الجزائر-المغرب:هل هي القطيعة؟
عربت المملكة المغربية عن أسفها “للقرار الأحادي” الذي اتخذته الجزائر بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ووصفت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، في بيان ليل الثلاثاء/الأربعاء (25 اوت)، القرار الجزائري بـ”غير المبرر”، مضيفة أنه كان “متوقعاً بالنظر إلى منطق التصعيد الذي تم رصده خلال الأسابيع الأخيرة”.
وأشار المغرب إلى أنه يرفض بشكل قاطع “المبررات الزائفة، بل العبثية التي انبنى عليها” هذا القرار. وقالت الوزارة إن المملكة المغربية ستظل “شريكاً موثوقاً ومخلصاً للشعب الجزائري وستواصل العمل بكل حكمة ومسؤولية من أجل تطوير علاقات مغاربية سليمة وبناءة”.
ومن جانبه، أعرب رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني عن أسفه للقرار الجزائري:
وجاء الرد المغربي بعد ساعات من إعلان الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب بسبب “الأعمال العدائية” للمملكة. وجاءت الخطوة الجزائرية بعد أقلّ من أسبوع من إعلان الجزائر إعادة النظر في صلاتها المتوترة منذ عقود مع جارتها الغربية.
وخلال مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء (24 اوت) قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة: “قررت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية ابتداء من اليوم (الثلاثاء)”، وأضاف: “قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني أن يتضرّر المواطنون الجزائريون والمغاربة. القنصليات تباشر عملها بصفة طبيعية”، وتابع: “نطمئن المواطنين الجزائريين في المغرب والمغاربة في الجزائر أنّ الوضع لن يؤثّر عليهم. قطع العلاقات يعني أنّ هناك خلافات عميقة بين البلدين لكنّها لا تمسّ الشعوب”.
وفي معرض تقديمه الأسباب التي أدّت الى هذا قرار قطع العلاقات، قال وزير الخارجية الجزائري “لقد ثبت تاريخياً، وبكل موضوعية، أنّ المملكة المغربية لم تتوقف يوماً عن القيام بأعمال غير ودية وأعمال عدائية ودنيئة ضد بلدنا وذلك منذ استقلال الجزائر” في 1962، سارداً الأحداث منذ حرب 1963 إلى عملية التجسّس الأخيرة باستخدام برنامج بيغاسوس الإسرائيلي.
وذكر أنّ هذا “العداء الموثّق بطبيعته الممنهجة والمبيتة، تعود بداياته إلى الحرب العدوانية المفتوحة عام 1963 التي شنّتها القوات المسلحة الملكية المغربية ضد الجزائر الحديثة الاستقلال. هذه الحرب التي عرفت استعمال المغرب لأسلحة ومعدات عسكرية ثقيلة وفتّاكة خلّفت ما لا يقل عن 850 شهيداً جزائرياً”.
وسبق للمغرب أن قطع علاقاته مع الجزائر سنة 1976 بعد اعتراف الجزائر بقيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. ولم تُستأنف العلاقات إلا في 1988 بعد وساطة سعودية. وكان من بين التزامات المغرب في هذا الصدد إيجاد “حلّ عادل ونهائي لنزاع الصحراء الغربية عبر تنظيم استفتاء حرّ ونزيه يسمح للشعب الصحراوي بتقرير مصيره”، كما ذكر لعمامرة.
والنزاع في الصحراء الغربية سبب رئيسي في توتر علاقات الجارين منذ عقود بسبب دعم الجزائر لجبهة بوليساريو التي تطالب باستقلال الإقليم الذي يعتبره المغرب جزءاً لا يتجزأ من أرضه ويعرض منحه حكماً ذاتياً تحت سيادته.
وكان العاهل المغربي، الملك محمد السادس، دعا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في خطاب نهايةجويلية إلى “تغليب منطق الحكمة” و”العمل سوياً، في أقرب وقت يراه مناسباً، على تطوير العلاقات الأخوية التي بناها شعبانا عبر سنوات من الكفاح المشترك”، مجدداً أيضاً الدعوة إلى فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ العام 1994.
وبعد ذلك بأيام عرض المغرب مساعدة الجزائر لإطفاء الحرائق التي أتت على عدة غابات في البلد مخلّفة عشرات القتلى”، لكنّ العرض المغربي ظلّ دون أي ردّ من الجانب الجزائري. وترك لعمامرة الباب مفتوحاً لإعادة العلاقات مجدّداً، بقوله “نأمل أن تستيقظ العقول والقلوب أيضاً وأن تعود الأمور إلى ما يجب أن تكون عليه بين دول شقيقة”.
وكانت الجزائر قد قرّرت الأربعاء الماضي “إعادة النظر” في علاقاتها مع المغرب الذي اتّهمته بالتورّط في الحرائق الضخمة التي اجتاحت شمال البلاد، وهو ما أعاد لعمامرة التذكير به. كما قرر مجلس الأمن الذي ترأسه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون “تكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية”.
وكان ملك المغرب محمد السّادس قد ألقى خطابا مساء الجمعة الماضية في الذكرى الثامنة والستّين لثورة الملك والشعب عبر خلاله عن الأمل في “إقامة علاقات قويّة، بنّاءة ومتوازنة، خاصّة مع دول الجوار”.
وقالت الجزائر الأسبوع الماضي إن حرائق الغابات المميتة التي شهدتها من تدبير جماعات وصفتها بأنها إرهابية، وقالت إن المغرب يدعم إحداها.
وأشار لعمامرة إلى ما وصفه بدعم المغرب لإحدى هذه الجماعات التي تطالب بالحكم الذاتي في منطقة القبائل الجزائرية وقال إن الرباط تجسست على مسؤولين جزائريين وتقاعست عن الالتزام بتعهدات متبادلة ومنها ما يتعلق بالصحراء الغربية.
وقال لعمامرة “إن المغرب أضاف لأعماله العدائية تعاونه البارز والموثق مع المنظمتين الإٍرهابيتين الماك ورشاد”، مشيرا إلى “أنه قد ثبت ضلوع هاتين المنظمتين بالحرائق المهولة التي ضربت عددا من الولايات مؤخرا وقضية قتل وحرق الشاب جمال بن إسماعيل.
وحسب الوزير الجزائري فإن “آخر هذه الأعمال العدائية تمثل في الاتهامات الباطلة والتهديدات الضمنية التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي خلال زيارته الرسمية للمغرب، بحضور نظيره المغربي، الذي من الواضح أنّه كان المحرّض الرئيسي لمثل هذه التصريحات غير المبرّرة”. وكان لعمامرة يشير إلى تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، حول قلق بلاده من التقارب بين إيران والجزائر، ورفضها قبول إسرائيل في الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب.
والعلاقات بين المغرب والجزائر متوترة منذ عقود لأسباب أهمها قضية الصحراء الغربية والحدود المغلقة بين البلدين منذ عام 1994. وتساند الجزائر جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية في حين تعتبر الرباط المنطقة جزءا من الأراضي المغربية.