عالم البيزنس

الخبير البنكي عبد الحميد الغزواني يتحدث : تونس تستطيع …بهذه الشروط

يعد عبد الحميد الغزواني من أبرز الإطارات البنكية التونسية العاملة خارج تونس، فبعد دراسته الجامعية في بريطانيا عاد الغزواني إلى  وطنه حيث عمل لسنوات في”سيتي بنك” ثم في بنك تونس العالمي

في منتصف التسعينات توجه نحو غينيا كوناكري للعمل في بنك عينيا الإسلامي 1995-1996 ثم رجع إلى تونس حيث عمل في الاتحاد  البنكي العربي الفرنسي

سنة 2000 إلتحق بالبنك العربي المتحد بالإمارات العربية المتحدة  ليشغل خطة نائب الرئيس التنفيذي طيلة 14 سنة ثم مستشارا لبنك المشرق مديراعاما للمشاريع

إلتقينا عبد الحميد الغزواني في مكتبه في هذا الحوار…

 

  • كثر الحديث بعد الثورة عن تغيير منوال التنمية دون ان نرى تغييرا في السياسات الاقتصادية، فلماذا هذا التباين بين الخطاب والفعل؟

هذا وجه من وجوه مشاكلنا فلا يكفي ان تقول لا بد من تغيير منوال التنمية حتى يتغير، الكلام لا يغير الواقع، الاهم من تغيير منوال التنمية هو التخطيط والبرمجة المسبقة ، وفي إعتقادي مشكل تونس ليس في منوال التنمية بل في الحوكمة وديمقراطية توزيع الثروة لتحقيق العدالة الإجتماعية

حين سقط نظام بن علي كان  إحتياطي تونس من العملة الصعبة يكفي لستة أشهر وهو ما لا نجده في دول أخرى ، مع الأسف صرفنا هذا الاحتياطيات في التوريد العشوائي وترضية المحتجين وإسكات الغاضبين ومكافأة الأنصار

وها اننا جميعا نعاين نتائج هذه السياسات الخاطئة

*لماذا تدهور الإقتصاد التونسي بعد الثورة فيما كان التونسيون ينتظرون الرخاء والرفاهية؟

الرفاهية لا تمنحها السماء بل نحن من يصنع الرخاء او يتسبب في الشقاء،، والحقيقة ان التكالب على السلطة والعبث بمصالح تونس  سبب ما الت إليه الاوضاع ، إحتجاجات بمناسبة وخاصة دونها تعطيل للعمل قطع للطرقات وحرق للمنشات ….كل هذه المعطيات هي التي جعلتنا نعيش الوضع الذي نحن فيه ، ورغم كل المجهودات لم نسترجع نسق الإنتاج في فسفاط قفصة  على سبيل المثال لان الهدم سهل ولكن البناء وإعادة البناء  اصعب

في قطاع السياحة  غادر كثير من المستثمرين الاجانب خاصة مع تراجع الاستقرار  مع تتالي الضربات الإرهابية و توتر المناخ الاجتماعي ، فضلا عن عدة عوامل اجملها في تراجع دور البنوك وضعف مردوديتها ، عزوف رجال الاعمال التونسيين عن توظيف اموالهم في تونس بسبب سياسة التشفي منهم فبن علي هرب وصاروا هم مستهدفين وكانهم  يدفعون ثمن اخطاء نظام بن علي بالوكالة ، علينا ان نطوي هذا الملف بعيدا عن الشحن العاطفي، شنوة نحبو بالضبط من رجال الاعمال؟ نحبوهم يستثمروا؟ إذن لنطو الصفحة ونفسخو الأردوازا ونفتح صفحة جديدة ، وإلي يغلط يخلص هذه المرة من غير كريدي .

تغول الاقتصاد الموازي  الذي اصبح يشكل دولة موازية  تستعمل السلاح لحماية مصالحها بالاستعانة بميليشيات اجنبية ، إثقال كاهل الدولة بالاف الوظائف الوهمية  بخلق شركات الغراسة والبيئة التي لا تغرس شيئا ، إهمال الفلاحة التي تشكل الركن الرئيسي لإقتصاد تونس  وارتفاع التوريد العشوائي لمنتوجات كان يفترض ان نحقق فيها الاكتفاء الذاتي

  • امام هذه الصورة القاتمة كيف ترى الحلول؟

الحلول ليست عجائبية، علينا ان نشخص الامراض ونبسط العلاج على الطاولة، بعيدا عن التجاذبات السياسية والنقابية ، حين تغرق المركب لا قدر الله سنجد انفسنا جميعا نواجه المخاطر لذلك علينا ان نواجه الواقع بموضوعية  ، موش كل طرف يجبد ليه، يلزم نجبدو لمصلحة تونس وهذا معنى تقاسم التضحيات

هناك إجراءات ضرورية ومستعجلة، النهوض بالقطاع الفلاحي وتشجيع الانتاج المحلي، بناء معامل لتحويل الانتاج حسب الجهات، توزيع اراضي الدولة على المهنيين والمستثمرين  بدل تركها مهملة ،توسيع دائرة المستثمرين في كل القطاعات بعيدا عن الإحتكار في الحليب والمنتوجات التحويلية والدقلة والقوارص وغيرها ، تخفيض الضرائب والتحكم في مسالك التوزيع ، التشدد في احترام المواصفات والمعايير الدولية لنضمن لمنتوجاتنا قابلية التصدير ، بعث مناطق التبادل التجاري الحر للتصدير وإعادة التصدير في شمال البلاد وجنوبها ، تمكين اصحاب المداخيل بالعملة الصعبة من فتح حسابات بنكية بالعملة الصعبة  والسماح لهم باستعمال اموالهم ضمن إطار قانوني شفاف  لتسهيل المعاملات البنكية ، تشجيع الاستثمار في القطاع البنكي للاجانب واستقطاب البنوك العالمية بما يساعد بنوكنا على تطوير المعاملات الخارجية ،  تعزيز رقابة البنك المركزي على السوق المالية، رسكلة الإدارة  وتوحيد الاجراءات لتشجيع الاستثمار وفتح شبابيك موحدة تسهل الإجراءات للمستثمرين ودفع التجارة الالكترونية ، إعادة النظر في القوانين الجبائية بتصنيف كل المهن والصناعات وإلزام المشتغلين بها بدفع ما يتوجب عليهم ، النهوض بالقطاع السياحي بتشجيع الشركات العالمية على الاستثمار في تونس  وتطوير المنتوج السياحي بما يتوفر في بلادنا من سياحة صحراوية وجبلية وتطوير سياحة المؤتمرات والملاهي

تشجيع إحداث الفضاءات التجارية الكبرى(المولات) وتنويع المهرجانات الفنية لجلب السياح من كل انحاء العالم …

*ولكن هذه الاجراءات تتطلب وقتا؟

نعم ولكن لا بد ان نبدا وان نشرع في الاصلاح بدل التغني برفع شعارات الاصلاح، المناطق الحرة ضرورية في القيروان وبنقردان وطبرقة وغيرها لتحاصر بارونات التهريب والتحكم في السوق الموازية ، لا يكفي ان تعين مديرا عاما للبنك وتقول قمت بالاصلاح، لا بد من تقييم البنوك العمومية و التعرف على محفظة كل بنك هل هي مريضة او سليمة ، الترفيع في راس مالها ، واعتماد الحوكمة في التسيير

*هل يمر إنقاذ البنوك عبر خوصصتها؟

لا افهم علاش خايفين من القطاع الخاص؟ ماذا خسرت تونس بتخصيص بنك الجنوب مثلا؟ إذا تحب إقتصادك ينمو يلزمك تحل الباب للمساهمين الاجانب والتوانسة في البنوك العمومية، موش معقول الدولة تصب فلوس كل عام  هي فلوسك وفلوسي،ثم تعيد الكرة لاحقا

في البنوك الخاصة لا يمكن للمسؤول ان يرفع سماعة الهاتف ويقول فلان متاعنا أعطيه قرض ، وقت يتدخل سياسي لحريف ما توقفو عند حدو ، مع الاسف برشة قروض ماتت لانها تعطات بالتوصيات والتعليمات دون توفر الضمانات وهذا لا يحدث الا في البنوك العمومية ، فلماذا نحمي هذه الممارسات ؟

صحة البنوك شرط ضروري لدفع التنمية ، لا يعقل أن تكون بنوكنا متأخرة عن التكنولوحيات الحديثة في خدماتها ، هناك معايير دولية علينا التقيد بها ماناش وحدنا في العالم

كيف نقبل ان مليون تونسي او اكثر خارج تونس لا يجدون بنكا تونسيا لادخار اموالهم بالعملة الصعبة  هل هذا طبيعي ؟

*تقيم منذ اكثر من 15 سنة في الإمارات العربية المتحدة فلماذا لا يستثمر الخليجيون في تونس؟

هناك عدة اسباب ولكن لنتحدث في ما يتعلق بنا، نقص الشفافية  عائق اساسي، قوانينا –كلام كثير يمكن قوله هنا – في وادي وممارساتنا في وادي اخر

الإستثمار فرص وحين تضيع فرصة لا يبقى سوى التحسر عليها ونحن متخصصون في إضاعة الفرص

سالت صحافية الوليد بن طلال عن سر نجاحه، قال لها حسن استغلال الفرص واخذ شيكا كتب فيه مليون دولار لحامله ووضع الشيك امام الصحافية ، لم ترد الفعل، عند نهاية جوابه اخذ الشيك ومزقه قائلا : هذا مثال للفرص المهدورة

لا يقبل اي مستثمر اليوم ان تتسلى به الادارة، مشكلتنا ان الإداري لا يعرف صلاحياته والحريف لا يعرف بالضبط حجم صلاحيات الموظف الذي يتعامل معه،  الكل يدور في ضبابية

من اجل ذلك ضروري ضبط القوانين الداخلية لكل إدارة ، واتباع وسائل مبتكرة في التعامل مع المستثمرين الاجانب، موش شرط يجيك، انت تمشيلو وتحضرلو الملف وتهزهولو جاهز

*كيف تفسر وضع تونس ضمن قائمة الجنات الضريبية من طرف الإتحاد الأوروبي؟

لنتفق ، النظام الجبائي في تونس غير فعال وغير عادل،ما نجمش نتعامل معاك مادامك موش واضح، هكذا يفكر الاوروبيون ، نعطيك قرض يلزم نعرف انك قادر ترجعو، المشكل ان النظام الجبائي عندنا تنقصه المراقبة

*كيف تختم الحوار؟

علينا أن نبدأ بأنفسنا، نصلح من حالنا قبل البحث عن الأخرين ماذا سيقدون لنا، نحن قادرون على تحقيق الافضل ولكن بعيدا عن المشاحنات السياسية والمعارك الحزبية والنقابية

تونس تستحق الأفضل منا ….

* مل التونسيون من الوعود، وينتظرون تغييرا لحياتهم وتحسن الوضع الإقتصادي بالدرجة الأولى؟

معهم حق وأنا أتفهم هذا الشعور، بصراحة لا تقدم الطبقة السياسية رؤية واضحة ماذا نريد وفي أي آجال ستتحقق الوعود،انا وكثيرون مثلي خارج البلاد مستعدون لتقديم النصيحة والمساعدة مجانا ودون أي مصلحة شخصية حتى تتحرك الأمور، الأسواق الخارجية كثيرة والفرص متاحة ولكننا نتفرج عليها وهي تضيع، نحتاج إلى خطة عمل لإقتحام أسواق جديدة، وهذا يقتضي تطوير منظومة النقل الجوي والبحري وإستغلال موقعنا الجغرافي بربط شراكات مع عدة دول وشركات عالمية وفق قاعدة المصلحة المشتركة حد ما يعطيك بلاش ولا نحتاج البوبلاش نريد علاقات تتبادل فيها المنافع donnant donnant

لدينا عدة أوراق رابحة، فاش نستناو؟ صناعة الأادوية هذا مجال برعنا فيه لماذا لا نعمل على تطويره وكسب اسواق جديدة، السياحة الإستشفائية ، جراحة التجميل …لا توجد خطة لتسويق هذه المنتوجات وترويجها …لا أرى شيئا هنا في دبي وفي غيرها من الوجهات

ومن المهم إستعادة ثقة المواطن، كل البرامج يجب ان تكون شفافة على مستوى التنفيذ، يمكن لأي تونسي ان يطلع على ميزانيتها وتقدم إنتاجها على الأنترنت …قد تبدو هذه المسألة جزئية ولكنها محددة لنجاح أي إصلاح …لازم المواطن يثق فيك

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.