عاشت عائلات لبنانية وسورية وفلسطينية لحظات سوداء مع ورود أنباء عن غرق أبنائها على متن قارب كان متجها للسواحل الأوروبية قبالة سواحل طرطوس السورية. أعداد الضحايا بالعشرات والناجون حتى اللحظة 20 شخصا.
كارثة جديدة تم تسجيلها قبالة سواحل شرقي المتوسط مع غرق قارب كان يحمل أكثر من 100 مهاجر قبالة سواحل طرطوس السورية.
القارب انطلق من سواحل لبنان الشمالية، وسلك الطريق شمالا باتجاه جزيرة أرواد السورية، على ما يبدو ليكمل طريقه باتجاه قبرص، وفقا لمحمد نور، الخبير البحري اللبناني. “التفسير الوحيد بالنسبة لي هو أن القارب كان متوجها إلى قبرص، فالطرق التي سلكتها القوارب السابقة باتجاه إيطاليا تفادت الإبحار شمالا، أي بمحاذاة الساحل السوري، التي من الضروري أن تقودها إما للسواحل التركية أو القبرصية”، وفقا لنور.
متابعون من مدينة طرابلس اللبنانية قالوا لمهاجر نيوز إن القارب غادر انطلاقا من سواحل مدينة المنية (شمال) قبل أسبوع. وبسبب الأمواج وربما قلة خبرة السائق انجرف القارب باتجاه جزيرة أرواد السورية.
وسائل إعلام لبنانية تحدثت عن أن صيادين سوريين شهدوا على لحظات غرق المركب، فسارعوا لطلب النجدة، ومع مضي الساعات بدأت أعداد الجثث بالازدياد في وقت استمرت فيه أعمال البحث والإنقاذ حتى ساعات المساء الأولى.
عشرات الضحايا
من جهته، أفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن حصيلة الذين قضوا في الحادث ارتفعت إلى 71 شخصا من جنسيات سورية ولبنانية وفلسطينية، في الوقت الذي تواصل فرق الإنقاذ عمليات البحث عن مفقودين، والذي يقدر عددهم بما لا يقل عن 70 شخصاً.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن وزير الأشغال والنقل في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية علي حمية قوله إن “غالبية الركاب هم من اللبنانيين واللاجئين السوريين، ومعظم الجثث من دون أوراق ثبوتية”.
هربا من الفقر
أعداد الضحايا مازالت في ازدياد مضطرد، لكن حتى الآن ما من معلومات رسمية حول العدد النهائي لمن كانوا على متن القارب. صفحات على وسائل التواصل نقلت، حسب قولها، شهادات لناجين قالوا فيها إن أعداد الأشخاص على متن القارب فاق الـ120، لكن يبقى ذلك الرقم غير دقيق بانتظار تحديد المحصلة النهائية للضحايا، فضلا عن أنه ما من إحصاء حقيقي لقوارب الهجرة المنطلقة من السواحل اللبنانية.
شقيق أحد الضحايا وخلال اتصال مع مهاجر نيوز، قال إن “شقيقي لم يعد أمامه من خيارات في هذا البلد، إما الموت البطيء أو الخروج. منذ عامين وهو يبحث عن عمل، ومع تدهور الأحوال الاقتصادية بات من الصعب عليه حتى شراء الخبز لإطعام أطفاله”.
الرجل الذي تحدث بحرقة عن خسارته لشقيقه حمّل الدولة مسؤولية وفاته، “لو كان أمامه فرص في هذا البلد لتمكن من الصمود. نحن نموت يوميا ألف مرة، لا كهرباء ولا ماء ولا تعليم ولا طبابة ولا عمل ولا ضمان صحي… اللائحة تطول. كل ما نريده هو أن نعيش حياة طبيعية ونشعر بإنسانيتنا. للأسف في بلادنا لا مكان لإنسانيتنا، إما أن نتغوّل في هذا البلد أو نستسلم أو نهاجر”.
“هنا أنا رهينة للأزمات الاقتصادية والسياسة”
ومع وقوع لبنان تحت تأثير أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخه، بدأت الأخبار حول مراكب الهجرة بالتواتر شيئا فشيئا، حتى باتت خبرا شبه يومي. محمد نور تحدث عن ازدهار في سوق بيع وشراء قوارب الصيد الخشبية الكبيرة، “اليوم بات نوع معين مفقود من السوق، خاصة القوارب التي يمكنها أن تحمل 150 شخصا أو أكثر. هذا يدل على أن سوق التهريب انتعشت كثيرا وبات هناك طلب متزايد على الهجرة”.
أحمد، لاجئ فلسطيني من مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين شمال لبنان، يتحضر حاليا للهجرة عبر البحر. “سيقال الكثير وسأنعت بالمجنون من البعض والشجاع من الأغلب، قرار الهجرة بالنسبة لي ثابت ولا تراجع عنه”.
بالنسبة للاجئ الفلسطيني، قبل اتخاذ القرار يجب التأكد من المهرب والقارب الذي ستتم من خلاله الرحلة، “قابلت عددا من المهربين، لم أقتنع بأي منهم. بعضهم وعدني برؤية القارب قبل الرحلة ثم رفضوا، آخرون رفعوا التعرفة قبل موعد السفر بأيام… هؤلاء ليسوا جديين والسفر من خلالهم فيه مقامرة كبرى”.
على الرغم من خبر غرق القارب أمس، وبعض ممن على متنه فلسطينيون أيضا من مخيم نهر البارد (شمال)، إلا أن الحادث لم يؤثر على قرار أحمد، “كله بيد الله. قلت إنني لن أغامر بالسفر عبر مهرب غير موثوق، كما أنني لن أجازف بالبقاء هنا أيضا. في هذه البلاد أنا رهينة للأوضاع السياسية والاقتصادية وللأنروا وللمنظمات التي تدعي مساعدة اللاجئين. هذا البلد لا يشبهنا بشيء، أعني الشباب، لا أحلام ولا مستقبل، هذا البلد مقبرة للشباب”.
قرار أحمد هو نفسه لدى المئات من أقرانه، وفقا لما يراه خالد الحسين، الناشط الاجتماعي في المخيمات الفلسطينية في لبنان، “انسداد الآفاق بوجه الجميع هنا، لبنانيين وفلسطينيين وسوريين، هو الدافع الأساسي وراء هجرة الشباب. ما من إحصاءات رسمية بشأن أعداد المهاجرين ممن تمكنوا من الوصول إلى أوروبا، لكن التقديرات تفيد بأنه خلال الأشهر الستة الأخيرة غادر نحو ألف فلسطيني من لبنان إلى أوروبا”.
وفقا للناشط الاجتماعي، ما من أمل أمام الشبان تحديدا ليتمكنوا من تحقيق مستقبل حقيقي، “لم يعد بالإمكان إقناع الناس بمخاطر الهجرة، الجواب الأول سيكون أموت غرقا أفضل من الموت ببطء هنا‘، وطبعا بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في لبنان الصعوبات المعيشية مضاعفة نتيجة مجموع القوانين المجحفة الممارسة بحقهم”.
عمليات انتشال الضحايا مازالت مستمرة منذ صباح اليوم قبالة سواحل طرطوس السورية، والأعداد مازالت مستمرة بالارتفاع حتى لحظة إعداد هذا التقرير. كما تم الإبلاغ عن وجود قارب آخر يعاني من صعوبات جمّة قبالة السواحل اليونانية، لم تتوافر حتى اللحظة معلومات إضافية عنه. منصة “هاتف الإنذار” كانت قد أطلقت الخميس 22 سبتمبر نداء بشأن قارب آخر انطلق أيضا من لبنان، عالق قبالة السواحل اليونانية. المنصة عادت وأكدت أن المهاجرين، وعددهم 85، تم إنقاذهم من قبل سفيتي شحن ونقلهم إلى ميناء كالاماتا.
هل تنبئ هذه الأحداث بتحول لبنان إلى نقطة انطلاق ساخنة لقوارب الهجرة باتجاه أوروبا؟