اول الكلامشؤون عربية
دعشنة أو دعوشة حماس… مقدّمة لماذا؟
تكثّفت حملة إسرائيل في دعوشة حماس في هذه الأيام، غير أنّ أدبيّات دعوشة حماس تعود إلى ما قبل ذلك، منذ أن ولد تنظيم “الدولة الإسلاميّة في العراق والشام” (داعش) سنة 2014 لخلق “أوجه شبه وروابط”
رفح، الخميس 12 اكتوبر 2023 (gettyimages)
“تُعْتَبَر حرب المستضعفين والفقراء إرهابًا، فيما يعتبر إرهاب الأقوياء والأغنياء حربًا”. علينا تذكّر هذا القول دائمًا، فليست هذه المرّة الأولى الّتي توصم فيها حماس كحركة “إرهابيّة”، بل هي مصنّفة دائمًا كذلك لدى إسرائيل والولايات المتّحدة، وتقع تحت طائل هذا التصنيف بالنسبة للنظام العالميّ على الدوام.غير أنّ وصم حماس بالإرهاب من قبل إسرائيل والولايات المتّحدة المتماهية مع الأولى في حربها اليوم، لم يعد يفي بالغرض، والآن توصف حماس على أنّها “داعش” أو “داعش الثاني”، خصوصًا بعد هجوم حماس الأخير (طوفان الأقصى) على مستوطنات ما يعرف بغلاف غزّة، وعدد القتلى الّذي أسفر عنه الهجوم، لتشنّ إسرائيل بقادتها وساستها وماكينتها الإعلاميّة حملة لدعوشة حماس من أجل تبرير جرائم حربها في غزّة وأهلها.لقد تبنّت الولايات المتّحدة الأميركيّة على لسان رئيسها بايدن، رواية إسرائيل عن هجوم يوم السابع من أكتوبر بكاملها، ورغم أنّ مصدرًا في البيت الأبيض أكّد لـ”واشنطن بوست” أنّهم لم يطلعوا على أدلّة، لما يروّج له نتنياهو عن ممارسات مقاتلي حماس من “حرق جثث قتلى المستوطنات اليهود وقطع رؤوسهم”، إذ تبيّن زيف هذا التلفيق، إلّا أنّ البروباغندا الإسرائيليّة والأميركيّة عملت، وما زالت، على بعث حركة حماس في مخيال المجتمعات الغربيّة والعالم عمومًا، بوصفها “داعش” بنسخة فلسطينيّة – غزيّة سعت وتسعى لإبادة إسرائيل ويهودها.تكثّفت حملة إسرائيل في دعوشة حماس في هذه الأيّام، غير أنّ أدبيّات دعوشة حماس تعود إلى ما قبل ذلك، منذ أن ولد تنظيم “الدولة الإسلاميّة في العراق والشام” (داعش) سنة 2014، حيث داومت هذه الأدبيّات على مدار ما يقارب عقدًا من الزمن، عبر جملة من التقارير والدراسات الصهيونيّة، على تقصّي وخلق “أوجّه شبه وروابط” تجمع ما بين حركة حماس وتنظيم داعش، علمًا بأنّ خبراء الدولة العبريّة، وباحثوها الصهاينة وإعلامها يفهمون حقّ الفهم التاريخيّ شكل تكوين حماس، بوصفها حركة أصيلة أنجبها المجتمع الفلسطينيّ، في سياق ولادة وتمدّد الإسلام السياسيّ في المنطقة العربيّة منذ سبعينيّات القرن الماضي، ومن هنا جاء حديث بعض الإسرائيليّين، في ظلّ الحرب العدوانيّة القائمة على غزّة عن ضرورة العودة إلى ما قبل عام 1987، أي عام ولادة ونشأة حركة حماس.وبالتّالي، القضاء على وجود الحركة هو غرض هذه الحرب الأساسيّ، ما يعني، سعي حملة إسرائيل التعبويّة بما أوتيت من تلفيق وافتراء لدعوشة حماس كمقدّمة، من أجل تحويل غزّة إلى موصل ثانية.تسعى إسرائيل عبر ماكينتها الدبلوماسيّة والإعلاميّة، تعبئة وتجنيد العالم الغربيّ للوقوف في صفّها، في حربها المسعورة على غزّة، على طريقة التحالف الدوليّ بقيادة الولايات المتّحدة الّذي تشكّل من أجل القضاء على “داعش”، وقد ضمّ بعض القوى المحسوبة على ما يعرف بـ”محور الممانعة”، في أكثر من حملة عسكريّة على مدار السنوات الماضية، وأزال مدنًا عراقيّة على بكرة أبيها، منها مدينة الموصل العراقيّة، الّتي جاء التحالف ومعه ميلشيات عراقيّة، عليها، وعلى أهلها بالنار والدخان.لم تكن الولايات المتّحدة وتحالفها الدوليّ والمحلّيّ يقتصّون من بعض المدن العراقيّة؛ لأنّ تنظيم “داعش” قد تحصّن فيها، بقدر ما كان ذلك عقابًا لها، بوصفها حواضن اجتماعيّة وسياسيّة رافضة للغزو الأميركيّ ونظام حكم العراق ما بعد الغزو، وعلى المسطرة ذاتها، تشتغل اليوم إسرائيل في حربها على غزّة، إذ تقتصّ من أهلها؛ لأنّهم الحاضنة لمشروع رفض الاحتلال وحصاره تحت قيادة حركة حماس وباقي فصائل المقاومة في غزّة؛ مع تشديدنا على أوجه الفرق ما بين الحالتين، حماس وتنظيم الدولة (داعش)، حيث لا مقارنة ممكنة بينهما إلّا بغرض النيل من الأولى بوصمها بالثانية.افتراءات عبر ادّعاءات “حرق جثث، وقطع رؤوس” المستوطنين القتلى في مستوطنات غلاف غزّة، وإن كان قتل المستوطنين غير المجنّدين قد وقع فعلًا، وكان كبيرًا خلال الهجوم. وكذلك تشديد الولايات المتّحدة الأمريكيّة في حديثها على لسان قادتها وساستها عن قتلى ورهائن أميركيّين، ومن جنسيّات أجنبيّة أخرى من بين الرهائن المقتادين إلى غزّة على أثر الهجوم، ليس إلّا محاولة حثيثة من قبل الأميركيّين، ومن قبلهم إسرائيل، تسعى إلى تصميم صورة لحماس وغزّة أسوة بتلك الصورة الّتي جرى تصميمها من قبل حول الحركات الجهاديّة في العراق وأفغانستان، بغرض تبرير حربهم وتعبئة الرأي العامّ العالميّ لصالحها.يستغلّ الاحتلال هجوم “طوفان الأقصى” على المستوطنات في خنق غزّة، وليس غلافها كما تسمّيه إسرائيل، وذلك من أجل جرد حسابها كاملًا مع غزّة، ومرّة واحدة وللأبد، هذه المرّة، كما يزعم الإسرائيليّون، وهذا يتطلّب أوّلًا وآخرًا بالنسبة لإسرائيل، نزع هجوم يوم السبت الماضي من سياقه المتّصل بسرديّة سؤال حصار غزّة القائم منذ نحو عقدين من الزمن؛ وأيضًا، فصل حماس كحركة عن بنية تشكيلها سياسيًّا واجتماعيًّا إلى حيث دعوشتها، ثمّ القضاء عليها دون الاكتراث لتركيم غزّة على بكرة أبيها، طالما أنّ دعوشة حماس كفيلة بتجنيد دعم الرأي العامّ العالميّ، أو تحييده على الأقلّ.كما لا يفوت إسرائيل في ظلّ ردّها وشنّها حربها على “طوفان الأقصى” استحضارها لسرديّة المحرقة، إذ يكاد لا يخلو أيّ خطاب صهيونيّ رسميّ، دبلوماسيّ أو إعلاميّ هذه الأيّام، من التذكير والتأكيد على أنّ هجوم “طوفان الأقصى” سابقة تاريخيّة بحقّهم منذ سنة 1945، أي عام خلاصهم من الحرب والمحرقة البشعة الّتي ارتكبها النازيّون بحقّ يهود ألمانيا وأوروبا عمومًا.كلّ هذه البروباغندا، ليست إلّا مقدّمة تحاول إسرائيل عبرها تبرير ما فعلته وستفعله ماكينتهم الحربيّة الوحشيّة بلحم وعظم أبناء وبنات غزّة خلال الأيّام المقبلة.
موقع عرب 48