السعودية تسابق الزمن وتنفق مبالغ غير مألوفة في عالم كرة القدم العالمية
في وقت يتلقى نجوم كرة القدم العالميين عروضاً مجزية للغاية من المملكة العربية السعودية، هناك ميل إلى نسيان أنّ هذه الظاهرة تعود إلى عقود خلت. لكن الآن تبدو الرهانات كبيرة جداً.
وكتبت صحيفة “واشنطن بوست” في ذلك الوقت: “بالإضافة إلى الحصول على سيارة مرسيدس بنز جديدة وبدل معيشة قدره 10 آلاف دولار شهرياً، سيقيم ريفيلينو في أحد القصور الخالية للأمير خالد آل سعود”.
تم إغداق رفاهيات مماثلة، بمبالغ أكبر وفقاً للأسعار الحالية، على نيمار والبرتغالي كريستيانو رونالدو والفرنسي كريم بنزيمة وغيرهم من النجوم البارزين الذين انضموا إلى الدوري السعودي للمحترفين هذا العام. بلغت رسوم الانتقالات هذا الصيف وحدها 830 مليون دولار، بدون احتساب أجور اللاعبين الباهظة، أو توقيع رونالدو في جانغي في عقد يقال إنه سيدّر عليه 400 مليون يورو على مدار عامين ونصف.
وتعد هذه الفورة السعودية أكثر من مجرد بحث عن مكانة أو “تبييض رياضي” لسجل حقوق الإنسان في البلاد الذي يتعرض لانتقادات شديدة، وهي مرتبطة أكثر بدفع وجودي: إعادة تشكيل الاقتصاد قبل انخفاض عائدات النفط.
وإذا كانت السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، ليست جديدة على الإنفاق الكبير على لاعبي كرة القدم، فإن الأمور مختلفة تمامًا هذه المرة.يعد مشروع كرة القدم الحالي جزءًا من رؤية 2030، وهي الحملة الطموحة التي يقودها الحاكم الفعلي للبلاد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد السعودي المرتهن بالنفط.
وقال نائب رئيس تحرير صحيفة “الرياضية” البارزة صالح الخليف لوكالة فرانس برس: “كان هناك توجه لجلب أسماء كبيرة” في السبعينات.وتابع من مكتبه في الرياض “جاء ريفو (ريفيلينو) ولاعبون آخرون من تونس لعبوا بشكل جيد في كأس العالم 1978. لكن التجربة كانت فاشلة في النهاية”.وأضاف “الأمر اعتمد على أعضاء شرف في الأندية، وليس على خطة أو إنفاق حكومي” ، في إشارة إلى أفراد العائلة المالكة الذين يمولون الفرق بشكل مستقل.وأوضح أنّ المرحلة الأولى “لم تكن مستدامة لذا لم تتمكن من النجاح. وهذا مختلف تماما عن التجربة الحالية”.فراهنا، تستثمر السعودية مئات المليارات في كل شيء بدءًا من نيوم، المدينة الجديدة المستقبلية على ساحل البحر الأحمر، إلى المنتجعات السياحية والترفيهية للجماهير، بما في ذلك كرة القدم.وتهدف الخطة إلى تنويع مصادر الدخل في الدولة الصحراوية التي يبلغ عدد سكانها 32 مليون نسمة، وحيث تقل أعمار ثلثي السكان السعوديين عن 30 عاما، لكن الوقت هو جوهر الأمر.وتوقعت أوبك، منظمة البلدان المصدرة للنفط التي تعد السعودية عضوا بارزا فيها، أن يصل الاستهلاك العالمي إلى ذروته في عام 2040 تقريبا، مما يعني ضمنا أن الإيرادات سوف تنخفض بعد ذلك.ورأى الأستاذ المحاضر في الرياضة والاقتصاد الجيوسياسي في كلية سكيما للأعمال في باريس سايمون تشادويك أنّ “المملكة العربية السعودية تسابق الزمن”.وأفاد فرانس برس “أمام المملكة العربية السعودية 20 عامًا للتنويع. وفي هذه الأثناء، هم عُرضة لتقلبات أسعار النفط”.وتابع “عليهم أن يتحركوا بسرعة، عليهم أن يتحركوا بشكل استراتيجي، عليهم أن يتحركوا بفعالية”.“الخبز والسيرك”وتعد الحشود المكتظة التي تحضر لمشاهدة رونالدو بمثابة تحول كبير بالنسبة لبلد محافظ للغاية حيث كانت النساء ممنوعات من دخول الملاعب حتى عام 2019.وقال المحرر الرياضي في صحيفة “عرب نيوز” التي تصدر بالإنكليزية من الرياض، علي خالد، إن “المتهكمين سيقولون ما هي الأسباب وراء ذلك”، في إشارة إلى الحديث عن “الغسل الرياضي”.
وتابع “لكن كل ما في الأمر أنهم (المسؤولين السعوديين) يجلبون ذلك إلى شعبهم الذي لم يكن لديه لفترة طويلة إمكانية الوصول إلى أي ترفيه من هذا المستوى”.ووفقا لنهرا، فإن “الهدف الرئيسي هو كيف يمكننا تحويل الرياضة إلى رياضة تلهم الشعب السعودي وتشركه وتسليه”. وأكّد “هذا هو المحرك”.لكن تشادويك أشار إلى أنّ الاستثمارات في كرة القدم والفورمولا واحد والغولف والمهرجانات الموسيقية وغيرها قد تكون أكثر من مجرد تشجيع الناس على الإنفاق. وقال “أعتقد أن أمن الأسرة الحاكمة هو في قلب هذا الأمر”.وتابع أنّ “الاستثمار في كرة القدم هو الخبز والسيرك للقرن الحادي والعشرين”، في إشارة إلى سياسة توفير الطعام والترفيه في آنٍ معاً، موضحاً أن الأمر بمثابة أن “تعطي الناس ما يريدون، وتأمل أن يتركوك وشأنك”.وختم بالقول “لن يسائلوك، بل سيدعمونك”.