لماذا تهاجم إسرائيل الأونروا؟
تعدّ وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” التي باتت محطّ جدل بعد المزاعم الإسرائيلية بـ”تورط” بعض موظفيها في هجوم 7 أكتوبر، وإعلان أكثر من 9 دول قطع تمويلها، جهة فاعلة أساسية بالنسبة لملايين الفلسطينيين، منذ تأسيسها عام 1949.
متى تأسست الأونروا؟
تأسّست الوكالة في ديسمبر 1949 بموجب قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في أعقاب الحرب العربية-الإسرائيلية الأولى التي اندلعت غداة إعلان قيام دولة إسرائيل، وهي تحصل على تمويل شبه كامل من المساهمات الطوعية للدول.
وقبل تأسيس “الأونروا” كان “برنامج الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين” الذي تأسس عام 1948 يؤدي مهاماً إغاثية للاجئين الفلسطينيين، وتولت الوكالة الوليدة المهام التي كانت موكلة للبرنامج، وإضافة إلى ذلك تولت مهمة الاستجابة بطريقة أكثر فعالية للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية لكل اللاجئين الفلسطينيين.
ما هو دور الأونروا؟
منذ بدء النزاع العربي-الإسرائيلي وحتى إقرار الهدنة في يناير 1949، تعرض أكثر من 760 ألف فلسطيني للتهجير والطرد من منازلهم أمام تقدم القوات اليهودية، ولجأ معظم هؤلاء إلى دول مجاورة.
ومنذ ذلك أصبحت “الأونروا”، في غياب أي جهة أخرى ذات صلاحية، الهيئة الوحيدة الضامنة للوضع الدولي للاجئ الفلسطيني.
وهناك حوالى 5.9 مليون فلسطيني مسجّلين لدى “الأونروا” ويمكنهم الاستفادة من خدماتها، التي تشمل التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والبنى التحتية للمخيّمات والتمويلات الصغيرة والمساعدات الطارئة، بما في ذلك خلال الفترات التي تشهد نزاعاً مسلحاً.
وهناك ما مجموعه 58 مخيماً للاجئين تعترف بها الوكالة الأممية، بينها 19 مخيّماً في الضفة الغربية التي تحتلّها إسرائيل عسكرياً منذ 50 عاماً، فيما يدرس أكثر من 540 ألف طفل في مدارس “الأونروا”.
تل أبيب ترفض تكريس أونروا لمبدأ أن الكثير من الفلسطينيين لاجئون لهم حق العودة
الأونروا في غزة
وكان الوضع الإنساني حرجاً في قطاع غزة الذي تحكمه “حماس” منذ عام 2007، قبل بدء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة.
وبحسب بيانات الأمم المتحدة الصادرة، في اوت الماضي، فإن 63% من سكان القطاع يعانون انعدام الأمن الغذائي، ويعتمدون على المساعدات الدولية. ويعيش أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر.
ويضم القطاع الصغير الواقع بين إسرائيل والبحر المتوسط ومصر، 8 مخيمات وحوالي 1.7 مليون نازح، أي الأغلبية الساحقة من السكان، وفقاً للأمم المتحدة.
ويبلغ إجمالي عدد سكان غزة نحو 2.4 مليون نسمة.
ومن بين موظفي الوكالة البالغ عددهم 30 ألفاً، يعمل 13 ألف شخص في قطاع غزة، موزعين على أكثر من 300 منشأة موجودة على مساحة 365 كيلومتراً مربعاً، وفقاً لموقع الوكالة على الإنترنت.
حق العودة.. لماذا تستهدف إسرائيل أونروا؟
وفي عام 2018، أوقفت الولايات المتحدة وهي أكبر مساهم في “الأونروا”، خلال فترة رئاسة دونالد ترمب، مساعدتها المالية السنوية البالغة 300 مليون دولار.
ورحبت إسرائيل بالقرار الأميركي، متهمة الوكالة الأممية بـ”إطالة أمد النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني” من خلال تكريسها المبدأ، الذي تعارضه تل أبيب، بأن الكثير من الفلسطينيين هم لاجئون لهم الحق في العودة إلى ديارهم، أي الأراضي التي فروا أو طردوا منها عند إعلان دولة إسرائيل.
في المقابل، لا يفوت الفلسطينيون التذكير بأن الولايات المتحدة تقدم سنوياً أكثر من 3 مليارات دولار من المساعدات العسكرية لإسرائيل.
وفي ماي 2019، دعا مستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب للشرق الأوسط، إلى إنهاء عمل وكالة “الأونروا”، متهماً إياها بأنها “فشلت في مهمّتها”.
وردت الوكالة، بالتأكيد على أنه لا يمكن تحميلها المسؤولية عن الطريق المسدود الذي آلت إليه عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
واستأنفت واشنطن تقديم التمويل ابتداءً من عام 2021، بعد انتخاب جو بايدن رئيساً.
هجوم 7 أكتوبر
وفصلت وكالة “الأونروا”، الجمعة، عدداً من موظفيها (12 موظفاً وفقاً للولايات المتحدة) بعد مزاعم بـ”التورّط” في هجوم “حماس” على إسرائيل في 7 أكتوبر. ولم تحدد إسرائيل الوقائع المفترضة، بينما بدأ تحقيق في المسألة.
وأعلنت إسرائيل، السبت، أنها لا ترغب في أن تؤدي الوكالة التابعة للأمم المتحدة أيّ دور في غزة بعد الحرب.
وعلقت واشنطن “مؤقتاً” كل تمويل إضافي للوكالة الأممية، تبعتها في ذلك عدة دول مانحة أخرى، بينها بريطانيا وكندا وأستراليا.
من جهته، قال المفوض العام لـ”الأونروا” فيليب لازاريني في بيان: “إنه أمر صادم أن نرى تعليق تمويل الوكالة كرد فعل على الادعاءات ضد مجموعة صغيرة من الموظفين”، لا سيما في ضوء التدابير التي اتخذتها الوكالة الأممية التي “يعتمد عليها أكثر من 2 مليون شخص من أجل البقاء على قيد الحياة”.
وفي عام 2022، بلغت الأموال التي تحصل عليها الوكالة من الميزانية العادية للأمم المتحدة، ومن المساهمات من الكيانات الأممية الأخرى، 44.6 مليون دولار.
والدول والجهات المانحة الرئيسية هي بالترتيب، الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي والسويد والنرويج، إضافة إلى دول أخرى هي تركيا والسعودية واليابان وسويسرا.
وناشد الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، الدول المانحة، “ضمان استمرارية” تمويل عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بعدما علقت الكثير منها تمويلها لها، بسبب اتهامات إسرائيل، بشأن مشاركة عدد من الموظفين في هجوم 7 أكتوبر، بينما تعهد بمحاسبة “أي موظف في المنظمة الدولية، ضالعاً في أعمال إرهابية،” بما يشمل الملاحقة الجنائية، على حد وصفه.
وشن مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد أردان، الأحد، هجوماً على جوتيريش، واتهمه بالسعي إلى ما سماه “تنظيم قتل الإسرائيليين”، عقب مناشدة جوتيريش للدول المانحة باستمرار تمويل الوكالة الأممية.
وقال، في بيان: “يثبت الأمين العام للأمم المتحدة مرة أخرى، أن حياة وسلامة مواطني إسرائيل ليست ذات أهمية حقيقية بالنسبة له، وبعد سنوات تجاهل فيها الأدلة المقدمة له شخصياً حول (أونروا) وتورطها في التحريض والإرهاب، وقبل أن يجري تحقيقاً شاملاً لتحديد مكان جميع إرهابيي (حماس) والقتلة في (أونروا)، يركز على جمع التبرعات لتنظيم القتل والإرهاب”، بحسب تعبيره.
وأضاف أردان: “أي دولة تستمر في تمويل (أونروا) قبل إجراء تحقيق شامل بشأن المنظمة، عليها أن تدرك أن أموالها ستستخدم في الإرهاب، وأن المساعدات ربما تصل إلى حماس، بدلاً من السكان في غزة”، داعياً كافة الدول المانحة، إلى تجميد دعمها للوكالة، وطالب بإجراء تحقيق يشمل كافة العاملين في المنظمة.
وأعلن أمين عام الأمم المتحدة، إنهاء خدمة 9 من بين 12 موظفاً في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، لافتاً إلى وفاة أحد الموظفين وفقدان الاتصال باثنين آخرين، على خلفية مزاعم إسرائيل.
وتعهد جوتيريش، في بيان، بمحاسبة “أي موظف في المنظمة الدولية، يكون ضالعاً في أعمال إرهابية، بما في ذلك من خلال الملاحقة الجنائية”، وأضاف “الأمانة العامة مستعدة للتعاون مع سلطة مختصة قادرة على محاكمة الأفراد بما يتماشى مع الإجراءات العادية للأمانة العامة لمثل هذا التعاون”.
وتابع: “الأفعال البغيضة المزعومة لهؤلاء الموظفين يجب أن تكون لها عواقب”.
خطة إسرائيل
وأعلنت إسرائيل، السبت، مخططاً يستهدف منع الوكالة من العمل في قطاع غزة، بعد انتهاء الحرب، وكتب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، عبر منصة “إكس”، السبت، أن بلاده تهدف إلى ضمان “ألا تكون (أونروا) جزءاً من المرحلة” التي تلي الحرب.
وشدد على عزم تل أبيب، السعي إلى حشد الدعم الدولي للمخطط من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأطراف مانحة رئيسية أخرى.
ولاحقا، قال كاتس في بيان: “في مرحلة إعادة إعمار غزة، ينبغي أن تحل محل (أونروا) وكالات تكرس عملها للسلام والتنمية”، داعياً مزيداً من الجهات المانحة إلى تعليق تمويلها، كما طالب لاحقاً باستقالة المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني.
وعلّقت 9 دول أوروبية، تمويلها الذي تقدمه للوكالة، إذ انضمت بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وسويسرا وفنلندا، السبت، إلى الولايات المتحدة وأستراليا وكندا، في قرار تعليق التمويل المقدم للوكالة التي تعتبر مصدراً حيوياً لدعم سكان قطاع غزة.
وأوضح جوتيرش: “فيما أفهم قلقهم، وقد روعت أنا أيضاً بهذه الاتهامات، أناشد الحكومات التي علقت مساهماتها أن تضمن على الأقل استمرارية عمليات الأونروا.. يجب تلبية الاحتياجات الماسة للسكان اليائسين الذين تخدمهم الوكالة”.
وكانت الولايات المتحدة، الداعم البارز للوكالة، سحبت تمويلها في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، التي اعتبرت أنشطتها “منحازة بشكل لا يمكن إصلاحه”. لكن ذلك تغير مع وصول جو بايدن للرئاسة، والإعلان في عام 2021 عن تمويل أميركي للوكالة بقيمة 340 مليون دولار.
تحقيق أممي
المفوض العام للوكالة وصف عملية تعليق التمويل بـ”الصادمة”، قائلاً: “أمر صادم أن نرى تعليق تمويل الوكالة، كرد فعل على الادعاءات ضد مجموعة صغيرة من الموظفين، خاصة بالنظر إلى الإجراء الفوري الذي اتخذته الوكالة والمتمثل في إنهاء عقودهم وإجراء تحقيق مستقل وشفاف”.
وأضاف لازاريني في بيان: “تم بالفعل النظر في هذه المسألة الخطيرة للغاية من قبل مكتب الأمم المتحدة لخدمات الرقابة الداخلية، وهو أعلى سلطة تحقيق في منظومة الأمم المتحدة”، مؤكداً أن التحقيق بشأن “الادعاءات الشنيعة سيعمل على إثبات الحقائق”.
وتابع: “من أجل حماية قدرة الوكالة على تقديم المساعدات الإنسانية، قررت إنهاء عقود هؤلاء الموظفين على الفور وفتح تحقيق حتى إثبات الحقيقة دون تأخير”، مؤكداً أن “كلّ موظف تورط في أعمال إرهابية يجب أن يُحاسَب، بما في ذلك من خلال ملاحقات قضائية”.
من جانبها، نددت حركة “حماس”، السبت، بـ”التهديدات” الإسرائيلية ضد الوكالة ومنظمات أممية أخرى، داعية الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية إلى “عدم الرضوخ لتهديدات وابتزازات” إسرائيل.
وأكدت السلطة الفلسطينية، السبت، أن الأونروا بحاجة إلى “الدعم” وليس إلى “وقف الدعم والمساعدات”.
وكتب حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عبر منصة “اكس”، “نطالب الدول التي أعلنت وقف دعمها للأونروا بالعودة فورا عن قرارها الذي ينطوي على مخاطر كبيرة سياسية وإغاثية”.
وتزايد التوتر في الأيام الأخيرة بين إسرائيل والوكالة الأممية، بعد قصف مدفعي، الأربعاء، استهدف ملجأً تابعاً للأمم المتحدة في خان يونس جنوب القطاع، ما أودى بحياة 13 شخصاً.