في أقل من شهر، زار وفد أميركي تونس للمرة الثانية، حيث ضم الفود كل من كريس ميرفي، وجون آوسوف، العضوان بمجلس الشيوخ الأميركي. والتقيا بالرئيس قيس سعيد، لحثه على العودة للمسار الديمقراطي، وإنهاء حالة الطوارئ في البلاد.
وقال ميرفي في تغريدة على حسابه عبر تويتر: “انتهيت للتو من اجتماع مع الرئيس التونسي قيس سعيّد في قصر قرطاج”، ولفت إلى أنه طالب سعيّد بـ”العودة السريعة للمسار الديمقراطي وإنهاء حالة الطوارئ بشكل سريع”.
وأضاف ميرفي “أوضحت أن اهتمام الولايات المتحدة الوحيد هو في حماية وتعزيز الديمقراطية الصحية والاقتصاد من أجل التونسيين”. وأردف “نحن لا نفضل أي طرف على آخر ولا مصلحة لنا بدفع أجندة إصلاح على أخرى. هذه المسائل متروكة للتونسيين لاتخاذ القرار”.
وأكد ميرفي “أن الولايات المتحدة ستستمر بدعم الديمقراطية التونسية التي تتجاوب مع احتياجات الشعب التونسي وتحمي الحريات المدنية وحقوق الإنسان”.
أعقب هذه الزيارة بيان مشترك من سفراء دول مجموعة السبع في تونس، شدد على “الحاجة الماسة” لتعيين رئيس للحكومة واستئناف عمل البرلمان التونسي الذي علقه الرئيس قيس سعيّد منذ 25 جويلية
وتضم مجموعة السبع ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة.
نقطة عدم استقرار
وعن الدافع وراء هذه الزيارات، يرى الناشط السياسي وأستاذ القانون الدستوري جوهر مبارك، أن الولايات المتحدة والدول الكبرى استثمرت كثيرا في عملية التحول الديمقراطي، وكانت تنظر لتونس على أنها التجربة الناجحة في المنطقة، واعتقدت أنها قد تكون نقطة تحول للديمقراطية في المنطقة العربية.
وأضاف مبارك(كان معارضا لسعيد ثم اصبح ناطقا باسمه لينقلب عليه من جديد) في تصريحات لموقع قناة “الحرة” أن “الانقلاب في 25 جويلية على الدستور يهدد الاستقرار في تونس وهو ما يثير قلق هذه الدول، خاصة أن تونس تقع في منطقة أصبحت غير مستقرة بعد تصاعد الخلاف بين المغرب والجزائر والحرب في ليبيا”، على حد قوله.
ويصف المعارضون لقرارات الرئيس قيس السعيد ما يفعله بأنه “انقلاب”، في حين يؤكد الرئيس ومؤيدوه أن استخدام شرعي للصلاحيات الدستورية بشكل مؤقت لإصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية.
وأشار مبارك إلى أن الدول الكبرى لديها مخاوف من أن تصبح تونس منطلقا لمزيد من عدم الاستقرار في المنطقة المغاربية.
أما المحلل السياسي علي بدوي، فيرى أن الزيارات الأميركية تعني أن إدارة بايدن تريد الحصول على تطمينات على المسار الديمقراطي وأوضاع حقوق الإنسان في تونس.
وأضاف بدوي في تصريحات لموقع قناة “الحرة” أن هذه البيانات والزيارات تدل أن الدول الغربية غير مرتاحة للوضع في تونس خاصة بعد تمديد الإجراءات الاستثنائية، ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية واستمرار تقيد حرية التنقل.
وقال السفراء في بيانهم: “نحثّ… على سرعة العودة إلى نظام دستوري يضطلع فيه البرلمان المنتخب بدور بارز”. كما أكدوا على “الحاجة الماسة لتعيين رئيس حكومة جديد” بعد أن أقاله رئيس الجمهورية هشام المشيشي توازيا مع تعليق نشاط البرلمان.
وأضافوا أن على رئيس الحكومة الجديد “تشكيل حكومة مقتدرة تستطيع معالجة الأزمات الراهنة التي تواجه تونس… وهو ما من شأنه أن يفسح المجال لحوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية المقترحة”.
وحضّ سفراء دول مجموعة السبع على “الالتزام العام باحترام الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لجميع التونسيين وباحترام سيادة القانون”، ودعوا الرئيس قيس سعيّد إلى الإسراع في “تحديد توجه واضح بشأن سبل المضي قدما بشكل يستجيب لاحتياجات الشعب التونسي”.
وذكر بدوي أن هذه الدول تسعى للضغط على قيس سعيد لتشكيل الحكومة وهو حق مشروع لها، لأنها لا تستطيع منح المال للاستثمارات بدون الحصول على تطمينات بشأن الوضع في البلاد وحقوق الإنسان.
خارطة طريق
وعلى الجانب الآخر، يقول المحلل التونسي الصغير الذكراوي، إن البيان الذي أصدرته هذه الدول يمثل خارطة طريق، أو على الأقل يتضمن الخطوط التي يجب أن يتحرك الرئيس بينها للعودة للمسار الديمقراطي”، وهو ما يعد “تدخلا في شؤون تونس الداخلية”، على حد قوله.
وكان سعيّد، أعلن الرئيس في 25اوت تمديد تعليق عمل البرلمان “حتى إشعار آخر”، ولم يتخذ مذاك تدابير أخرى. ولم يعيّن الرئيس التونسي منذ 25 جويلية رئيسا جديدا للحكومة، كما لم يكشف عن “خريطة طريق” تطالب بها عدة أحزاب ومنظمات من المجتمع المدني.
ويؤكد الذكراوي أن شعبية الرئيس لا تزال قوية، ولم تتراجع رغم مد فترة الإجراءات الاستثنائية.
ويقول الباحث السياسي خالد عبيد أن هذه الزيارات تشكل “ضغطا معنويا” على الرئيس التونسي، دون أن يتطور الأمر لضغط فعلي، مضيفا: “هذه الدول تعلم جيدا أن ممارسة الضغوط سيتم الرد عليها، لأن تونس لديها حساسية كبيرة الآن من التدخلات الخارجية”.
وقال عبيد في تصريحات لموقع “الحرة”: “هي تحاول أن تشكل قوى نصح أكثر من أي شيء أخر”.
أما عن سبب سعيد في التأخر في إعلان تشكيل الحكومة وخارطة الطريق، فيقول جوهر أن الرئيس لم يكن لديه تصور واضح لمرحلة ما بعد قرارت 25 جويلية والدليل أن البلاد مازالت بعد 40 يوما دون حكومة، مما يزيد من الصعوبات الاقتصادية ويهدد استقرار الدولة، حسب قوله.
وذكر أن الضغوط الدولية لم تكن كافية لدفع الرئيس التونسي للعودة للمسار الديمقراطي، ولكنها كانت كافية لإيقافه عند هذا الحد من الانقلاب وعدم اتخاذ قرار بتعطيل الدستور أو حل البرلمان”، على حد قوله.
وأضاف: : “الرئيس في ورطة لا يستطيع التقدم للأمام وفي نفس الوقت لايستطيع العودة للخلف والرجوع عن قراراته، مما سبب حالة من الجمود السياسي في البلاد”.
ويقول جوهر إن سعيد يناور لكسب أكثر وقت ممكن حتى يتمكن من إعلان حكومة موالية تماما لرؤيته.
من جانبه يقول عبيد: “بصراحة المسألة غامضة وضبابية نوعا ما ولا نفهم لماذا تأخر (تعيين الحكومة) حتى الآن”. وأضاف: “هل هو متردد؟ ما هي دواعي تردده؟ ربما يرجع ذلك إلى أن اختياراته لرئيسي الحكومة السابقين كانت فاشلة وهو يدرك ذلك”.
وتابع: “ربما كل الشخصيات التي اتصل بها لم تستجب لهذا المطلب وتوافق على تشكيل الحكومة لأنها تدرك أن الوضع حرج جدا”.
وأكد عبيد أن مسألة الإعلان هي مسألة وقت قد تكون اليوم أو غدا أو خلال أسبوع، مشيرا إلى أنها لن تطول أكثر من ذلك.
في جين أرجع الصغير ذلك إلى تخوف الرئيس من الخطأ في اتخاذ خطوات غير صحيحة في الفترة الراهنة بسبب الضغوط الكثيرة عليه، بالإضافة إلى خوفه من الخطأ في الاختيار، لأن رئيسي الوزراء السابقين كانا من اختياره، مشيرا أن ذلك نوع من المحاولات للوصول إلى المثالية.
ضغوط محلية
وتسبب تأخر إعلان سعيد في تشكيل الحكومة إلى تصاعد مخاوف بين التونسيين، وبدأت بعض المنظمات المدنية والأحزاب تضغط عليه لإعلان خارطة الطريق. فقد حث الاتحاد العام التونسي للشغل ذو التأثير القوي الجمعة، سعيد إلى الإسراع بتعيين حكومة واقتراح استفتاء لتعديل النظام السياسي في الدستور، بعد حوالي 40 يوما من استحواذ الرئيس على السلطة التنفيذية.
وقال نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل “المشكلة الأساسية في تونس المنظومة السياسية والدستورية كبلت كل شيء ولم تترك مجالا للتقدم… يجب طرح استفتاء لإصلاح النظام السياسي”.
وأضاف أن الاتحاد يطالب بالإسراع في تشكيل الحكومة والنظر في ملفات مثل البطالة والتعليم والصحة والوضع الاقتصادي والاجتماعي.
وأوضح بدوي أنه بعيدا عن هذا الضغط فإن الوضع الاقتصادي والاجتماعي يدعو سعيد إلى الإسراع في تشكيل الحكومة أكثر من أي وقت مضى. وتساءل من سيفاوض صندوق النقد الدولي على القرض في غياب الحكومة. وقال بدوي إن “سعيد معجب بهذا الوضع وأنه يمسك بكل زمام الأمور في يده”.
وأشار بدوي إلى أن بعض المنظمات والأحزاب، التي دعمته في البداية بدأت تتململ من تأخر إعلان الحكومة، وقد يفقد سعيد كل أنصاره ويصبحوا معارضين له، ومنهم الاتحاد العام للشغل، أقوى مؤيديه.
لكن الذكراوي وعبيد لا يعتقدان أن شعبية سعيد قد تراجعت بعد هذا التأخير. وقال عبيد “نحن نشعر ونحس أن الدعم مازال قويا جدا. لكن هناك تخوف لدى بعض مؤيديه وعدم معرفة لماذا يحل منظومة ما قبل 25 جويلية ويحل البرلمان، لكنهم في قرارة أنفسهم ما زال لديهم حسن ظن بقيس سعيد، وفور إعلان قراراته سيرجعون لتأييد سعيد تأييدا تاما”.