شاب تونسي: “حاولت الهجرة 7 مرات وسأعاود الكرة حتى أصل”
إما أن أغرق في البحر المتوسط أو أصل إلى أوروبا".
لا يخشى الشاب التونسي علي (27 عاما) الموت، فالهجرة إلى أوروبا هي أمله الوحيد بتحسين واقعه وإعانة أهله. ورغم أنه حاول الهجرة سبع مرات من سواحل مدينة جرجيس وفقد أخيه في البحر، لا يزال مصمما على خوض غمار المتوسط وقطع 260 كلم وصولا إلى إيطاليا.
لا يبدو أن هناك ما يجعل الشاب علي أن يعدل عن قراره، فرغم المخاطر واحتمالية الفشل لا يزال عازما على ترك بلد فقد الأمل منه. يبدأ حديثه قائلا “حاولت ركوب البحر سبع مرات، وسأعاود الكرة حتى أنجح. كل أصدقائي غادروا ولم يبق سواي في هذا الحي البائس”.
يجلب الشاب التونسي، الذي يبلغ عمره 27 عاما، كرسيا بلاستيكيا ليضعه في غرفة جلوس واسعة يخيم عليها الصمت، ولا يوجد فيها سوى فراش ملاصق لجدران عارية. ينظر إلى هاتفه المحمول مترقبا مكالمة هاتفية يخبره فيها المهرب عن موعد انطلاق رحلة الهجرة من سواحل مدينة جرجيس إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.
إما أن أغرق في البحر المتوسط أو أصل إلى أوروبا
تجرد الموت من رهبته أمام الشاب علي، وفقدانه لأخيه في البحر أثناء محاولته الهجرة على متن قارب في العام 2011 لم يكن كفيلا بتغيير مخططه. ففي تلك الفترة التي سقط فيها نظام بن علي، استغل آلاف الشباب التراجع الأمني وغياب المراقبة على السواحل التونسية، وانطلقوا على متن قوارب ومراكب شراعية باتجاه القارة الأوروبية. لكن طريق وسط البحر المتوسط الذي يعد الأكثر فتكا في العالم، سلب أيضا أرواح الكثيرين، وشقيق علي الذي كان يبلغ حينها 21 عاما هو أحد المفقودين في البحر.
رغم قساوة ما عاشه بعد فقدان أخيه، يعتبر علي أن لا أمل من البقاء في تونس،
“الموت لا يخيفني. على أية حال، نحن ميتين هنا. وأمامي خيارين، إما أن أغرق في البحر المتوسط أو أصل إلى أوروبا”. ويكمل قائلا “ليست هناك فرصة لتحسين واقع عيشنا سوى بالهجرة إلى أوروبا. أريد الذهاب إلى فرنسا والعمل هناك لعام أو عامين لجني ما يكفي من المال لبناء منزل جيد لأبي وأمي”.
مع ارتفاع نسب البطالة في تونس إلى 18% وتدهور القدرة الشرائية، ازدادت الفئات المهمشة في المجتمع فقرا وباتت “قوارب الموت”، ملاذا للفرار من البلد المنهك اقتصاديا.
“سئمت العمل لساعات طويلة مقابل أجر زهيد. الصيف الماضي كنت أعمل في مقهى طوال اليوم، ومن ثم أذهب إلى وظيفة ثانية في فندق مجاور. في أحسن الأحوال كنت أجني 600 دينار تونسي شهريا. لكن فرص العمل في الفنادق ليست سوى لبضعة أشهر في موسم السياحة خلال الصيف، ومن ثم عليّ العودة للعمل في مقهى بالكاد يكفي تأمين الحاجات الأساسية”.
وفي كل مرة يحاول فيها علي الهجرة، يخسر حوالي 6 آلاف دينار تونسي (1800 يورو).
وكانت آخر محاولاته الفاشلة منذ بضعة أشهر، “كنا حوالي 14 شخصا على متن قارب خشبي. أبحرنا باتجاه صفاقس وبقينا في البحر لمدة 8 ساعات، وبعد وصولنا إلى المياه الدولية اعترضتنا دورية تابعة لخفر السواحل الليبي. بدأ الليبيون بالاقتراب من قاربنا بسرعة وتوليد موجات لإخافتنا ومنعنا من إكمال طريقنا. أرادوا وضعنا على متن سفينتهم وربما إرسالنا إلى ليبيا. لحسن الحظ، وصل الحرس البحري التونسي إلى المنطقة، وتفاوضوا مع الليبيين. أعادتنا السلطات التونسية إلى جرجيس”.
بينما يكمل علي حديثه، تدخل والدته الستينية بخطوات ثقيلة وتجاعيد حفرت وجهها، “لا يريد علي الاستماع لما أقوله، وفي كل ليلة لا يعود فيها إلى المنزل، أخشى أن يكون ركب البحر. لا أنام طوال الليل، وأمضي الوقت في مراقبة هاتفي منتظرة أن يجيب على رسائلي”. تذرف فاطمة دموعها على ابنها المفقود وتخشى خسارة ولدها الثاني.