات لتشكيل حكومته في موازاة توتر في القدس، على خلفية نصب الحواجز الحديدية عند باب العامود، خلال شهر رمضان، وقمع احتجاج المقدسيين على ذلك، إلى جانب التوتر في حي الشيخ جراح. وكانت الأجواء حينها تنذر بتصعيد أمني، بعد إطلاق الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة 36 مقذوفا باتجاه “غلاف غزة”، لدرجة أن أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، في 25 افريل الماضي، عن إلغاء زيارته إلى واشنطن، التي كانت مقررة في اليوم نفسه، لمناقشة الاتفاق النووي مع إيران. وقال كوخافي، خلال اجتماعه مع رؤساء السلطات المحلية في “غلاف غزة”، إنه إذا هدأت الأجواء في القدس فإن غزة ستهدأ أيضا.
بعد ذلك بعشرة أيام، في 5ماي الجاري، انتقل التفويض بتشكيل الحكومة إلى رئيس حزب “ييش عتيد”، يائير لبيد. وانتقل بينيت إلى هذا المعسكر، بعدما اتفق مع لبيد على تشكيل حكومة يتناوب الاثنان على رئاستها، وبدعم القائمة الموحدة من خارجها، ما يمنحها أغلبية في الكنيست.
إلا أن التصعيد في القدس استمر، وبلغ ذروته يوم الجمعة الماضي، في ليلة القدر، عندما اعتدت الشرطة الإسرائيلية بوحشية على المصلين في المسجد الأقصى. ولم يكن هناك أي مبرر لشدة هذا القمع في هذا المكان البالغ الحساسية، كما يصفه الإسرائيليون أنفسهم.
ولم يستسلم نتنياهو لإمكانية نهاية حكمه، وبادر إلى التصعيد ضد المجتمع العربي في الداخل وإلى عدوان في غزة. كما شرع بتحريض بالغ ضد المجتمع العربي، ودفع الشرطة إلى التغول ضد المحتجين العرب في المدن الساحلية (المختلطة) وتشبيههم بالنازيين، خلال اجتماعه مع قادة الشرطة في عكا، أول من أمس الأربعاء، وقوله إن مشاهد المواجهات والحرائق “تُذكّر بمشاهد من الماضي حدثت مع شعبنا” في إشارة إلى “ليلة البلور”.
وبدا أن إسرائيل سعت إلى التصعيد واستدراج حركة حماس والفصائل في غزة إلى التصعيد، وهذا ما حدث عمليا. وأطلقت حماس 7 صواريخ باتجاه القدس، يوم الإثنين الماضي، وبدأ عدوان إسرائيلي جديد على غزة. وكان الاعتقاد السائد في إسرائيل أن تصعيدا أمنيا سيجعل حزبا اليمين في معسكر خصوم نتنياهو، “يمينا” و”تيكفا حداشا”، يتراجعان وينضمان إلى نتنياهو.
وفي موازاة العدوان على غزة هدأت الأوضاع، نسبيا، في المسجد الأقصى، إثر انسحاب الشرطة الإسرائيلية منه، وانتقالها إلى قمع التظاهرات في المدن الساحلية والبلدات العربية في الداخل، التي كانت سلمية وتقتصر على هتافات ورفع شعارات منددة بالاعتداء على المقدسيين والأحداث في الأقصى والتضامن مع الشيخ جراح. وبعد ذلك أرسل نتنياهو غلاة المستوطنين وعناصر اليمين المتطرف، الذين أدخل بنفسه ممثلين عنهم إلى الكنيست، لتنفيذ اعتداءات ضد المتظاهرين العرب في المدن الساحلية (المختلطة) خصوصا، من أجل تفجير الأوضاع، وفي موازاة ذلك مطالبة الشرطة، التي سمحت بانفلات المستوطنين، بتشديد قمعها في المجتمع العربي.
وواصل نتنياهو، أمس، التحريض على المجتمع العربي ومطالبة الشرطة بتشديد القمع، داعيا أفرادها إلى عدم التخوف من لجنة تحقيق رسمية إثر قمعهم للمتظاهرين العرب. وأشار نتنياهو بذلك إلى لجنة التحقيق الرسمية التي تشكلت بعد هبة أكتوبر العام 2000، التي استشهد فيها 13 مواطنا عربيا برصاص الشرطة. كذلك أوعز نتنياهو بإدخال قوات من الجيش إلى المدن الساحلية والبلدات العربية، خلافا للموقف الذي أعلن عنه قبل ذلك كل من وزير الأمن، بيني غانتس، والجيش الإسرائيلي والمفتش العام للشرطة، يعقوب شبتاي.
وبالأمس، أعلن بينيت أن تشكيل حكومة في معسكر خصوم نتنياهو لم يعد واردا، وأنه لن يكون بالإمكان تشكيلها بالاعتماد على القائمة الموحدة، لأن التصعيد، خاصة ضد المجتمع العربي، سيستمر، وأنه ينبغي تشكيل حكومة يمينية. وبذلك عاد بينيت إلى معسكر نتنياهو.
لقد نجح نتنياهو بمنع تشكيل حكومة ليست برئاسته، وهو يسعى الآن إلى إعادة التفويض بتشكيل الحكومة إلى الكنيست، آملا بأن يتمكن من تشكيلها، من خلال إقناع ساعر بالانضمام إليها، أو حزب “كاحول لافان”، برئاسة غانتس، حسبما يتردد الآن. وثمة خياران آخران: سن قانون الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة، من دون حل الكنيست، أو التوجه إلى انتخابات خامسة، ليس واضحا إذا كانت ستحرج إسرائيل من أزمتها السياسية.
والأمر المؤكد الآن، هو أن نتنياهو أشعل فلسطين التاريخية كلها ولم يتورع عن استخدام أي وسيلة، ليس ضد قطاع غزة فقط، وإنما ضد المجتمع العربي بالأساس، من أجل الحفاظ على حكمه والتهرب من محاكمته بتهم فساد خطيرة، وسط دعم معسكر سياسي واسع يستفيد من هذا الحكم، وعجز خصومه عن تشكيل بديل سياسي له.