وصف عبدالله عبدالله، أكبر مسؤول أفغاني معني بعملية السلام، الأحد 15 اوت 2021، الرئيس أشرف غني بـ”الرئيس السابق”، مُحمِّلاً إياه المسؤولية الرئيسية عما آلت إليه الأوضاع في البلاد.
حيث قال عبدالله، الذي يترأس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، في رسالة مصورة نشرها عبر حسابه بموقع “فيس بوك”: “الرئيس الأفغاني السابق غادر البلاد، ، تاركاً البلاد في هذا الوضع الصعب. لقد وضع أفغانستان في مثل هذه الحالة”.
جاءت تصريحات عبدالله بعد ساعات من دخول مقاتلي حركة طالبان العاصمة كابول، وفي أعقاب أنباء عن سيطرة الحركة على قصر الرئاسة الأفغاني.
في وقت سابق من يوم الأحد، نقلت وكالة رويترز عما وصفته بالمسؤول الكبير بوزارة الداخلية الأفغانية أن الرئيس الأفغاني غني غادر إلى طاجيكستان.
في حين قال مكتب الرئيس الأفغاني لوكالة رويترز الإخبارية إنهم لا يمكنهم الإفصاح عن أي شيء بخصوص تحركات غني لأسباب أمنية.
دخول العاصمة
من جهته، أعلن المتحدث باسم حركة طالبان الأفغانية، ذبيح الله مجاهد، الأحد، أن الحركة أمرت مقاتليها بدخول كابول؛ لمنع عمليات النهب بعد أن غادرت الشرطة المحلية مواقعها.
حيث أكد ذبيح الله أن عناصر حركته بدأت بالسيطرة على كابول ومبانيها الحكومية، مؤكداً أن الحركة ترغب في بسط سيطرتها على العاصمة بشكل سلمي، وأنها لا تستخدم القوة لتحقيق هذا الهدف.
فيما أشار إلى أن عناصر الحركة سيتولون فرض الأمن في العاصمة لمنع وقوع أي حالات نهب وسرقة، مشدّداً على أن طالبان لن تسمح باقتحام منازل المدنيين.
إصابات على مشارف كابول
إلى ذلك، قال مستشفى في كابول على موقع “تويتر”، إن أكثر من 40 شخصاً أصيبوا، الأحد، في اشتباكات على مشارف العاصمة.
المستشفى أضاف أن “معظم الذين تم نقلهم للمستشفى أصيبوا جراء معارك في منطقة قره باغ”، دون ذكر مزيد من التفاصيل عن الاشتباكات. ولم تكن هناك أنباء عن سقوط أي قتلى.
سيطرة طالبان
كانت “طالبان” قد أعلنت، في وقت سابق من يوم الأحد، سيطرتها على عواصم ولايات لغمان وميدان وردك وباميان وخوست وكابيسا وننغرهار ودايكندي في البلاد.
بذلك، باتت 30 عاصمة (مركز) ولاية أفغانية من أصل 34 في قبضة “طالبان”، بعد سيطرتها اليوم على عواصم 7 ولايات.
فقد قال المتحدث باسم “طالبان” ذبيح الله مجاهد، في سلسلة تغريدات على “تويتر”، إن “مقاتلي الحركة سيطروا خلال عمليات الفتح على مدن مهترلام مركز لغمان، وميدان شهر مركز ميدان وردك، وباميان مركز باميان، وخوست مركز ولاية خوست، ومحمود راقي مركز ولاية كابيسا، وجلال أباد مركز ننغرهار، ونيلي مركز ولاية دايكندي”.
كما أوضح ذبيح الله أن الحركة سيطرت على مكاتب حكام الولايات ومقرات الشرطة والسجون وجميع المرافق الحكومية في مراكز الولايات.
يُذكر أن “طالبان” كانت قد تمكنت، قبل أقل من 3 أسابيع على سحب الولايات المتحدة آخر قواتها، من السيطرة على جزء كبير من شمال أفغانستان وغربها وجنوبها.
كان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قد صرّح، قبل أيام، بأنه غير نادم على قراره مواصلة الانسحاب، منوهاً إلى أن واشنطن أنفقت أكثر من تريليون دولار وفقدت آلاف الجنود خلال 20 عاماً، ودعا الجيش والزعماء الأفغان إلى التصدي للتحدي.
يشار إلى أنه منذ ماي الماضي، تصاعد العنف في أفغانستان، مع اتساع رقعة نفوذ “طالبان”، تزامناً مع بدء المرحلة الأخيرة من انسحاب القوات الأمريكية المقرر اكتماله بحلول 31 اوت الجاري.
فيما تعاني أفغانستان حرباً منذ عام 2001، حين أطاح تحالف عسكري دولي تقوده واشنطن بحكم طالبان؛ لارتباطها آنذاك بتنظيم “القاعدة” الذي تبنى هجمات 11 سبتمبر من العام نفسه في الولايات المتحدة.
من هو الرئيس الهارب؟
الرئيس الأفغاني أشرف غني الذي أُعلن أنه غادر البلاد الأحد بعد وصول طالبان إلى مشارف كابول، أكاديمي وخبير اقتصادي أراد المساهمة في إعادة بناء بلاده لكنّه أصبح خلال سنوات رمزا لانهيار الدولة في أفغانستان على الرغم من المساعدات الدولية.
انتُخب غني رئيسا لأفغانستان في العام 2014 إثر حملة تعهّد فيها إصلاح الأوضاع في البلاد ووضع حد للفساد الذي ينخرها، لكنّه في نهاية المطاف لم ينفّذ أيا من هذه التعهّدين واضطر للتخلي عن السلطة بعدما حاصرت حركة طالبان العاصمة كابول.
كما عمل في البنك الدولي منذ العام 1991، وعاد الى كابول مستشارا خاصا للأمم المتحدة بعيد إطاحة طالبان من الحكم في 2001.
في المرحلة التي تلت، ادى دورا رئيسيا في تشكيل الحكومة الانتقالية وأصبح وزير مالية نافذا في ظل رئاسة حميد كرزاي من 2002 حتى 2004، وشن حملة ضارية على الفساد.
عرف غني بحيويته ومواظبته على العمل. فقد طرح عملة جديدة، ووضع نظام ضرائب، وشجع المغتربين الافغان الاغنياء على العودة الى وطنهم، كما تقرب من المانحين في مرحلة ما بعد إطاحة نظام طالبان، لكنّه لاحقا بات يوصف بأنه غير مرن ومزاجي.
– منعزل في قصره –
وشدد الكاتب الباكستاني أحمد راشد الذي تربطه معرفة بغني منذ نحو ثلاثين عاما على أن الأخير “لم يسمح لأحد بالتقرّب منه”، وهو اعتبر أن نوبات غضبه المتكررة وغطرسته تجاه مواطنيه الأفغان “جعلت منه شخصية مكروهة”.
في انتخابات الرئاسة العام 2009، لم يحقق غني نتائج جيدة وحل رابعا بنيله أقل من ثلاثة بالمئة من الأصوات. وفي انتخابات 2014، اثار صدمة العديد من الافغان باختياره الجنرال عبد الرشيد دوستم للترشح لمنصب نائب الرئيس، لان زعيم الحرب الاوزبكي متهم بارتكاب العديد من انتهاكات حقوق الانسان.
وحقق في الجولة الأولى من الانتخابات نتائج أفضل مما توقعه مراقبون كثر، إذ حصل على 31,6% من الأصوات مقابل 45% لخصمه عبدالله عبدالله.
وفي الجولة الثانية، فاز بنسبة 55% متقدما على عبدالله، رغم شبهات الفساد التي شابت عملية الاقتراع.
وبعد الانتخابات، شكّل “حكومة وحدة وطنية” برئاسة عبدالله في أعقاب وساطة أميركية لتقاسم السلطة مع الأخير.
وقبل خوضه السباق الرئاسي أشرف غني على نقل المسؤوليات العسكرية من حلف شمال الأطلسي إلى القوات الأفغانية.
وتعرّضت علاقاته بواشنطن التي كانت تبدو جيّدة، لنكسة بعدما جرى تهميشه في المفاوضات التي أجرتها الولايات المتحدة مع طالبان في الدوحة.
وكانت واشنطن استبعدته من المحادثات بعدما رفضت حركة طالبان مشاركته، وقد أجبر لاحقا على إطلاق سراح خمسة آلاف من عناصرها في إطار مفاوضات سلام لم تثمر.
وباستثناء وقف لإطلاق النار خلال شهر رمضان في جوان 2018، رفضت طالبان كل مبادرات السلام التي أطلقها غني، وقد وصفته بأنّه “دمية” بيد واشنطن.
وتوعّد غني بمحاربة المتمردين “لأجيال” إذا ما أخفقت المفاوضات.
وغني متزوج من رولا التي تعرّف إليها خلال دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت، ولديهما ولدان، وقد شفي مؤخرا من سرطان في المعدة.
وكان قد صرّح لوكالة فرانس برس قبل انتخابه رئيسا “لا أعتزم أن أعيش حياة انعزال”، لكنّه في نهاية المطاف فعل العكس إذ أصبح منعزلا أكثر فأكثر في قصره مانحا ثقته لقلّة قليلة من معاونيه.
لكن نائب الرئيس الأفغاني، أمر الله صالح، قال في تغريدة على موقع تويتر إنه “لن يستسلم أبدا لطالبان الإرهابية”.
وأضاف صالح “لن أقوم بخيانة روح وتراث بطلي أحمد شاه مسعود، القائد والأسطورة والدليل، ولن أقوم بتخييب أمل الملايين الذين أنصتوا إلي، ولن أكون أبدا تحت سقف واحد مع طالبان”.
وفي المقابل قال مسؤول في طالبان إن الحركة “تتحقق إذا ما كان الرئيس أشرف غني غادر العاصمة كابل أم لا”، بحسب ما نقلت “رويترز”.