وتتسبب إطالة مدة الصراع على الحدود الشرقية لمصر في حالة ركود للمنتجعات المصرية الشهيرة المطلة على ساحل البحر الأحمر، الذي يشهد كذلك توترات مستمرة جراء التوترات في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وبحسب عدد من المصادر فإن منتجعات شرم الشيخ ودهب ونويبع وطابا، وجميعها تتبع محافظة جنوب سيناء بالقرب من قطاع غزة، هي الأكثر تأثراً بالحرب الدائرة.
وأضافت المصادر أن منتجعات ساحل البحر الأحمر تحديداً في الغردقة ومرسى علم (غرباً) تأثرت بشكل طفيف، كما أن السياحة الثقافية في القاهرة هي الأكثر قدرة على الثبات.
وتعتمد القاهرة على السياحة العربية التي تأتي إلى مصر في هذا التوقيت لقضاء إجازة أعياد العام الجديد، والتي تتزامن مع موسم رحلات السياحة الدينية “المسيحية”، إلى جانب المقاصد السياحية في جنوب مصر تحديداً في الأقصر وأسوان، والتي لم تتضرر بشكل كبير.
وتوافقت تلك المصادر على أن إمكانية نشوب صراع في منطقة الشرق الأوسط، واستمراره، ووجود بوادر لاتساعه، تؤثر سلباً على معدلات إقبال السياح على دول المنطقة، وتبقى مصر في ذروة الدول المتضررة لارتباطها بشكل مباشر بالصراع القائم على حدودها.
وحسب مصادر مطلعة فإن الدول الأوروبية التي يأتي منها غالبية السياحة إلى مصر تبقى من أكثر الفئات التي أقدمت على إلغاء حجوزاتها خلال الشهرين الماضيين.
حجوزات الفنادق تُقارب الصفر
كشف صاحب أحد أكبر الفنادق العاملة في مدينة طابا ” أن نسب الإشغالات في منتجعات طابا ونويبع قاربت على الوصول إلى نقطة الصفر، وهناك العديد من الفنادق أغلقت أبوابها منذ اندلاع الحرب الدائرة في قطاع غزة.
وأضاف المتحدث أن منتجعات شرم الشيخ ودهب هي الأفضل حالاً، إذ ما زال لديها معدلات إشغال إيجابية، لكن المنتجعات السياحية جنوبي سيناء شهدت خلال نوفمبر إلغاء حجوزات وصلت نسبتها إلى 70%، في حين أن المستثمرين والحكومة كذلك كانوا يعولون على نسبة إشغالات تصل إلى 100% مثلما الوضع في السنوات الماضية.
وبتفاصيل أكثر، أكد المتحدث أن الأزمة الأكبر تتمثل في أن أصحاب الفنادق والعاملين في القطاع السياحي بتلك المناطق يعانون أوضاعاً صعبة للغاية، تحديداً بالنسبة لفنادق طابا ونويبع.
وأشار إلى أن الحكومة المصرية قدمت قروضاً ومساعدات للفنادق خلال فترة كورونا، وهو ما جعل هناك مديونيات يجب على الفنادق سدادها، والغرف الفندقية التزمت بالسداد خلال العامين الماضيين، والآن هناك مشكلة في القدرة على السداد إلى جانب سداد رواتب العاملين في الفنادق.
ولفت إلى أن الحل الأسلم بالنسبة لعدد من الفنادق تمثل في الإغلاق التام ومنح العاملين إجازة من دون راتب لحين استقرار الأوضاع وعودة السياحة مرة أخرى.
ووصف المتحدث وضع أصحاب الفنادق بمن يعيشون في غرفة إنعاش وقامت الحكومة برفع الأكسجين عنهم لأنها تركتهم دون مساعدة، مع الوصول إلى نسبة صفر إشغال، ومع توقف حركة الطائرات بشكل تام.
وكشف المتحدث أن أصحاب الفنادق قدموا طلبات الإعفاء من دفع فواتير خدمات الكهرباء والمياه، أو تأجيل سداد المديونيات، لكن دون استجابة حتى الآن.
وفقاً لإحصاءات البنك المركزي المصري، فإن إيرادات مصر من السياحة، أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في البلاد، قفزت 26.8% على أساس سنوي إلى 13.6 مليار دولار في السنة المالية 2022-2023.
وكانت الحكومة المصرية تعوّل على مزيد من القفزات بما يدعم إنجاح خططها في جذب 30 مليون سائح بحلول عام 2028.
دائرة مفرغة من الحجج
وتأتي حجج جهات حكومية باستحالة اتخاذ مثل هذه القرارات في الوقت الحالي لعدم وجود قرار صادر من مجلس الوزراء، كما أن وزارة المالية تدعي أنها لا يمكن أن تعفي المديونين من سداد مستحقاتهم لعدم وجود قرار حكومي يوافق عليه البرلمان.
وبحسب المصدر ذاته، فإن المستثمرين وجدوا أنفسهم أمام دائرة مفرغة من الحجج، وبالتالي فهم ينتظرون إطلاق رصاصة الرحمة عليهم، مطالباً في الوقت ذاته الجهات المحلية في طابا ونويبع بتنظيف الشواطئ وتجهيزها متى كانت هناك فرصة لعودة السياحة مرة أخرى، مع ضرورة الترويج لهذه المناطق ضمن خطط جذب السياحة الداخلية.
وتعد طابا ونويبع من أبرز المقاصد السياحية في مصر بمنطقة جنوب سيناء، وتأثرت هذه المناطق بحرب غزة 2023؛ إذ تسببت في إلغاء آلاف الحجوزات بمناطق جنوب وشمال سيناء نظراً لعدد السياح الإسرائيليين الكبير الذين يزورونها، كما تستقبل مدينتا طابا ونويبع سياحاً من كل دول العالم قادمين من مدينة القدس ضمن رحلة دينية تضم مصر والقدس والعقبة الأردنية.
واعتادت مصر استقبال سياح من الجانب الإسرائيلي في منطقتي طابا ونويبع خلال الفترة الماضية بأعداد كثيفة عبر المنافذ البرية بين الجانبين؛ إذ تظهر بيانات إسرائيلية أن مصر كانت ثاني أكبر دولة ذهب إليها السياح الإسرائيليون في منطقة الشرق الأوسط خلال العام الماضي.
أوضاع السياحة في مصر تدهورت بعد استئناف الحرب
ويشير مصدر مطلع بجمعية مستثمري البحر الأحمر، إلى أن منتجعات المدن المطلة على الساحل تأثرت سلباً خلال الشهر الأخير مع تصاعد الهجمات الحوثية.
وأضاف المصدر أن إلغاء الحجوزات جاء من جنسيات أمريكية وكندية ودول أمريكا اللاتينية ودول الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن مصر تأثرت بحظر سفر السياح الأمريكان إلى المناطق القريبة من العمليات الحربية الإسرائيلية، وأن السياحة الوافدة من الولايات المتحدة كانت تأتي في المرتبة الثالثة.
ولفت إلى أن معدلات إلغاء الحجوزات في شرم الشيخ ودهب وصلت إلى 70%، كما أن مدينة الغردقة المطلة أيضاً على ساحل البحر الأحمر تعرضت لإلغاءات عديدة في الحجوزات قبل ساعات من بدء احتفالات نهاية العام، ووصلت نسبة الإلغاءات إلى 50%.
وأضاف أن منتجعات البحر الأحمر تضررت بإلغاء حجوزات الدول الأوروبية التي اعتادت الوجود فيها في مثل هذا الوقت كل عام، نتيجة الدفء والطقس المعتدل الذي تشهده مدن شرم الشيخ والغردقة إلى جانب أجواء الكريسماس الرائعة هناك.
وأوضح أن مصر تعاني بوجه عام تراجعاً في حركة السياحة تصل إلى 20% تقريباً منذ بدء الحرب على قطاع غزة، والشهر الأول من الحرب كان شاهداً على قدر من التوازن في أعداد الوافدين، لكن مع استئنافها مرة أخرى بعد انتهاء الهدنة الأخيرة أخذت الأوضاع في التدهور.
وأشار إلى أن الانحسار الأكبر في منتجعات جنوب سيناء والتي تعاني حالة من الركود أعادت للأذهان الأوضاع التي مرت بها المنتجعات هناك وقت وقوع الطائرة الروسية في عام 2015.
وتوقعت مذكرة بحثية لبنك الكويت الوطني أن تؤدي حرب غزة وعدم وضوح مدة الصراع الحالي، إلى خفض إيرادات مصر الخارجية بقيمة 1.5 مليار دولار في كل ربع من العام بسبب انخفاض إيرادات السياحة وصادرات مصر من الغاز.
تستهدف مصر زيادة إيرادات قطاع السياحة خلال العام المالي الحالي إلى ما بين 16 و17 مليار دولار، مقابل 14 مليار دولار متوقعة بنهاية العام المالي الماضي، وذلك وفقاً لموازنة المواطن للعام المالي 2024/2023، الصادرة عن وزارة المالية المصرية.
“حرق الأسعار” لمواجهة الأزمة
وفي جوان 2023 كشف وزير السياحة المصري أحمد عيسى، أن مصر استقبلت ما يقرب من 7 ملايين سائح في النصف الأول من العام الجاري، وهو ما يُعد الأعلى في تاريخ البلاد لهذه الفترة، ويمثل طفرة في انتعاش السياحة في مصر.
وتوقع عيسى أن يتجاوز عدد الزوار في النصف الثاني من العام نظيره في النصف الأول، متوقعاً وصول عدد السياح القادمين إلى مصر في العام المقبل إلى 18 مليوناً، غير أن تلك التوقعات ذهبت أدراج الرياح جراء إطالة أمد الحرب الحالية في غزة.
ويشير مصدر مطلع بغرفة شركات السياحة في مصر تحدث إليه “عربي بوست” إلى أن معدلات الإشغال في موسم رأس السنة يتراوح ما بين 40% إلى 60% في فنادق المنتجعات السياحية المطلة على البحر الأحمر، في حين أن معدلات الإشغال خلال العام الماضي في تلك المنتجعات وصلت إلى ما يقرب من 90%.
وأضاف أن كثيراً من الفنادق لجأت إلى ما يسمى “حرق الأسعار” وتخفيضها بمعدلات غير مسبوقة، والبعض لم يعد ملتزماً باللوائح التي حددتها وزارة السياحة بالنسبة لسعر الفرد في الغرفة السياحية والفندقية.
ولفت إلى أن بعض الفنادق حدد سعر الليلة الواحدة في فنادق الخمس نجوم بـ40 دولاراً فقط، وهؤلاء هدفهم جذب المصريين بدلاً من تسريح العمالة، وذلك لضمان دفع مصروفات التشغيل والصيانة.
وانتقد المتحدث خطط وزارة السياحة في مصر التي لم تولِ اهتماماً بالتسويق للمنتجعات المصرية في شرم الشيخ والغردقة في الداخل، كما أن خطط التسويق الخارجية التي تقوم على جذب السياحة إلى مدن الأقصر وأسوان في الجنوب لم تكن حاضرة، ويبقى الاعتماد الأكبر على تسويق منتجعات شرم الشيخ والغردقة إلى جانب السياحة الثقافية في القاهرة.
وأكد أن السياحة الوافدة من دول جنوب شرق آسيا كانت بمثابة طوق نجاة للسياحة المصرية هذا العام مع تأجيل حجوزات دول أوروبا الغربية، مشيراً إلى أن الأزمة تبقى في أن السياحة الوافدة من تلك المناطق تحتاج إلى تجهيزات معينة قد لا تكون الفنادق مستعدة لها بشكل كامل على مستوى أنواع النشاطات والأطعمة التي يتناولونها.
واعترف المتحدث باسم وزارة السياحة المصرية، الدكتور أحمد يوسف، أنه في الربع الأخير من العام الحالي، خصوصاً في أكتوبر/ ومع أحداث الشرق الأوسط، حدث تباطؤ في أرقام الحجوزات، مشدداً على أنهم اتخذوا قرارات لمواجهة تقليل الحجوزات، وتم تنفيذ إجراءات عديدة في أكتوبر
وأشار في تصريحات إعلامية إلى أن وزارة السياحة في مصر تواصلت مع القطاع الخاص المصري والأجنبي وشركات السياحة وخطوط الطيران المصرية والأجنبية لتوضيح حقيقة الأوضاع في مصر، وأنها بعيدة عما يحدث في المنطقة، لافتاً إلى أنه تم التعاقد مع شركات علاقات عامة والتواصل مع كبريات الصحف ووسائل الإعلام للترويج السياحي.
وتسببت الحرب الدائرة في قطاع غزة في إرجاء افتتاح عدد من المشروعات السياحية، بينها المتحف المصري الكبير الذي جرى الانتهاء منه تقريباً، وكشف تقرير صادر عن وزارة السياحة المصرية أن الموقف الحالي يتمثل فى إنجاز حوالي 99.5% من الأعمال بمشروع المتحف المصري الكبير بالقرب من أهرامات الجيزة.
وحسب المصدر فإنه جرى بالفعل الانتهاء من إنشاء الهيكل الإنشائي والتشطيبات الداخلية وأعمال الأرضيات والساحات الخارجية والزراعات، و99.5% من أعمال أنظمة الإلكتروميكانيك، و100% من أعمال الطرق الداخلية المحيطة بالمشروع، و100% من واجهات المتحف ومن قاعة توت عنخ آمون.