طالب كونغولي في تونس “أبقى مختبئا في منزلي، لا أخرج أبدا”
يعيش مارك* (22 عاما) في تونس منذ نحو عام. جاء الشاب من الكونغو إلى تونس على نحو شرعي “تأشيرة طالب”، أقام في البلاد على أمل إكمال دراسته الجامعية ثم العودة إلى بلاده. لكنه بات يخاف الخروج من منزله، يخاف أن يقبع عرضة اعتداء أو أن توقفه الشرطة، ذلك عقب تصريحات الرئيس التونسي، قيس سعّيد، المعادية للمهاجرين.
اتهم الرئيس التونسي قيس سعّيد في 21 فيفري ، نحو 21 ألف أفريقي من جنوب الصحراء يعيشون في تونس، بأنهم مصدر ”عنف وجرائم وممارسات غير مقبولة“، معلنا اتخاذ ”إجراءات عاجلة“ لمحاربة هؤلاء ”المهاجرين غير الشرعيين“.
تسلل الفزع إلى أوساط ذوي البشرة الداكنة، سواء أكانوا تونسيين أم مهاجرين، شرعيين أم غير شرعيين، وتعرض عدد منهملاعتداءات لفظية وجسدية، وطردوا من شققهم، وتعرضوا للتوقيف التعسفيمن قبل الشرطة، ولاسيما في الأيام الأخيرة.
مارك، في منأى عن ذلك حاليا. يعيش الشاب الكونغولي في تونس منذ نحو عام، في منطقة سكنية في العاصمة على نحو شرعي، إذ لديه بطاقة إقامة طالب. ومع ذلك لا تحميه وضعيته الإدارية من الاعتداءات.
”أنا في مأمن داخل منزلي، ولكن إلى متى ؟“
”لا أخرج من منزلي. أبقى مختبئا في الداخل. لم أذهب إلى الجامعة في الأيام الأخيرة. أنا خائف جدا. أسمع أصواتا في الشارع تردد العبارات نفسها، عودوا إلى بلادكم، عودوا إلى بلادكم. كيف يمكنني الوصول إلى موقف الحافلة أو المترو للوصول إلى الجامعة؟ أخاف الوقوع عرضة اعتداء كلامي أو جسدي، وأنا في الطريق إلى الكلية.
طردوا أشخاصا إلى بلادهم بسبب لون بشرتهم. لن تحميني بطاقة إقامة الطالب التي أحملها. لم أطرد بعد، أعيش في مسكن مشترك مع طلاب آخرين من الكونغو، أنا في مأمن، ولكن إلى متى؟
تخيّم عشرات العائلات المهاجرة من أفريقيا جنوب الصحراء أمام سفارات بلادهم. وجد بعضهم في ذلك ملاذا، ولاسيما بعد طردهم من مساكنهم. يعيش في تونس نحو 20 ألف شخص من أفريقيا جنوب الصحراء، ما يعادل 0,2 في المئة من إجمالي عدد السكان، وفق منظمات غير حكومية.
“هناك اعتداءات باستخدام أسلحة بيضاء أيضا. طُعن صديقي بعد خروجه من محل بقالة. أعتقد أن خطاب الرئيس وترحيل المهاجرين أمرا رهيبا. لم تخل تونس من العنصرية سابقا، ولا من الاعتقالات والإيقاف التعسفي في الشارع، لكن كان الأمر أقل عنفا.
كان في استطاعة الشرطة إيقاف المهاجرين، حصل ذلك معي، لكنهم كانوا يتركونني بعد خمس دقائق، بعد التأكد من بطاقة الإقامة.
”لا نتخذ وسائط النقل العامة، فقط سيارات الأجرة“
ولكن الآن، يوقفون الناس ويذهبون بهم فورا إلى مركز الشرطة، يضعونهم في زنزانات بضع أيام من دون سبب. أوقفوني في الشارع منذ أيام، لكن لم يتركوني أذهب على الفور، اصطحبوني إلى مركز الشرطة وتأكدوا هناك من جواز السفر والإقامة ثم أطلقوا سراحي. لقد كنت محظوظا، فبالنسبة إلى المهاجرين الأفارقة الآخرين، تكون الأمور أسوأ، يقضون ثلاثة أو أربعة أوخمسة أيام في مركز الشرطة.
وسأقولها بصراحة، لم يعد المهاجرون ”أصحاب البشرة الداكنة“ يمشون في الشارع أو يتخذون وسائط النقل العامة، يذهبون إلى عملهم وإلى جامعاتهم في سيارات أجرة.
دفع هذا الوضع مئات الأشخاص إلى الرغبة في العودة إلى بلدانهم. أطلقت سفارة ساحل العاج حملة لإعادة مواطنيها الراغبين في ذلك. في حين عرضت سفارة مالي على مواطنيها التسجيل في برنامج “العودة الطوعية“. وأشارت السفارة الكاميرونية في بيان إلى إمكانية اتصال مواطنيها ”بالقنصلية للحصول على معلومات متعلقة بالعودة الطوعية”. حتى مارك يريد العودة إلى بلده.
أشعر بالخوف الشديد، لذا اتصلت بالمنظمة الدولية للهجرة (IOM) لمساعدتي في العودة إلى الوطن [عبر برنامج “العودة الطوعية” ، ] ، لكن لم يجب أحد. لا أفهم، يجب أن نحظى بدعم الهيئات الدولية في هذه الأوقات. لكن ليس لدينا شيء. إنهم صامتون”.
بينما تمكن بعض المهاجرين من العودة إلى ديارهم عبر السفارات في الساعات الأخيرة، يتجول العشرات بين مكاتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومكاتب المنظمة الدولية للهجرة في تونس. كثير منهم من سيراليون وغينيا كوناكري والكاميرون وتشاد والسودان ودول أخرى ليست لديها سفارة في العاصمة التونسية. وصلوا على نحو غير شرعي، ووجدوا أنفسهم، عقب كلام قيس سعيد، في الشارع فجأة، محرومين من الوظائف غير الرسمية التي نجوا بفضلها.
*الاسم مستعار بطلب من الشخصية