الرئيسيةسبور

كيف تمكنت قطر من استضافة المونديال؟

سلط تقرير لوكالة أسوشيتد برس الضوء على القوة الاقتصادية الهائلة لدولة قطر التي مكنتها من استضافة كأس العالم لكرة القدم، وذلك بعدما كان مواطنوها البالغ عددهم 300 ألف نسمة فقط، يعانون من سبل عيش صعبة قبل 50 عاما. 

البلد الواقع على الطرف الشرقي لشبه الجزيرة العربية، موطن لـ2.9 مليون نسمة، واحد من كل عشرة منهم مواطنون قطريون، لكن قطر وهي أصغر دولة (من حيث المساحة) تستضيف كأس العالم بعد سويسرا التي احتضنت الحدث عام 1954، تضم أكبر حقل غاز تحت الماء في العالم، تشترك فيه مع إيران، حيث يحتوي  على ما يقرب من 10 في المئة من احتياطيات الغاز الطبيعي المعروفة في العالم.

وبعد أن كان مواطنو قطر يعيشون على صيد الأسماك والغوص بحثا عن اللؤلؤ من أجل البقاء، جعل النفط والغاز البلد، البالغ من العمر 50 عاما ثريا، ومؤثرا بشكل خيالي.

أصبحت البلاد الآن مركز عبور دولي مع شركة طيران وطنية ناجحة، لها صيت واسع، كما تدفع تكاليف توسيع أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط.

القوة الاقتصادية لدولة قطر

أدى اكتشاف النفط والغاز في منتصف القرن العشرين إلى تغيير الحياة في شبه الجزيرة العربية إلى الأبد.

وفي حين تصارع معظم دول العالم الركود والتضخم، فإن قطر ومنتجي الطاقة الخليجيين الآخرين يجنون فوائد ارتفاع أسعار الطاقة. يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد القطري بنحو 3.4 في المئة هذا العام.

الغاز هو أكبر مورد لدولة قطر
الغاز هو أكبر مورد لدولة قطر

ورغم فورة الإنفاق الهائلة للتحضير لكأس العالم، لا تزال البلاد تجني أكثر مما أنفقته العام الماضي ، مما يمنحها فائضا يستمر العام الحالي.

ومن المرجح أن تنمو ثروات قطر مع زيادة قدرتها على التصدير، لتكون قادرة على تصدير المزيد من الغاز الطبيعي بحلول عام 2025.

كم أنفقت قطر على كأس العالم؟

أنفقت قطر نحو 200 مليار دولار على البنية التحتية ومشروعات تنموية أخرى منذ فوزها باستضافة كأس العالم الذي يستمر نحو 5 أسابيع، وفقًا لتصريحات رسمية وتقرير صادر عن شركة ديلويت.

تم إنفاق حوالي 6.5 مليار دولار من ذلك الإجمالي على بناء وتجهيز 8 ملاعب للبطولة، بما في ذلك ملعب الجنوب الذي صممته المهندسة المعمارية الراحلة، زها حديد.

ملعب لوسيل
ملعب لوسيل

كما تم إنفاق المليارات لبناء خط مترو، ومطار جديد، وطرق وبنية تحتية أخرى قبل المباريات.

وقالت شركة الأبحاث كابيتال إيكونوميكس ومقرها لندن، إن مبيعات التذاكر تشير إلى أن حوالي 1.5 مليون سائح سيزورون قطر لحضور كأس العالم.

وقالت شركة الأبحاث إنه إذا بقي كل زائر لمدة 10 أيام وأنفق 500 دولار في اليوم ، فإن الإنفاق لكل زائر سيصل إلى خمسة آلاف دولار. وقد يصل ذلك إلى 7.5 مليار دولار دفعة للاقتصاد القطري هذا العام. ومع ذلك ، قد يسافر بعض المشجعين لحضور المباريات فقط أثناء إقامتهم في دبي القريبة، وأماكن أخرى.

فوائد سخية للمواطنين

مثل الدول النفطية الغنية الأخرى في الخليج، فإن قطر ليست دولة ديمقراطية. يتم اتخاذ القرارات من قبل عائلة آل ثاني الحاكمة ومستشاريها المختارين، ولا يملك المواطنون أي رأي يذكر في القرارات السياسية الرئيسية لبلدهم، بحسب تقرير “أسوشيتد برس”.

وفي المقابل، توفر الحكومة للمواطنين امتيازات كبيرة ساعدت على ضمان استمرار الولاء والدعم.

يتمتع المواطنون القطريون بدخول معفاة من الضرائب، ووظائف حكومية عالية الأجر، ورعاية صحية مجانية، وتعليم عالي مجاني، ودعم مالي لمن يقدمون على الزواج، ودعم الإسكان، والإعانات السخية التي تغطي فواتير الخدمات العامة ومزايا التقاعد الفخمة.

قوة المهاجرين

يعتمد مواطنو قطر على عمال من دول أخرى لملء الوظائف في قطاع الخدمات، مثل السائقين والمربيات، والقيام بأعمال البناء الشاقة التي بنت قطر الحديثة.

وواجهت البلاد تدقيقا مكثفا لقوانين العمل ومعاملة مئات الآلاف من العمال المهاجرين، معظمهم من الهند وبنغلادش وباكستان وسريلانكا ونيبال ودول أخرى في جنوب آسيا.

قطر واجهت انتقادات بسبب سجلها في مجال حقوق العمال
عمال يتجهون نحو موقع بناء استاد لوسيل في الدوحة بقطر في 20 ديسمبر 2019

يعيش هؤلاء الرجال في غرف مشتركة في معسكرات العمل ويعملون طوال أشهر الصيف الطويلة، مع بضع ساعات فقط من الراحة منتصف النهار. وغالبا ما يمضون سنوات دون رؤية عائلاتهم في الوطن.

غالبا ما يكون العمل خطيرا، حيث تقول منظمة العفو الدولية إن العشرات ربما ماتوا بسبب ضربات شمس على ما يبدو.

وفيما أثنت جماعات حقوقية على جهود قطر في تحسين قوانين العمل، مثل اعتماد حد أدنى للأجر الشهري يبلغ حوالي 275 دولارا عام 2020، وتفكيك نظام “الكفالة” الذي منع العمال من تغيير وظائفهم أو مغادرة البلاد دون موافقة أصحاب العمل، فإن منظمة هيومن رايتس ووتش حثت على تحسين تعويضات العمال المهاجرين الذين تعرضوا للإصابة والوفاة وعدم الحصول على الأجور أثناء العمل في مشروعات متعلقة بكأس العالم.

مطالبات بتعويضات لعمال منشآت كأس العالم بقطر قبل انتهاء البطولة
مطالبات بتعويضات لعمال منشآت كأس العالم بقطر قبل انتهاء البطولة

مع تبقي أيام قليلة على استضافة قطر لكأس العالم، تخشى جماعات حقوق الإنسان أن تفوت الفرصة لمعالجة الاستغلال الواسع النطاق للعمال الأجانب.

ومنذ نيلها شرف استضافة المونديال، واجهت قطر تدقيقا غير مسبوق في معاملة ملايين العمال الأجانب الذين بنوا الملاعب والبنية التحتية الأخرى، والذين سيقومون بتشغيل الفنادق خلال أكبر حدث رياضي في العالم.

في مواجهة الانتقادات الدولية الشديدة، سنت قطر مجموعة من الإصلاحات خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك إنهاء جزئي لنظام يربط العمال بأرباب عملهم وسن حد أدنى للأجور – وهي تغييرات أشادت بها الأمم المتحدة وكذلك الجماعات الحقوقية.

لكن نشطاء يقولون إن الانتهاكات التي تتراوح بين عدم دفع الأجور إلى ظروف العمل القاسية في واحدة من أكثر البلدان حرارة على وجه الأرض، لا تزال منتشرة على نطاق واسع وأن العمال – الذين يُمنعون من تشكيل النقابات أو الإضراب – لديهم القليل من السبل الواقعية لتحقيق العدالة.

كما أنهم قلقون بشأن ما سيحدث بعد انتهاء البطولة التي تستمر شهرا عندما تذهب الأضواء الدولية عن قطر ويخفض أرباب العمل رواتبهم.

وتقول قطر إنها تقود دول المنطقة في إصلاحات العمل وإن التقدم سيستمر بعد كأس العالم. واتهم مسؤولون، بمن فيهم أمير البلاد، منتقديهم بتجاهل الإصلاحات وانتقاد أول دولة عربية أو إسلامية تستضيف الكأس بشكل غير عادل.

تعتمد قطر مثل دول الخليج الأخرى على ملايين العمال الأجانب الذين يشكلون غالبية السكان وما يقرب من 95 بالمئة من القوة العاملة – الجميع من مديري الشركات ذات الأجور العالية إلى عمال البناء.

وأنهت قطر ما يُعرف بنظام “الكفالة” الذي ربط العمال بأصحاب عملهم وجعل من المستحيل عليهم تقريبا ترك وظائفهم أو تغييرها دون إذن. لكن الجماعات الحقوقية تقول إن الكثير من هذا النظام لا يزال باق بطرق مختلفة وغير رسمية.

إصلاحات “رائعة على الورق”

وغالبًا ما يضطر العمال إلى دفع رسوم توظيف باهظة ويتحملون الديون حتى قبل وصولهم. ولا يزال بإمكان أصحاب العمل إلغاء التأشيرات أو الإبلاغ عن أولئك الذين استقالوا بسبب “الفرار” وهو انتهاك جنائي.

قال مايكل بيغ من منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية ومقرها نيويورك، “إذا ابتعد عامل مهاجر عن وظيفة لم تدفع له أجرًا لعدة أشهر، فهناك خطر حقيقي يتمثل في عدم استعادته لتلك الأموال”.

وأصدرت “إكيودم”، وهي منظمة لحقوق العمال ومقرها لندن، مؤخرًا تقريرًا مطولًا يوثق الانتهاكات في أكثر من عشرة فنادق مخصصة لضيوف كأس العالم، حيث تقول إن العمال من أفريقيا وآسيا يواجهون التحرش الجنسي والتمييز وسرقة الأجور ومخاطر الصحة والسلامة.

وقالت الباحثة بمنظمة العفو الدولية ومقرها لندن، إيلا نايت، إن العديد من المهاجرين الذين يعملون كحراس أمن أو مساعدين منزليين يمضون شهوراً أو حتى سنوات دون يوم عطلة، على الرغم من القوانين التي تنص على وجوب منح إجازة لمدة يوم واحد على الأقل في الأسبوع.

وتابعت: “لا يزال الإفلات من العقاب يمثل مشكلة كبيرة، لذلك لا يُحاسب أصحاب العمل أو يُعاقبون بطريقة تمنع تكرار الانتهاكات”.

يحظر القانون القطري على العمال تشكيل نقابات أو تنظيم احتجاجات، وتقيّد السلطات بشدة وصول وسائل الإعلام إلى العمال.

اعتقلت الشرطة ما لا يقل عن 60 عاملاً اضربوا بسبب عدم دفع أجورهم في أغسطس. وفي العام الماضي، اعتُقل صحفيان نرويجيان أثناء تغطيتهما للعمال المهاجرين.

كما تم احتجاز حارس أمن كيني يدعى، مالكولم بيدالي، الذي كتب مدونته دون الكشف عن هويته حول محنة العمال لمدة ثلاثة أشهر – بما في ذلك 28 يومًا في الحبس الانفرادي – وغرامة 6800 دولار قبل مغادرة البلاد العام الماضي.

في مقال عن محنته، قال إن إصلاحات قطر “تبدو رائعة” على الورق، لكن الواقع على الأرض مختلف، حيث يبدو أن السلطات حريصة على إسكات المعارضة أكثر من معاقبة أصحاب العمل المسيئين.

وكتب: “لا يسعني إلا أن أتساءل ما الذي يخبئه العمال المهاجرون بعد كأس العالم. إذا كان العمال لا يزالون يعيشون في ظروف مروعة، وإذا ظل العمال يمضون شهورًا بدون أجر، وإذا كان العمال لا يزالون غير قادرين على تغيير وظائفهم بحرية، وإذا كان عاملات المنازل لا يزالون غير قادرين على تحقيق العدالة، فماذا يحدث عندما لا ينظر أحد؟”.

ودافعت قطر عن إصلاحاتها وتقول إنها ستواصل حماية رفاهية العمال بعد كأس العالم.

وقال علي الأنصاري، الملحق الإعلامي القطري بسفارة الدوحة لدى واشنطن في بيان: “لطالما اعترفت قطر بأن العمل لا يزال يتعين القيام به، لا سيما محاسبة أصحاب العمل عديمي الضمير – كما هو الحال مع أي دولة في جميع أنحاء العالم”.

وتابع: “إننا نشهد بالفعل انخفاض عدد الجرائم على أساس سنوي مع زيادة الامتثال بين أرباب العمل”.

“أمر مقلق حقا”

ويقول نشطاء في مجال حقوق العمال إن قطر لا تزال مدينة بتعويضات لأولئك الذين عملوا في مشاريع البنية التحتية لكأس العالم منذ منح البطولة في 2010 – قبل سنوات من سن الإصلاحات.

وتقول منظمة العفو الدولية إن السلطات تقاعست عن التحقيق في مقتل العمال خلال تلك الفترة.

وتحث منظمة العفو وجماعات حقوقية أخرى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) على تأسيس صندوق بقيمة 440 مليون دولار – أي ما يعادل إجمالي جوائز البطولة – لتعويض العمال وهو نداء تدعمه عدة اتحادات. وقالت هيئة كرة القدم العالمية إنها منفتحة على الفكرة.

وأنشأت قطر صندوقها الخاص عام 2018 لتعويض العمال الذين أصيبوا أثناء العمل أو الذين لا يتقاضون رواتبهم، والذي قال الأنصاري إنه دفع حوالي 270 مليون دولار في هذا العام الميلادي وحده.

ولم يعلق بشكل مباشر على الدعوات لإنشاء صندوق تعويض أكبر.

وقال بيغ من “هيومن رايتس ووتش” إن المدفوعات الكبيرة من قبل السلطات القطرية، والتي تغطي فقط المطالبات خلال السنوات الأخيرة، تظهر أهمية إنشاء صندوق أكبر لمعالجة “الانتهاكات الجسيمة للغاية” التي حدثت في السنوات العديدة التي سبقت الإصلاحات.

وأضاف: “إذا كان هذا هو موقفهم الآن في خضم دائرة الضوء، فما هو موقفهم (السلطات القطرية) بعد كأس العالم، فيما يتعلق بالإصلاحات وحماية العمال الوافدين عندما لا يسلط الضوء عليهم؟ أعتقد أن هذا أمر مقلق حقا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.