ترقّب لقرار محكمة العدل الدولية بشأن إسرائيل.. ما الإجراءات المتوقعة؟
تُصدر محكمة العدل الدولية، الجمعة، قرارها بشأن طلب مقدَّم من جنوب إفريقيا لفرض “تدابير مؤقتة” ضد إسرائيل التي تتهمها بريتوريا بارتكاب “جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة”، فيما عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعاً للتحضير للسيناريوهات المحتملة للقرار، بينما قالت حركة “حماس” إنها ستلتزم بوقف إطلاق النار، إذا أصدرت المحكمة الأممية قراراً بذلك، ونفَّذته تل أبيب.
ماذا يتوقع الخبراء القانونيون؟
يرى خبراء قانونيون أن محكمة العدل الدولية، وهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، ستصدر قراراً بقبول طلب جنوب إفريقيا باتخاذ تدابير مؤقتة أو وقائية ضد إسرائيل.
وتوقع أستاذ القانون الدولي، بول مرقص، ، أن تصدر المحكمة قرارات عدّة، أبرزها: “إدخال المساعدات التي تشتد إليها الحاجة في غزة، مروراً بالاتفاق على هدنة إنسانية، ووصولاً إلى وقف لإطلاق النار وللعمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع”، وذلك لحين البت في أساس القضية.
كما يرى خبراء قانونيون آخرون، وفق BBC، أن جنوب إفريقيا قد استوفت المعايير لإظهار أن هناك خطراً كبيراً على الحياة، في حال لم يتم القيام بأي إجراء.
ما هي التدابير المؤقتة؟
وطلبت جنوب إفريقيا من المحكمة الأممية أن تقر “تدابير مؤقتة”، من خلال أمر إسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية في غزة، ووقف أي أعمال إبادة جماعية أو اتخاذ إجراءات معقولة لمنع الإبادة الجماعية، وتقديم تقارير منتظمة إلى محكمة العدل الدولية بشأن مثل هذه الإجراءات.
والتدابير المؤقتة هي نوع من الأوامر التقييدية لمنع تفاقم النزاع في أثناء نظر المحكمة في القضية بأكملها، إذ غالباً ما يعلن قضاة محكمة العدل الدولية مثل هذه التدابير، والتي تتكون عموماً من مطالبة دولة بالامتناع عن أي إجراء قد يؤدي إلى تفاقم النزاع القانوني.
وبالنسبة للتدابير المؤقتة، فإن المحكمة تحتاج فقط أولاً أن تحدد ما إذا كانت لها الولاية القضائية، وما إذا كانت الأفعال موضع الشكوى يمكن أن تقع ضمن نطاق اتفاق الإبادة الجماعية.
إسرائيل تبحث السيناريوهات المحتملة
وعبَّرت إسرائيل عن ثقتها في أن محكمة العدل الدولية سترفض ما وصفتها بـ”مزاعم” جنوب إفريقيا بأن حرب غزة ترقى إلى مستوى “الإبادة الجماعية” ضد الفلسطينيين.
وعقد نتنياهو اجتماعاً في كيريا (مقر وزارة الدفاع في تل أبيب) الخميس، للتحضير للسيناريوهات المحتملة بعد قرار محكمة العدل الدولية، إذ حضره النائب العام ووزير العدل ووزير الشؤون الاستراتيجية ومدير مجلس الأمن القومي، بحسب ما أورده إعلام إسرائيلي.
وقال الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي في مؤتمر صحافي: “نتوقع من محكمة العدل الدولية أن ترفض هذه الاتهامات الزائفة والمضللة”، بحسب صحيفة “جيروزاليم بوست”.
ما هي محكمة العدل الدولية؟
محكمة العدل الدولية، والتي يُطلق عليها أيضاً اسم “المحكمة العالمية” هي أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة، وتأسست عام 1945 للتعامل مع النزاعات بين الدول. ولا ينبغي الخلط بينها وبين المحكمة الجنائية الدولية، والتي تتخذ أيضاً من لاهاي مقراً لها، وتتعامل مع تهم جرائم الحرب الموجهة ضد الأفراد.
وتتعامل هيئة محكمة العدل الدولية المؤلفة من 15 قاضياً، والتي سيضاف إليها قاضٍ واحد من كل طرف في قضية إسرائيل، مع النزاعات الحدودية والقضايا المتزايدة التي ترفعها الدول لاتهام أخرى بانتهاك التزامات معاهدة الأمم المتحدة.
ووقَّعت كل من جنوب إفريقيا وإسرائيل على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948 التي تمنح محكمة العدل الدولية الاختصاص القضائي للفصل في النزاعات على أساس المعاهدة.
وبينما تدور القضية بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليس للفلسطينيين أي دور رسمي في الإجراءات، لأنهم ليسوا دولة عضواً في الأمم المتحدة.
وتُلزم اتفاقية منع الإبادة الجماعية جميع الدول الموقّعة ليس فقط بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية، بل وبمنعها والمعاقبة عليها. وتُعرّف المعاهدة الإبادة الجماعية بأنها “الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية”.
ما هي قضية جنوب إفريقيا؟
وفي الدعوى المؤلفة من 84 صفحة، ترى جنوب إفريقيا أن أفعال إسرائيل وقتل الفلسطينيين “تعتبر ذات طابع إبادة جماعية، لأنها ترتكب بالقصد المحدد المطلوب لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من القومية الفلسطينية الأوسع والمجموعة العرقية والإثنية”.
وتشير الدعوى إلى أن سلوك إسرائيل “من خلال أجهزة ووكلاء الدولة وغيرهم من الأشخاص والكيانات التي تعمل بناء على تعليماتها أو تحت توجيهها أو سيطرتها أو نفوذها، يشكل انتهاكاً لالتزاماتها تجاه الفلسطينيين في غزة بموجب اتفاق الإبادة الجماعية”.
وتقول الدعوى إن إسرائيل تتقاعس عن توفير الغذاء والماء والدواء والوقود والمساعدات الإنسانية لسكان غزة خلال حربها على القطاع، وتشير أيضاً إلى حملة القصف المستمرة التي دمرت جزءاً كبيراً من القطاع، وأجبرت نحو 1.9 مليون فلسطيني على النزوح، وقتلت نحو 26 ألف شخص، وفقاً لوزارة الصحة في غزة.
وجاء في الدعوى أن إسرائيل “فشلت في منع الإبادة الجماعية، وفشلت في مقاضاة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية”.
وتطلب الدعوى من محكمة العدل الدولية فرض “تدابير طوارئ” لـ”وقف الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل”.
وستصدر المحكمة حكمها عند (12:00 بتوقيت جرينتش) في جلسة من المتوقع أن تستمر نحو ساعة.
ما رد إسرائيل؟
في 12جانفي الجاري، قالت إسرائيل، خلال جلسة استماع أمام محكمة العدل الدولية، إن العمليات العسكرية التي تقوم بها في غزة هي “عمل من أعمال الدفاع عن النفس ضد حماس والمنظمات الإرهابية الأخرى”.
وقال المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية تال بيكر، إن جنوب إفريقيا قدمت “قصة مشوّهة بشكل صارخ” عندما اتهمت إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة في اليوم الأول من جلسات الاستماع في القضية التي رفعتها أمام محكمة العدل.
وأضاف بيكر: “إذا كانت هناك أعمال إبادة جماعية، فقد اُرتكبت ضد إسرائيل”، معتبراً أن مطالبة جنوب إفريقيا بوقف فوري للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة “تسعى إلى تقويض حق إسرائيل الأصيل في الدفاع عن نفسها… وجعل إسرائيل عاجزة عن الدفاع عن نفسها”.
وقال بيكر رداً على اتهامات جنوب إفريقيا لإسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” في هجومها على قطاع غزة، إن “حماس تسعى إلى إبادة جماعية لإسرائيل”.
وأشار محامي الدولة العبرية إلى أن إسرائيل ملتزمة بالامتثال للقانون، “لكنها تفعل ذلك في مواجهة ازدراء حماس المطلق للقانون”، معتبراً أن “المعاناة المروعة” للمدنيين، من الإسرائيليين والفلسطينيين، هي نتيجة “استراتيجية حماس”.
ووصف رئيس إسرائيل إسحق هرتسوج، الاتهامات أمام محكمة العدل بأنها “بشعة ومنافية للمنطق”. وتقول إسرائيل إنها تبذل قصارى جهدها لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين في قطاع غزة.
جلسات استماع
عُقدت أولى الجلسات يومي 11 و12 جانفي الجاري. وعرضت جنوب إفريقيا وإسرائيل حججهما سواء لصالح أو ضد اتخاذ التدابير الطارئة. ولم يتم استدعاء شهود للإدلاء بشهادتهم ولا استجوابهم.
ولن تُصدر المحكمة قراراً نهائياً بشأن اتهامات الإبادة الجماعية التي وجهتها جنوب إفريقيا إلى إسرائيل، حتى يتم عقد جلسة للبحث في القضية بشكل كامل على أساس موضوعي، وهو أمر من المرجح أن يستغرق سنوات.
كم يستغرق صدور الحكم النهائي؟
إذا خلصت المحكمة إلى أنها تتمتع بالسلطة القضائية مبدئياً، فستتخذ القضية مسارها في قصر السلام، حيث تقع المحكمة في لاهاي، حتى لو قرر القضاة عدم الأمر بتدابير الطوارئ.
وستتاح لإسرائيل بعد ذلك فرصة أخرى للدفع بأن المحكمة ليس لديها أسس قانونية للنظر في دعوى جنوب إفريقيا وتقديم ما يسمى بـ”الاعتراض المبدئي”، وهو ما يمكنه فقط الاعتراض على نواحي الاختصاص القضائي.
وإذا رفضت المحكمة هذا الاعتراض، فيمكن للقضاة في نهاية المطاف النظر في القضية خلال المزيد من الجلسات العلنية، وليس من غير المألوف أن تمر عدة سنوات بين الدعوى الأولية والجلسة الفعلية للنظر في موضوع القضية.
أصل مصطلح الإبادة الجماعية
عندما تكشفت الفظائع التي ارتكبتها “ألمانيا النازية” بعد الحرب العالمية الثانية، توافق المجتمع العالمي على أن ميثاق الأمم المتحدة لم يذهب إلى حدٍ كافٍ في تعريف الحقوق التي أشار إليها، وأنه ينبغي تعريف هذه الحقوق وتكريسها في هيكل جديد من القانون الدولي.
وكان المحامي البولندي رافائيل ليمكين، هو أول من صاغ مصطلح “Genocide” (إبادة جماعية) في عام 1944 في كتابه “حكم المحور في أوروبا المحتلة” من خلال الجمع بين “geno”، من الكلمة اليونانية التي تعني عرقية أو قبيلة، مع كلمة “cide”، المشتقة من الكلمة اللاتينية التي تعني القتل.
وطوَّر ليمكين مفهوم “الإبادة الجماعية” جزئياً استجابة للمحرقة اليهودية (الهولوكوست)، وكذلك استجابة لحالات سابقة اعتبر فيها أن دولاً بأسرها، ومجموعات عرقية ودينية، دُمرت.
وفي إطار الوفاء بالالتزام بعدم التكرار النهائي للجرائم المرعبة التي ارتكبت أثناء الحرب العالمية الثانية، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل يوم واحد من اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 9 ديسمبر 1948، “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”.