اول الكلام

خربها محمد عبو وعلي العريض و أجهز عليها مشروع مجلة الجماعات المحلية البلديات مبتورة من جهاز الشرطة البلدية عبد المجيد المسلمي ( عضو المجلس المركزي للجبهة الشعبية )

يمكن القول أن من أخطر ما حل بالبلاد في السبعة سنوات الأخيرة التي عقبت الثورة هو تردي الأوضاع في البلديات من بناء فوضوي و تردي أوضاع النظافة و المحيط و الاعتداءات على الملك العمومي و الانتصاب الفوضوي و احتلال الرصيف و تفاقم  ظاهرة تجاوز القانون و تحدي الدولة. و إن من أبرز أسباب تفاقم هذه الأوضاع حسب عديد المختصين هو حرمان البلديات منذ 2012 من جهازها التنفيذي المتمثل بالشرطة البلدية التي لم تعد تحت سلطة البلديات و أصبحت تحت سلطة وزارة الداخلية و بالتحديد تحت سلطة رئيس منطقة الأمن. فبعيد الثورة طالبت أسلاك الشرطة البلدية عبر تحركات عديدة بإلحاقهم بقوات الأمن الداخلي لأسباب واضحة تتعلق بالامتيازات التي توفرها وزارة الداخلية. و قد استجاب لهم محمد عبو وزير الوظيفة العمومية آنذاك و علي العريض وزير الداخلية و تم إصدار الأمر عدد 518 المؤرخ في 2 جوان 2012 الذي حذف سلك مراقبي التراتيب و أدمج أعوانه بسلك الأمن و الشرطة مما أفقد البلدية سلطة الضبط العدلي. لقد كان قرارهم خطوة كارثية على البلديات التي دخلت  مرحلة خطيرة من الفوضى و تجاوز القانون لا نزال نعيش أثارها إلى اليوم.

لم ينجح يوسف الشاهد و فشل رياض المؤخر

منذ 2014 بدأ رؤساء النيابات الخصوصية و المواطنون  يلاحظون حجم الكارثة التي حلت بالبلديات بعد حرمانها من جهازها التنفيذي المتمثل بالشرطة البلدية من طرف محمد عبو و علي العريض. فالشرطة البلدية أصبحت  تتبع السلطة الأمنية المتمثلة جهويا برئيس منطقة الشرطة و ليس لرئيس البلدية أي سلطة عليها مما يجعل العديد أوامر و تعليمات رئيس البلدية تبقى حبرا على الورق في عديد الأحيان. من جهة أخرى فإن الشرطة البلدية مطلوب منها إنجاز الأعمال الأمنية الأخرى مما يجعلها عاجزة في عديد الأحيان عن إنجاز المهام البلدية. هذا إضافة إلى انتشار ظاهرة تحدي الدولة و تجاوز القانون و مظاهر الرشوة و الفساد. لقد حاول السيد يوسف الشاهد عندما كان وزيرا للشؤون المحلية أن يعيد الشرطة البلدية تحت سلطة البلديات و هو الذي صرح سنة 2015 ” منذ أن أصبحت الشرطة البلدية تحت إشراف وزارة الداخلية أصبحت غير قادرة على تطبيق القرارات البلدية”..و لكن و بعد أن صدر ذلك في عديد وساءل الإعلام جاء التكذيب سريعا من وزارة الداخلية و من نقابات الشرطة البلدية و تراجع يوسف الشاهد منذ معاركه الأولى. أما السيد رياض المؤخر الوزير الحالي للبيئة و الشؤون المحلية فلم يتجرأ ( حتى مجرد الجرأة) على طرح الموضوع. و سواء كان الأمر ناتج عن غريزة “حب البقاء” أو لثقافة سياسية متأصلة فقد تجنب المواجهة المباشرة و أسس الشرطة “البيئية” التي بدأت نشاطها في جوان 2017 . هل كان لخط التمويل من المانحين الدوليين و البنك العالمي ( 8 مليون دينار) الذي تمتع به مشروع تأسيس هذا السلك و صفقات شراء المعدات المترتبة عنه  دور في هذا الخيار؟؟؟ و إنك عندما تتطلع على مهام هذا السلك الجديد ( الشرطة البيئية) ضمن تفعيل قانون حفظ الصحة عدد 30 لسنة 2016 تعرف أنها تتعلق خاصة بحفظ الصحة و النظافة و  أن صلاحياتها  لا تتعلق بأكبر معضلة تواجهها البلديات و التي تمثل  أكبر مصادر للرشوة و الفساد و هي مراقبة البناءات و التصدي  للبناء الفوضوي و تفعيل قرارات الهدم  و الانتصاب الفوضوي و التعدي على الملك العام. هذه الصلاحيات التي تركت نقمة أو نعمة حسب الحالات للشرطة البلدية. لذلك نفهم لماذا رفضت نقابات الشرطة البلدية هذا السلك “المنافس” و أصدرت بيانا ناريا تندد بهذا السلك الجديد لا بل هددت بإيقاف أعوانهم الذين ينتحلون صفة “الشرطة”. و قد كان لسان حال الشرطة البلدية يردد المثل التونسي المعروف” الزبدة لزبيدة و الفضلات لعبيدة” و هم يرون السلك الجديد ينعم بالسيارات الجديدة الفارهة و التكوين في أجمل النزل و غيرها من الإمتيازات مقابل نشاطات خفيفة و غير صعبة نسبيا   في حين أن الشرطة البلدية التي تواجه أخطر التجاوزات ( البناء و الإنتصاب الفوضوي) تعمل في ظروف قاسية و بوسائل بائسة

الموفق الإداري= و شهد شاهد من أهلها

في تقرير صدر له بتاريخ 1 فيفري 2018 كتب  الموفق الإداري “يتضح من خلال عينة من الملفات محل متابعة سنة 2017 ان إلحاق أعوان الشرطة البلدية بالأمن العمومي دون خضوعهم إلى إشراف رؤساء الجماعات المحلية أفقد هده الأخيرة النجاعة المطلوبة في التدخل لفرض النظام و تطبيق القانون لغياب التنسيق بين مختلف المصالح المتداخلة في مجال التهيئة الترابية و التعمير خاصة و أن لكل هيكله الإداري الراجع له بالنظر” و يضيف الموفق الإداري ” أن الأمر عدد 518 المؤرخ في 2 جوان 2012 حذف سلك مراقبي التراتيب و أدمج أعوانه بسلك الأمن و الشرطة مما أثر سلبا على العمل البلدي فأفقدت البلدية سلطة الضبط العدلي حتى أن رئيس البلدية لا يمكنه تحرير مخالفة عاينها بنفسه و نجم عن ذلك فراغ اتسم بعدم التحرك الفوري لإيقاف مخالفة عمرانية أو عدم التحرك الفوري لإيقافها عند حصولها” و يضيف التقرير ” و بالتالي و لئن ظل رئيس البلدية المسؤول الأول عن التراتيب البلدية فإنه أصبح مجردا من سلطته الميدانية و حتى إذا اتخذت البلدية قرارات هدم في إبانها فإن تلك القرارات لا تنفذ و تبقى حبر على ورق الأمر الذي يشجع على البناء الفوضوي و على تفشي الخلافات و النزاعات”

و يوصي تقرير الموفق الإداري بتنقيح الأمر عدد 518 المؤرخ في 2 جوان 2012 المذكور أنفا و جعل الشرطة البلدية تحت إشراف رئيس البلدية المختص ترابيا دون سواه بالنسبة للمناطق البلدية و الوالي المختص جهويا بالنسبة للمناطق التي ليس لها بلديات”

مشروع قانون الجماعات المحلية يقطع أذرع البلديات

أمام هذه المعضلة الإستراتيجية التي تعيشها البلديات و المتمثلة في غياب الذراع التنفيذية المتمثلة بالشرطة البلدية كنا نتوقع أن تكون هذه المعضلة في لب  المشروع الحكومي حول قانون الجماعات المحلية الذي سيبدأ نقاشه قريبا بالبرلمان و لكن يبدو أن وزير البيئة و الشؤون المحلية الذي اقترحت المشروع و الحكومة التي صادقت عليه لازالت في وضع النعامة التي تضع رأسها في الرمل. فحول الصلاحيات التنفيذية لرئيس البلدية نجد جملا مبهمة متفرقة و مبعثرة في الفصول. ففي الفصل 245 ” التخاطب مع ممثل السلطة المركزية المختصة ترابيا حول تنفيذ كل القرارات البلدية و اللجوء عند الاقتضاء للقوة العامة” و في الفصل 253 ” رئيس البلدية مكلف بالتراتيب البلدية و بتسيير الشرطة البيئية” و لا ينبس بكلمة حول سلطة رئيس البلدية على الشرطة البلدية..و يضيف الفصل 253 ” يتولى الوالي الإذن بتنفيذ القرارات المتخذة في نطاق التراتيب البلدية و يحيط علما رئيس البلدية كتابيا بمال القرارات المتخذة” أي أن رئيس البلدية يتخذ القرارات و الوالي هو المكلف بتنفيذها. و يضيف الفصل ” لرئيس البلدية الطعن في رفض السلطة المركزية تنفيذ القرارات البلدية أمام القضاء الإداري”

الشرطة البلدية تحت سلطة رئيس البلدية و إلا فالخراب سيعم المدن

إن كل التوصيات تؤكد على ضرورة  إعطاء البلدية جهازا تنفيذيا خاصا بها و تحت سلطتها جهاز  قوي بما فيه الكفاية لتطبيق قراراتها كما هو  الحال في فرنسا. و يكون ذلك إما بوضع الشرطة البلدية من جديد تحت سلطة البلديات أو بناء جهاز جديد من الشرطة البلدية تكون له نفس الصلاحيات و يتم تكوينه على قواعد صحيحة للسهر على تطبيق القانون…فإما هذا و إلا انتظروا الخراب في مدننا

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.