في العالم

الجزائر تستنجدُ بحكيمِها الأخضر الإبراهيمي

رصيف 22 — الدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي، مثّل حتى وقت قريب رجلَ السلام الذي عوّلت عليه الأمم المتحدة في أشد ملفاتها تعقيداً في أفغانستان والعراق وسوريا، وفي مناطق نزاع سابقة في جنوب إفريقيا، وهايتي، ونيجيريا، والكاميرون، والسودان، ها هو يعود بقوة إلى الواجهة لكن من بوابة وطنه: الجزائر، التي تعيش مرحلةً دقيقةً من تاريخها.

دولياً لم يغب الإبراهيمي عن الأضواء، لكن ظهوره الاثنين 11 مارس متحدثاً من داخل القصر الجمهوري في الجزائر بعد بيان تاريخي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة يعلن فيه تراجعه عن الترشح للانتخابات، كان لافتاً، لا سيما وبوتفليقة دعاه قبل إعلان بيانه وتزامن ذلك مع اجتماعه برئيس أركان الجيش، ما يقيم الدليل على ثقل الرجل في هذه المرحلة.

ظهر الإبراهيمي مساء الاثنين وأعين العالم على الجزائر، ليعلن أنه من الضروري “تحويل الأزمة إلى مرحلة تشييد في الجزائر”، لكن دور الإبراهيمي في هذه المرحلة ليس واضحًا بعد، ما مهامه؟ أي مسؤولية أُلقيت على عاتقه؟

تخميناتٌ رجحت أن يقود الإبراهيمي صحبة ممثلين عن المحتجين مؤتمراً يبحث مستقبل الجزائر بعد أن تراجع بوتفليقة عن الترشح لولاية خامسة تحت ضغط الشارع.

المؤتمر المرجح عقده لمّح إليه بوتفليقة الاثنين في بيانه “ للأمة” حين وعد بحوار وطني، وربمت تُعهد لهذا المؤتمر مهامُ نقل السلطة بشكل سلمي وصياغة دستور جديد وتحديد موعد انتخابات رئاسية جديد لا يترشح إليها بوتفليقة.

وجود الإبراهيمي في هذا المؤتمر الذي من المتوقع أن يضم ممثلين عن المتظاهرين ومناضلين في ثورة الاستقلال، يحمل دلالات عدة فللرجل ثقل معترف به دولياً هو الحكيم المحنك الذي لعب مراراً دورَ الوسيط في أزمات دولية معقدة وإن فضّل في بعضها المغادرة حين بات المتدخلون بها أكثر شراسة. الإبراهيمي هو كذلك أحد أفراد “مجموعة حكماء العالم”، التي أنشئت للمساعدة في إيجاد حلول سلمية للأزمات، فهل ينجح في مهمته الجديدة وقد استنجدت به بلاده لحل أزمة شائكة بشكل سلس؟

مسيرة الإبراهيمي الطويلة

ولد الأخضر الإبراهيمي يوم 1 يناير من العام 1934 في بلدة عزيزة جنوب الجزائر، درس القانون والعلوم السياسية في الجزائر وفرنسا.

للإبراهيمي ثلاثة أبناء، وربما يعرف الجمهور ابنته ريم أكثر من بقية أبنائه، هي التي عملت مراسلة لشبكة سي إن إن خلال حرب العراق  2003، وهي زوجة الأمير علي بن الحسين شقيق الملك الأردني عبد الله الثاني بن الحسين.

في التسعينيات شغل الإبراهيمي منصب وزير خارجية، وكان مبعوثاً للأمم المتحدة إلى أفغانستان ثم العراق، كما عيّن مبعوثاً مشتركاً للجامعة العربية والأمم المتحدة إلى سوريا خلفاً للأمين العام السابق كوفي عنان.

تقلد الإبراهيمي العديد من المناصب في بلاده وفي الأمم المتحدة، ومثّل جبهة التحرير الوطني في جاكرتا وهو في الـ22 من العمر، وعُين سفيراً للجزائر في المملكة المتحدة بين عامي 1971 و1979، وأصبح مساعداً للأمين العام لجامعة الدول العربية من 1984 حتى 1991.

عمل وزيراً للخارجية بين عامي 1991-1993، وعندما التحق بالأمم المتحدة عيّن مبعوثاً خاصاً إلى جنوب أفريقيا، وهاييتي، و نيجيريا، والكاميرون، والسودان، وفي العام 2001 أصبح ممثلاً خاصا للأمم المتحدة في أفغانستان والعراق.

الإبراهيمي وسوريا..حين تعطل الحوار 

في عام 2012، تم اختيار الإبراهيمي مبعوثاً مشتركاً للجامعة العربية والأمم المتحدة إلى سوريا بهدف إيجاد حل بين المعارضة ونظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهي المهمة التي قام بها خلفاً للأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان الذي استقال بعد فشله في المهمة نفسها.

لكن في منتصف العام 2014 استقال الإبراهيمي بدوره من مهمته في سوريا معتذراً للشعب السوري لعدم القدرة على مساعدته.

كُلف الإبراهيمي مهمات خاصة في الأمم المتحدة، ففي العام 2000 أعد تقريراً للأمين العام للأمم المتحدة عرف إعلامياً بـ”تقرير الإبراهيمي” حول عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في العالم وكشف التقرير فشل الأمم المتحدة السياسي والإداري والمالي في إدارة الأزمات.

حصل الأخضر الإبراهيمي على العديد من الأوسمة والجوائز، ونال في العام 2010 جائزة الحكام الخاصة لتفادي النزاعات من مؤسسة شيراك التي أسسها الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك لنشر السلم العالمي.

الاثنان 11 مارس، وعقب لقائة بوتفليقة، صرح الإبراهيمي: “صوت الجماهير، وخاصة الشباب مسموع، وهناك مرحلة جديدة بناءة ستبدأ في مستقبل قريب ستعالج الكثير من مشاكلنا”.

فكيف سيعالج الإبراهيمي مخلفات حكم بوتفليقة، الذي يحتفظ له الجزائريون بحق الامتنان لدوره في إعادة السلم الأهلي بعد العشرية السوداء (الحرب الأهلية) لكنهم يعبيون عليه تقصيره في توفير الديمقراطية وترك المحيطين به (شقيقيه وآخرين) يتحكمون بدواليب حكم البلاد، إلى حد تعويض غيابه بلوحة عملاقة تجوب المناسبات الوطنية.

[metaslider id=10487]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.