حجر أم حصار طائفي.. هل يستحق انتشار فيروس كورونا بالقطيف ما تفعله السعودية بمواطنيها الشيعة؟
تزايدت الانتقادات الموجهة إلى قرار السلطة السعودية إغلاق محافظة القطيف بسبب فيروس كورونا السعودية وسط تساؤلات هل دواعي الحجر طبية أم سياسية طائفية
ومر أسبوع على إغلاق محافظة القطيف بشكل كامل ذات الغالبية الشيعية في شرق السعودية، وتطويقها بالسواتر الإسمنتية من قبل السلطات السعودية، وذلك بعد أن شهدت المحافظة تسجيل 11 حالة مصابة بفيروس كورونا.
وأغلقت السلطات في 8 مارس 2020، محافظة القطيف أمام حركة الدخول والخروج، وأوقفت العمل في الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة باستثناء المرافق الأساسية التي تقدم الخدمات الأمنية والتموينية والضرورية إثر اكتشاف 11 حالة في المحافظة دفعة واحدة.
وأقامت السلطات نقاط تفتيش لمنع دخول المنطقة والخروج منها، لكنها حافظت على استمرار تدفق البضائع.
والقطيف، تاريخياً، بؤرة ساخنة بين الحكومة التي يهيمن عليها السُنة والأقلية الشيعية التي تشكو من تمييز وتهميش، وهي اتهامات تنفيها الحكومة.
وكان أغلب حالات فيروس كورونا في السعودية مسجلة في بداية انتشار المرض بالمملكة، وغالبيتها قادمة من إيران عبر دول خليجية أخرى، ولكن تم الإعلان عن حالات في مناطق أخرى.
وأمس السبت أعلنت السعودية، تسجيل 17 إصابة جديدة بـ “كورونا” ليرتفع العدد إلى 103، وقال بيان لوزارة الصحة السعودية إنه تم تسجيل 4 حالات في محافظة القطيف (شرق) وواحدة في محافظة جدة (غرب) و12 في منطقة الرياض (وسط).
هل هناك مبرر لقرار إغلاق القطيف بهذا الشكل؟
ورغم صرامة الإجراءات التي اتخذتها السعودية في مواجهة كورونا مثل إغلاق الحرم، وتعليق تأشيرة العمرة، فإن القرار بإغلاق محافظة القطيف تحديداً قوبل بانتقادات واعتبره البعض مسيساً وعقاباً للمحافظة على تمردها على السلطة، خاصة أن عدد الحالات ليس كبيراً في المملكة.
واللافت أنه عند إعلان الحكومة إغلاق القطيف كان عدد الحالات في المحافظة نحو 11 حالة يمثلون أغلبية ساحقة للحالات بالمملكة، ولكن مع استمرار ارتفاع عدد الحالات في البلاد إلى أكثر من 100 حالة، ليس واضحاً هل مازالت أغلبية الحالات في القطيف، وهل هناك مبرر لعزل هذه المحافظة تحديداً دون باقي المناطق، وهل تخشى المملكة أن يكون هناك حالات غير ظاهرة في ظل أن الكثيريين من الشيعة من أبناء المحافظة يزورون إيران بدون تأشيرة وبالتالي من الصعب رصدهم.
لا تستوفي معايير الحجر الصحي.. لا كمامات أو معقمات
على الواجهة البحرية في محافظة القطيف التي تمتّد من سيهات جنوباً حتى مدينة القطيف، بدت الأسواق كلها والعاملون في حالة من الارتباك، بالإضافة إلى الأسواق التي غلب عليها الزحام الشديد حتى سوق الخضار في القطيف لم يسلم من هذه الحالة.
يبدي خالد النمر من مدينة القطيف امتعاضه من القرار الأخير، معتبراً في حديثه الخاص لـ “عربي بوست”، بأنّ قرار الإغلاق غير صائب”.
وتقول المواطنة فاطمة السيف إنّ السلطات السعودية لم تطبق المعايير الدولية المتبعة في فرض الحجر الصحي على القطيف، فلم يتم توزيع الكمامات والمعقمات على سكان المحافظة، ولم يتم حتى تعقيم الطرق والأماكن العامة، وتأمين الاحتجاجات الطبية للمصابين بالأمراض المزمنة.
نفس الكلام يقوله أحد المواطنين من محافظة القطيف والذي رفض الكشف عن اسمه بأنّ الحكومة السّعودية تدعي فرض الحجر الصحي في القطيف إلا أن إجراءاتها لا تستوفي أياً من معايير الحجر الصحي المطبقة دولياً في بقية البلدان التي انتشر فيها فيروس كورونا.
وتساءل بالقول: “هل يعقل أن من يتولى تطبيق الحجر الصحي على مدن القطيف هي فرق أمنية وعسكرية وفوق هذا تفرض قوانين المناطق العسكرية المغلقة.. لا فرق طبية ولا إسعافات ولا تعقيم شوارع ولا حتى كمامات.. ما يجري لا علاقة له بالحجر الصحي، ونقطة أول السطر”.
هل يستهدف القرار الشيعة فقط؟
وأكد مجلس الوزراء السعودي أن الإجراءات المتخذة في محافظة القطيف مؤقتاً، تأتي في إطار التدابير الاحترازية لمنع انتقال العدوى، وتمكين الجهات الصحية المختصة من تقديم الرعاية الطبية الأفضل للمواطنين والمقيمين فيها.
يرى واحد من أبناء المحافظة رفض ذكر اسمه: “أن تسييس فيروس كورونا بات واضحاً للعيان على المستوى السعودي، متسائلاً في الوقت نفسه: “لماذا الخارجية السعودية أصدرت بياناً تدعو فيها المواطنين بالعودة فوراً إلى الديار من عدة بلدان، ولم يطبقوا هذا القرار على أمريكا وفيها أكثر من 100 مصاب ولا أي دولة أوروبية وفيها أعداد مماثلة أو أعلى بكثير باستثناء ايطاليا”.
وتشكك أوساط شيعية سعودية بأنّه ما يحدث ليس حجراً صحياً وقائياً من فيروس كورونا، بل هو فرض لحصار عسكري تحت ذرائع السيطرة على كورونا دون توفير أية فرق طبية أو سيارات إسعاف أو فرق توزيع المستلزمات الصحية، أو استعدادات لحالات طوارئ يعيشها الكثير من المواطنين في المحافظة، حيث اقتصر التواجد على المدرعات والقوات العسكرية.
المشاكل الصحية تتفاقم والأسواق على وشك النفاذ
وتؤكدّ فاطمة السيف أنّ الإجراء الأخيرة تتسبب في أزمة كثيرة لكثير من العوائل التي تعاني من مشكلات صحية، مشيرةً إلى أنّ الكثير حرموا من حق العلاج في مستشفيات الخبر والدمام التي تقدّم علاجات للكثير من الأمراض كالسرطان والسكري وأمراض القلب.
ويرى أحد المواطنين، رفض ذكر اسمه، أنّ الأوضاع الصحية تزداد خطورةً لوجود عشرات المصابين بأمراض مزمنة في القطيف وذلك نتيجة عدم وجود مستشفياتٍ تخصصية لعلاج الكثير من الأمراض ومنها الفشل الكلوي، والسرطان والسكري، وغيرها التي يتوفر علاجها خارج القطيف.
وقال إنّ الحصار الأخير المفروض على المحافظة والمسمى بـ “الحجر الصحي” يحول دون وصول هؤلاء المرضى لتلك المستشفيات التي تقدّم لهم العلاج خارج محافظة القطيف.
وتقول فاطمة السيف إنّ الأسواق قاربت على الإغلاق بسبب نفاذ العديد من البضائع والمواد التموينية فيها، وذلك بعد أن خرج المواطنون بالآلاف دفعة واحدة ليشتروا المؤن الغذائية والتموينية بعد تزايد المخاوف من إطالة أمد الحصار والحجر الصحي.
وحسب شهود عيان، تسبب قرار إغلاق محافظة القطيف من السلطات السعودية في إحداث زحام شديد على الأسواق والمحال والبقالات التجارية بسبب الخوف من نفاذ المواد التموينية، حيث ازدحمت الأسواق بالمشترين خوفاً من استمرار هذا الحجر لمدة طويلة لأنّ السلطات السعودية لم تحدد المدة من إغلاق المحافظة وهل ستطول مدتها أم لا.
لماذا القطيف فقط؟
وفي هذا السياق المتصل يؤكدّ الناشط والمحامي الحقوقي السعودي طه الحاجي، لـ “عربي بوست”، أنّ قرار إغلاق القطيف وفرض حجر وحصار عسكري عليها من كافة المنافذ الداخلة والخارجة من وإلى القطيف إجراء غير مبرر، متسائلاً في الوقت نفسه: “لماذا تمّ تطبيق هذا الإجراء على القطيف وما حولها من المدن والقرى والأحياء على وجه الخصوص ولم يتم التطبيق على مدن أخرى أكثر ازدحاماً”.
ويرى الحاجي بأنّ الحكومة لم توفر الإجراءات الكافية لمواجهة فيروس كورونا ومنع انتشاره بل اتخذت قرار الإغلاق بدون تنفيذ إجراءات أخرى مصاحبة، مشيراً إلى أنّ هناك حالات مرضية تستدعي العناية والعلاج في مستشفيات خارج محافظة القطيف، وأنّ هناك حالات مزمنة تتطلب الذهاب لمستشفيات الخبر والدمام والظهران، مشيراً إلى أنّ مستشفى القطيف المركزي غير مؤهل كاملاً ولا يمتلك الكفاءات الطبية لاستقبال بعض الحالات المرضية التي تطلب وتستدعي مستشفيات تخصصية والتي تفتقد إليها محافظة القطيف في الأساس.
الجهات الرسمية ترد.. إيران هي السبب في الأزمة
هذا القرار المتخذ بحق محافظة القطيف يردّ عليه مصدر رسمي رفيع المستوى في السعودية الذي يؤكدّ بدوره أنّ القرار هو احترازي من الطراز الأول وليس له علاقة بالسياسة كما يزعم ويروّج البعض، مشيراً إلى محاولات مستمرة لتشويه السعودية ودورها في العالم العربي والإسلامي ومحاولة الصيد في الماء العكر عند كل حدث، فقد حاولوا تشويه صورة السعودية والنيل منها بعد إغلاق صحن الطواف لأغراض التعقيم، وكذلك بعد منع العمرة مؤقتاً ومنع الزيارات لبعض الدول وإغلاق المنافذ البرية.
ويرى نفس المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لـ “عربي بوست”، أنّه لا حقيقة لتلك المزاعم التي يوردها ويتناقلها البعض، معتبراً بأنّ إيران تساهلت كثيراً في قضية فيروس كورونا ولم تأخذ الأمر على محمل الجد ولم تقم بواجبها تجاه حصر الحالات المصابة الأمر الذي زاد من حالات انتشار المرض في إيران.
فتصرّف إيران الذي وصفه المصدر بـ “غير المسؤول”، وتسهيلها إدخال مواطنين سعوديين إلى أراضيها، دون وضع ختم على جوازاتهم، في وقت تنتشر فيه الإصابة بفيروس كورونا الجديد، يشكل خطراً صحياً يهدد السلامة، ويقوّض الجهود المحلية والدولية لمكافحة الفيروس، مشدداً على أنّ طهران تتحمل المسؤولية المباشرة وما تسببه ذلك من تفشي الإصابة بالفيروس في محافظة القطيف.
وكانت إيران قد ردت على الانتقادات السعودية حيث قال عباس موسوي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الرسمية بالبلاد إن “قواعد إصدار التأشيرات الإلكترونية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية لرعايا جميع الدول هي نفسها باستثناء حاملي جوازات السفر البريطانية والأمريكية والكندية تتوافق مع نظام التأشيرات في العديد من البلدان المتقدمة والذي لا حاجة بموجبه إلى وضع العلامات وختم الدخول والمغادرة بهدف تسريع إجراءات السفر وعدم أخذ حيز في صفحات جواز السفر وأن هذه السياسة لا تقتصر على رعايا بلد معين فحسب”.
المصدر:عربي بوست