اول الكلام

“إلهي أعنّي عليهم” بقلم نادر الحمامي *

 

“إلهي أعنّي عليهم”، كذا صدع ابن منطقة النوايل بسيدي بوزيد مهد “الحريّة والكرامة” و”17 ديسمبر” وكان قبل هذا التاريخ وبعده باحثا عن الحريّة والكرامة متغنّيا بالبلاد. ولكن يبدو أنّ بعض أهل مهد “الحريّة والكرامة” يرفضون “الحريّة والكرامة”، وها أنّ اسم محمّد الصغير أولاد أحمد المرفوع اسما للمدرسة الابتدائيّة بالنوايل يراد محوه، فما أكثر النكران والجحود.

لست وحدك يا أولاد أحمد ممّن أريدَ لهم المحو أو ممّن “عقروا ناقته وأباحوا دمه” حاضرا وغائبا، وحقّ لك أن “تعوذ بالله من شرّ الأهل”. لست وحيدا، يا شاعر البلاد “فليس وحيدا من يبذّر إنسانيّته على العابرين” (فتحي المسكيني، وصيّة الشعراء).

قلت يوما يا الصغير أولاد أحمد متسائلا: “ألا يمكن القول إنّي نبيّ؟” فانظر تر: أنت كذلك، فالأنبياء غرباء في أقوامهم، غرباء “كصالح في ثمود”، وقد عقروا ناقته. ولكن لا عليك، فلم يفلحوا.

كانت المعركة دائما معركة وجود في الذاكرة الجمعيّة والخلود. فليمّح الاسم والرسم والطلل، ولْتَدرس النصب ومعلّقات الرخام، فقد حطّموا نصب أبي العلاء في حلب على أيدي أعداء “الغفران” وبقي “سقط الزند” و”اللزوميّات” ولم ينل المعتدي سوى مصير ابن القارح وسخرّية الزمن والذاكرة. ستبقى الموصل رمزا للتاريخ رمز الحضارة الضاربة في الزمن الإخشيدي والإخميني تتحدّى ظلمات “الكفر بالأصنام” وتسمع في شوارعها ألحان إسحاق الموصلي ولا يعكّر شيء “ليل سكراها البريء”. وليدمّروا معابد تدمر وليقتلوا خالد أسعد حافظ آثارها ويعلّقوا جثّته على أعمدة المدينة، سينتصب حلاّجا آخر. لن يغيّروا من الذاكرة شيئا، ستبقى المعابد. نعم كسروا أسد “اللات” وهو عند الإخشيديين إله “مقت العنف” فهم أهل العنف وهو إلههم.

لا يختلف هؤلاء عن أولئك، كلّهم واحد، تحسبهم شتّى وهم جميعا، يتقاسمون العقائد نفسها، عقائد الكره والثأر والانتقام والبشاعة.

معركتك، يا أولاد أحمد، رابحة ولا أدلّ على ذلك من سعيهم إلى محو اسمك وقد رفع على مدرسة ابتدائيّة حتّى يكون ملهما للحريّة والكرامة والشعر والجمال.

ستُمزّق تذاكرهم استجابة لدعوتك، فدعوات الشعراء، كما الأنبياء، دائما مستجابة.

 

 

*نادر الحمامي، باحث تونسي يحمل شهادة الدكتوراه في اللغة والآداب العربيّة، كليّة الآداب والفنون والإنسانيّات بمنّوبة… صدر له عدة دراسات وكتب منها كتاب “الطبري وخصومه من أهل السنّة” كتاب “إسلام الفقهاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.