قدَّم مارك ماشين، رئيس “مكتب الاستثمار لنظام معاشات التقاعد” الكندي استقاله من منصبه، بعد سفره إلى الإمارات وتلقّيه لقاح فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، في انتهاكٍ لإرشادات حكومة جاستن ترودو بتجنُّب السفر الدولي، وهو الأمر الذي سبب له أزمة داخلية حادة، إضافة إلى تلقيه توبيخاً من الحكومة الكندية.
وفق تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية، السبت 27 فيفري 2021، فإن صندوق التقاعد، البالغة قيمته 377 مليار دولار أمريكي، أكد في بيانٍ، أن ماشين استقال من منصب الرئيس التنفيذي بعد نقاشات مع مجلس الإدارة، الخميس 25 فبفري كما جرى اختيار جون غراهام، رئيس الاستثمارات الائتمانية في الصندوق، ليحل محله رئيساً تنفيذياً.
أثار أزمة حادة
إذ دخل أكبر صندوق للتقاعد بكندا في أجواء أزمة، مساء الخميس، حين أفادت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية بسفر ماشين إلى دبي، وتلقّى توبيخاً من مكتب وزيرة المالية كريستيا فريلاند، الذي نادراً ما يُعلِّق على المسائل المتعلقة بمكتب الاستثمار لنظام معاشات التقاعد؛ من أجل حماية الاستقلالية السياسية للصندوق.
مع أنَّ مغادرة البلاد ليست أمراً مخالفاً للقانون، حذَّر ترودو ووزراء حكومته مراراً، السكان من السفر، وفرضوا قواعد صارمة؛ لإثناء الكنديين عن السفر للخارج.
فيما ليس واضحاً كيف تمكَّن ماشين، وهو مسؤول تنفيذي سابق بمؤسسة غولدمان ساكس في منتصف الخمسينيات من عمره، من ترتيب تلقّي اللقاح الذي أنتجته شركتا فايزر وبيونتيك في دبي، حيث يتوافر اللقاح رسمياً لمن هم فوق 60 عاماً، وأولئك الذين يعانون أمراضاً مزمنة أو إعاقات، والعاملين في الصفوف الأمامية للتعامل مع كوفيد 19 فقط.
نفاد الصبر على توافر اللقاحات
تُجنِّب استقالة ماشين، ترودو صداعاً سياسياً، إذ يخضع رئيس “مكتب الاستثمار لنظام معاشات التقاعد” لمجلس إدارة مُعيَّن من جانب الحكومة، لكنَّ أعضاء مجلس الإدارة رجال أعمال وليسوا شخصيات سياسية.
وتُعَد سياسة الحكومة هي عدم التدخل في شؤون المكتب، لكن في ظل هذه الظروف، ربما لم يكن أمام فريلاند خيارات كثيرة باستثناء المجاهرة بموقفها. ويتزايد نفاد صبر الكنديين من وتيرة طرح اللقاح، التي كانت الأبطأ بين دول مجموعة السبع الصناعية باستثناء اليابان. ولا يوجد تسامح كبير في كندا تجاه المسؤولين الذين يتخطون أدوارهم في طابور اللقاح أو يقومون برحلات اختيارية إلى الخارج.
من جهته، قال وزير المالية السابق جو أوليفر، في مقابلة مع تلفزيون BNN Bloomberg الكندية: “لا يتعلق الأمر كثيراً بكونه قام برحلة إلى الإمارات، بل بما يُنظَر إليه على أنَّه استخدامه لنفوذه باعتباره الرئيس التنفيذي لواحد من أكبر صناديق التقاعد السيادية في العالم للحصول على تطعيم”.
كما أضاف: “من المفترض أن يتصرف بطريقة تعكس القيم الكندية وتحترم القوانين الكندية، وباستخدامه نفوذه من أجل تطعيم نفسه يكون قد تجاوز حداً، وأعتقد أنَّه من الصائب أنَّ مجلس الإدارة تحرك بسرعة”.
موقف مقلق
فيما يتعلَّق باختيار غراهام ليحل محل ماشين، اختار مجلس الإدارة موظفاً مخضرماً صغيراً في مكتب الاستثمار لنظام معاشات التقاعد، كان انضم إلى الصندوق في عام 2008.
كاثرين كوبلينسكاس، المتحدثة باسم وزيرة المالية الكندية، قالت في رسالة أُرسِلَت عبر البريد الإلكتروني، إنَّ فريلاند تحدثت مع رئيسة مجلس إدارة مكتب الاستثمار لنظام معاشات التقاعد هيذر مونرو-بلوم صباح الجمعة، وأوضحت أنَّ الكنديين يضعون ثقتهم بالصندوق ويتوقعون منه الالتزام بمستوى أعلى من المعايير.
وأضافت: “في حين أنَّ مكتب الاستثمار لنظام معاشات التقاعد منظمة مستقلة، فإنَّنا نشعر بخيبة أمل كبيرة من هذا الموقف المقلق، وندعم التحرك السريع الذي اتخذه مجلس الإدارة”، وقالت إنَّ وزارة المالية لم تكن على علم بزيارة ماشين.
بحسب مُتتبع اللقاحات التابع لوكالة Bloomberg الأمريكية، فإنَّ كندا، وعلى الرغم من توفيرها أكبر عدد من الجرعات بالنسبة للفرد في العالم، لم تُقدِّم إلا 4.5 جرعة فقط لكل 100 شخص، مقارنةً بـ29 جرعة في المملكة المتحدة و20.6 جرعة في الولايات المتحدة. وتلقى 1.3% فقط من سكان كندا جرعتي لقاح.
هذا لأنَّه يتعين على كندا استيراد اللقاحات، وقد تأخرت الشحنات. لكن مع تسارع تسليم الشحنات الآن بعد التأخيرات التي نجمت جزئياً عن ضوابط التصدير التي فرضها الاتحاد الأوروبي، يُصِرُّ ترودو على أنَّ كل كنديّ يرغب في تلقي اللقاح سيحظى بفرصة لتلقّيه بنهاية سبتمبر/أيلول.
واقعة مماثلة حدثت في كندا
في حين أبقت كثير من الحكومات على حدودها مغلقة فترة طويلة من العام الماضي، أعادت دبي –التي تعتمد على السياحة الدولية لتحقيق نحو ثلث ناتجها الإجمالي المحلي- فتح حدودها في جويلية الماضي.
وقد توافد السياح والمشاهير إلى الإمارات؛ للهرب من حالات الإغلاق في بلدانهم.
لكن في كندا، قد يكون الهرب من حالة الإغلاق مدمراً للمسيرة المهنية، إذ اضطر رود فيليبس، وزير المالية في مقاطعة أونتاريو، إلى الاستقالة في 31 ديسمبرل الماضي؛ بعد تسبُّبه في حالة غضب، بسبب قضائه عطلة في البحر الكاريبي في وقتٍ كانت كثير من الشركات تتلقى فيه أوامر بإغلاق أبوابها لاحتواء الفيروس. واستقالت وزيرة في مقاطعة ألبرتا، تريسي ألارد، هي الأخرى من منصبها بعد سفرها إلى هاواي.