الرئيسيةتونس اليوم

واحد من حوارات محمد الصياح النادرة بعد 14جانفي 2011 محمد الصياح: أتحمل جانبا من المسؤولية ….

لم يكن محمد الصياح مجرد وزير زمن بورقيبة فقد كان الرجل من أقرب المقربين إلى الزعيم وهو مؤرخه الشخصي ،كما تولى إدارة الحزب الإشتراكي الدستوري لسنوات طويلة من1964 إلى 1969 ومن 1973 إلى 1980 ، وتحمل المسؤولية في عدة وزارات من بينها كتابة الدولة للأخبار ووزارة الأشغال العامة والشباب والرياضة والإسكان والتجهيز والتربية، وكان عضوا بمجلس النواب أكثر من خمسة عشر عاما وترأس بلدية صيادة لمطة بوحجر(بوحجر هي مسقط رأسه)…

ويبدو أن سي محمد تردد قبل الموافقة على إجراء هذا الحوار حتى علم بأني من الوردانين…والوردانين لمن لا يعرفها (وكثير من أبنائها باتوا لا يعرفونها اليوم لما بلغته حالها من سوء …)قرية ساحلية وهبت دماء أبنائها فداء لتونس وساند ثوراها بورقيبة الذي كان  طيلة حكمه ممتنا لهذه القرية الأصيلة…

استقبلنا الرجل في بيته الأنيق -دون ثراء فاحش- بالمنزه الرابع… وأطال النظر إلي وهو يقول “أذكر أننا التقينا…فأنا أعول على ذاكرتي البصرية أكثر من أي شيء”…وبالفعل كنت التقيت سي محمد قبل سنوات في موكب دفن الأستاذ محمد الهاشمي زين العابدين (والد الدكتور محمد زين العابدين) وكنت تقصدت التسليم على الصياح وعرفته بنفسي…

تحدث الرجل إلينا دون حرج سوى بعض العناء في تذكر التواريخ لأحداث طبعت تاريخ تونس…تفاصيل حوارنا مع مدير الحزب الحاكم زمن بورقيبة في ما يلي…

*حاوره: محمد بوغلاب

*سي محمد لفت نظري وجود تمثال نصفي لبورقيبة في مكتبك…هل مازلت بورقيبيا؟

ما سمعتش بي،ما تعرفنيش؟ تتصور نكون عكس هذا ؟

*سمعت بك وأزعم أني أعرفك ولكن الزمن يفعل فعله في كثير من الناس ؟

أنت تتحدث على نوع من الناس، أما في إعتقادي فأغلبية الشعب التونسي تؤمن ببورقيبة وخاصة من الجيل الذي تغذى بروح الوطنية …وأنا عشت الجانب الأوفر من حياتي في مجال الفعل بما يؤثر على الأحداث وأعتقد أن الجيل الذي تربى على بورقيبة لا يمكن أن يكون إلا بورقيبيا…

*قضيت أكثر من عشرين عاما في ظل تعتيم إعلامي شامل ألا تعتب اليوم على الإعلام التونسي؟

المليح يبطى

*ألم تكن تتألم لهذا التجاهل؟

“كنت نتألم”،ولكن كنت أطمئن نفسي حتى لا أنهار فالمسألة ليست شهرا أو سنة… كان حصارا طيلة عشرين عاما..كان علي أن أبرمج نفسيتي وردود فعلي وتفكيري على هذا الوضع الجديد بعد إنقلاب 7نوفمبر

*ألم تفكر في الهروب؟

لم يدر بخلدي هذا مطلقا وإن كان بعض الأصدقاء قالوا لي أرض الله واسعة فأجبته لا يوجد ما أوسع من هذه الأرض

*هل هذا هو بيتك منذ كنت وزيرا وساقاك في الركاب زمن بورقيبة؟

هاذي هي داري وهي العقار الوحيد الذي امتلكته طيلة حياتي، وبنيتها بفضل مساعدة بورقيبة و”بورقيبة عاون الناس إلي خدموا معاه، كان يقول نعرفكم قلالة…”(بمعنى فقراء)

*أنا من جيل نشأ على حب بورقيبة وآمن بكثير من رجاله ويهمني أن أسمع شهادتك..ماالذي حدث ليلة 7 نوفمبر1987؟

كانت الساعة الثانية فجرا تمت مداهمة بيتي وأنا نائم …كان الجماعة بلباس مدني باستثناء واحد فقط كان يرتدي لباسا “عسكريا” فقلت في نفسي على الأقل ليست عملية اختطاف…حين كنا في الطريق فهمت أننا في طريق المطار القديم(العوينة)… حين دخلت وجدت شخصا قد سبقني كان يتغطى برداء مما حال دون معرفته من النظرة الأولى وعرفت لاحقا أنه بورقيبة الابن …لم يكن مسموحا لنا بالحديث إلى بعضنا…أدركت وقتها أنه تم الإنقلاب على بورقيبة وكنت مؤمنا أن التاريخ لن يرحم من قام بهذه الفعلة طال الزمان أو قصر…

*هل تعرضت للإهانة؟

لا كان التعامل معي باحترام…طيلة المدة التي قضيناها في ثكنة العوينة أكثر من أسبوعين…ومن الأشياء التي يتصف بها التونسي هي عدم التشفي والبعد عن الدموية وهذه أشياء لا بد من التمسك بها اليوم أكثر من أي وقت مضى…

*كيف كان الحال بعد عودتك إلى بيتك؟

تم إعلامي بأنه يمنع علي الخروج من البيت وقبلت الأمر الواقع ففي النهاية لم يكن بن علي أجنبيا بل تونسيا …المهم البراني ما يدخلش بلادنا

*كيف كانت علاقتك ببن علي قبل7 نوفمبر1987؟

بلغني أنه عتب علي لأني لم أدعه يوما إلى بيتي …وأعترف لكم باني كنت أرى فيه شخصا منضبطا وخادما جيدا للدولة قلت هذا الكلام وبلغني أنه إستاء منه…

*هل كنت تتوقع أن يكون بن علي كما نرى اليوم تاجر عملة ومهرب مخدرات وفاسدا ماليا وسياسيا وأخلاقيا؟

لا أبدا كنت أراه في حجم المسؤوليات المنوطة بعهدته…لم يكن لي موقف سلبي منه ولم أكن أتوقع أن يغدر ببورقيبة وبالشعب التونسي

*في 7نوفمبر تمت شيطنة بورقيبة ووسيلة ورجال بورقيبة…ألا تخشى أن تكون هناك اليوم مبالغات أيضا بشأن نظام بن علي؟

(يضحك) أذكر وأن رهن الاعتقال أن إحدى الصحف روت أنه تم إلقاء القبض علي وأنا عار سكرانا…فضلت الصمت لأنه لا يليق برجل وطني أن يدخل في جدل من هذا المستوى الوضيع… أما ما يقال اليوم عن عهد بن علي فالزمن كفيل بكشف الحقائق وإن كنت لا أرتاح لميل بعض وسائل الإعلام لتنظيف وجهها على حساب الماضي الذي كانت جزءا أصيلا منه…

*لماذ سكت رجال بورقيبة زمن بن علي؟

سكتنا لأن نظام بن علي لم يكن يأخذ من كلامنا إن تكلمنا سوى شهادات الثناء على بن علي …كان الصمت أفضل خاصة وأنه لم يكن هناك مجال للحديث…قل لي مع من سنتحدث وأين ؟

*مثلما فعل الطاهر بلخوجة في كتابه بأن قال إن بن علي كان أحد أبطال أحداث ساقية سيدي يوسف؟

(يضحك)…رغم إختلافي مع الطاهر بلخوجة في عدة مواقف ولكن الطاهر أبعد الناس عن قول شهادة الزور هذه…وأعتقد أنه أجبر على قول ما قال

*ألم تفكر يوما في الإنقلاب على بورقيبة الذي طالت شيخوخته؟

أبدا …أبدا عكس ما يقال “ما نجمش نتصور واحد عرفني أني نتورط في مؤامرة … أخطر شيء هو التآمر”

*لماذا تآمر بن علي وهو واحد منكم على بورقيبة؟

لم يكن بن علي بمفرده وهناك كثيرون تواطؤوا معه ولم تكشف أسماؤهم بعد …كانت غلطة فادحة في حق تونس وفي حق بورقيبة

*هل زرت بورقيبة وهو قيد الإقامة الجبرية؟

لم يتسن لي ذلك إلى غاية سنة 1990  ثم سمح لي بذلك بعد التوجه بطلب إلى بن علي… كنت أزوره  على الأقل مرة في السنة

*ماذا كان يقول لك؟

في إحدى المناسبات ألح في طلبي كان يسأل يوميا عني، قال لحراسه “جيبولي الصياح إنه يكتب تاريخي وثمة حوايج نحب نراجعهم معاه “…حين إلتقيته وجدته كما ألفته مع تأثير الكبر بشكل عادي… كان يتحدث في المواضيع حسب الشخص الذي معه …وكان يدلي بدلوه في السياسة الدولية  

*هل كان يتحدث عن بن علي أو كان يخشى حراسه؟

لم يكن يخاف أحدا…كان يصفه بالحيوان

*هل كان يعتبر ما فعله بن علي خيانة؟

بورقيبة كان يمقت التآمر لأنه خطر على البلاد والعباد…

*هل التقيت بن علي رئيسا؟

كان ذلك مرة وحيدة منذ سنة أو سنتين في ذكرى وفاة بورقيبة بالمنستير …كنت أذهب لروضة بورقيبة لأقرأ الفاتحة ترحما على بورقيبة وكان الأمن يمنعني من الدخول…أنا شفت أحمد المستيري حين توفي بورقيبة ومنع ثلاث مرات من دخول المقبرة فهل يعقل هذا؟

في آخر مرة كان معي سي محمد بن نصر الوالي السابق للمنستير الذي دخل عنوة  وأنا وزوجتي برفقته…هناك من جاء لتحيتي وهناك من تفاداني…لم يفاجئني هذا وكنت أنتظره…حين شاهدني بن علي جاء مسلما بحرارة وسأل عن أحوالي…كانت المرة الوحيدة الني إلتقيته فيها طيلة ثلاث وعشرين سنة

*     هل تشعر بإعادة الاعتبار لك بعد ثورة 14 جانفي؟

شوف …في السنوات الأولى التي تلت 7نوفمبر 1987 منعت من مغادرة البيت ولم يكن مسموحا لأحد من خارج العائلة بزيارتي…وتدريجيا خفف الحصار مع بقاء سيارة تراقب البيت على مدار الساعة طيلة ثلاث عشر سنة…كنت اسأل نفسي هل أمثل خطرا على النظام وعلى الدولة؟ وهل أن نظام بن علي يدرك ما يفعله؟ تصور أني تلقيت دعوة للسفر في ذكرى المؤرخ شارل أندري جوليان الذي كان يعدني من بين تلاميذه…منعت من السفر في مطار تونس قرطاج ،سمحوا لسي الباهي الأدغم بالسفر ومنعت أنا ومن الغد تراجعوا عن قرار المنع وسمح لي بالسفر…

كنت حين أغادر البيت لايمر أحد يعرفني دون أن يقصدني ويسلم علي…”وين نمشي أنا؟ للبانكة نجبد الأربعة صوردي واني فرحان بيهم ونشري شوية لحم “….لقد عرفت التونسيين في أيام المحنة أكثر من أي وقت مضى  …فالتونسي أصيل بطبعه ويعترف بالجميل…هذا هو الدرس…

*  عدد من رجال بورقيبة كتبوا شهاداتهم ومذكراتهم إلا أنت على الرغم من كونك المؤرخ الرسمي لبورقيبة… فلماذا هذا الصمت؟

لي رؤيتي الخاصة…فليكتب من شاء الكتابة أما أنا فصدر لي 21 كتابا وأنا بصدد مراجعة كثير من النقاط التي أثير حولها جدل بمزيد التحري والتثبت…وحتى أطفأ ظمأك الصحفي أفيدك بأني سأصدر قريبا كتابا بعنوان”حوار مع محمد الصياح:مدير الحزب في عهد بورقيبة، الفاعل والشاهد”

*سي محمد قيل كلام كثير عن تزويرك لتاريخ الحركة الوطنية بتضخيم بورقيبة وتقزيم من جايله من الوطنيين وتروى بسخرية حادثة عثورك على”فردة صباط” بورقيبة في رحلته الشهيرة  على القدمين إلى مصر،فما الذي تقوله في هذا الشأن؟

يضحك…لقد رد على هذه التهمة رجل السياسة والإعلامي عمر صحابو وأنا أشكره على موقفه هذا…الله يرحمها وسيلة بورقيبة هي التي قالت هذا الكلام بإيعاز من بعض النفوس المريضة …الله يرحمها…

ما ثماش حاجة فوق المراجعة…أنا إهتممت بتأريخ الحركة الوطنية وتحملت السب والشتم و”التفزعيك” من الكثيرين واليوم بات الكل ومنهم من كان يشتمني يتسابق لكتابة شهادته عن بورقيبة …

إلي عندي قلتو …ما يؤلمني أن كتبي مسحت تماما من المكتبات العامة…ومن يطلبها يقال له”غير متوفر”؟؟؟ فهل يعقل هذا؟ وقد بلغني أن كتبا أخرى لمؤلفين غيري تم حرقها بمشاركة مسؤولين…وهذا مؤلم …

*سي محمد ألا تشعر بأن عدة أطراف باتت تزايد بإسم بورقيبة بمنع كل من ينقده والمطالبة بإعادة تماثيله وبعث أحزاب لذكراه؟

أنا أنظر بطريقة أخرى لما يحدث…لقد منع التونسيون من ذكر اسم بورقيبة طيلة عقدين من الزمان وما يحدث اليوم ردة فعل طبيعية ومفهومة…وما العيب من إعادة تماثيل بورقيبة؟ ألا يستحق ذلك؟ إن البلدان التي تقدر أبناءها تخلد إنجازاتهم ولا أرى أي ضرر في ذلك

*ألا ترى أن بورقيبة أخطأ بعدم ترك سدة الحكم قبل أن يحدث ما حدث؟

هذا موضوع يطول الحديث فيه…كلنا شعرنا بأننا كنا في أزمة …”الناس الكل تاكل في بعضها”

*سي محمد”الناس الكل” هي أنت وزملاؤك من الطبقة السياسية؟

أنا لا أبرئ نفسي وأتحمل قسطي من المسؤولية في الأزمة السياسية التي مرت بها بلادنا منذ مرض بورقيبة نهاية الستينات…. كان موضوع خلافة بورقيبة هو الموضوع الدائم في حواراتنا…لم يكن من اليسير الاتفاق على من سيخلف بورقيبة ..أتحمل مسؤوليتي وأعتبر نفسي من المذنبين

*هل فكر بورقيبة في اعتزال الحكم؟

لقد فكر في ذلك وسأكتب في هذا المجال…لقد كان بورقيبة حريصا على إفادة تونس بخلاصة تجربته..كان هدفه إرساء البورقيبية حتى تكون ضامنا لسلامة تونس وازدهارها…كان يريد الاطمئنان على مستقبل تونس…

*هل صحيح أن بورقيبة الابن نصح والده بترك الحكم؟

لايمكنني أن أؤكد ذلك رغم أن بورقيبة الابن كانت له غالبا إحترازات على عدة قرارات للزعيم بورقيبة …ما يمكنني أن أؤكده وأشهد عليه أن بورقيبة كان رافضا لإمكانية وراثة الحكم…على الرغم من تشجيع البعض لبورقيبة الإبن على هذا الطموح الشخصي…كان بورقيبة مؤمنا بتونس وأبنائها …كل أبنائها…

وللتاريخ أقول لكم لقد تباحثنا بشأن بعث مجلس إستشاري يساعد بورقيبة في الحكم…ولكن بورقيبة الإبن رفض هذا المقترح قبل عرضه على والده وتبريره في ذلك أن هذا المجلس سيمتلك شرعية من بورقيبة لن ينازعه فيها أحد لاحقا وهو ما قد يمثل خطرا على البلاد …

*هل عرض الأمر على بورقيبة؟

لا لم يعرض…

*هل كان بورقيبة يؤمن بالديمقراطية؟

بورقيبة هو باني الديمقراطية في تونس

*كيف ذلك وقد أبقى على نظام الحزب الواحد طيلة ربع قرن(لم يتم الاعتراف بالأحزاب السياسية سوى مطلع الثمانينات)؟

وما الجدوى في كثرة الأحزاب إن كانت مجرد ديكور؟ هل كانت لدينا ديمقراطية في عهد بن علي الطويل ؟ ألم تكن لنا أحزاب سياسية؟ماذا كان دورها باستثناء حضور الأعياد والمواكب الرسمية …ما الجدوى من أحزاب “ماعندهاش عباية متاع كار”كما قال سي الباجي…

*هل أنت على تواصل بالوزير الأول في الحكومة المؤقتة؟

طبعا…أحنا وخيان كيما كنا من زمان

*هل يرد على اتصالاتك الهاتفية؟

أنا لم أتصل به ولكنه كثيرا ما يسأل عني…وكنت في ضيافته منذ ثلاثة أيام …نحمدو ربي لقينا سي الباجي قايد السبسي

*أليس غريبا أن تلتجئ تونس الثورة إلى رجل في الثمانين لقيادتها؟

لا أرتاح إلى هذا المنطق…هل السن هي العامل الأهم وتونس تمر بهذا الظرف الدقيق؟المسألة ترتبط بالقيم والأساليب وبنظرة الناس إلى جيل بورقيبة…قولوا ما شئتم عنا ولكن جيلنا له هيبة بورقيبة وشرعيته…وتونس في حاجة اليوم إلى رجل تطمئن إلى نظافة يده وحكمته وسداد رؤيته…وخدمة تونس ليست مرتبطة بالسن…سي الباجي طلعنا للديوان السياسي مع بعضنا أيام المرحوم الطيب المهيري أوائل الستينات وإشتغلنا معا..

*سي الباجي من التيار الليبرالي في الحزب وأنت من الجناح المشدد؟

ما يعرفه سي الباجي أننا لم نكن أبدا في قطيعة …أما الشعارات فمسألة أخرى…الاختلاف داخل الحزب الإشتراكي الدستوري لم يكن نقمة بل يعكس أننا كنا نمارس ديمقراطية حقيقية داخل الحزب دون إقصاء…

*ماذا عن حادثة مؤتمر الحزب سنة 1979 وقلب بورقيبة قائمة الفائزين ليكون إسمك الأول بعد أن كنت الأخير؟

هذه الحادثة تؤكد أنه لو كانت لي ميليشيا لما حللت الأخير في انتخابات اللجنة المركزية …بورقيبة خاطب المؤتمرين قائلا”خدمتو خدمتكم بارك الله فيكم…براو إمشيو توة باش نخدم خدمتي…” إن هذه الأحداث تحتاج إلى دراسات علمية لتستفيد منها الأجيال الشابة

*كيف تفهم عودة العروشية اليوم سي محمد؟

لقد نبه بورقيبة أكثر من مرة إلى شيطان العروشية…والألم والبكاء لن يغيرا شيئا بل لا بد من مقاومة هذه الجراثيم…لا بد أن يتكاتف التونسيون لمحاربة هذه الظواهر التي تحركها أياد فاسدة …هذا دوركم أيها الصحافيون فتونس اليوم في حاجة إلى كل الأيادي الخيرة

* سي محمد كيف تمت إزاحتك من خلافة الهادي نويرة كوزير أول؟

حين تدهورت صحة سي الهادي كان بورقيبة في نفطة فأختصر إقامته وعاد إلى تونس،ومن المطار توجهنا إلى بيت سي الهادي”طلعت معاه في الكرهبة”… وقد بكى بورقيبة بكاء مرا حين شاهد سي الهادي وأرسله عشية اليوم نفسه إلى باريس للعلاج وظل يسأل عنه يوميا…وحين طال المدة سأل أطباءه عن تطور حالته الصحية…في تلك الأثناء تولى مزالي تنسيق أعمال الوزارة الأولى

بإيجاز شديد دعاني بورقيبة إلى القصر وكنت أمارس رياضة المشي مع سي محمد مزالي الذي تلقى بعد ذلك هاتفا من “للا وسيلة”(زوجة بورقيبة) تطلبه في نفس الموعد الذي حدده لي بورقيبة…

حللنا بالقصر معا وإستقبلتني “للا وسيلة”قائلة” إنت عندك مشاكل مع الطلبة والخدامة …إبعد” وبعد أن إستقبلنا بورقيبة …دخلت”للا وسيلة” المكتب وكررت نفس الخطاب فقلت لبورقيبة”أنا مستعد للتعاون مع سي محمد مزالي كما فعلت معك بإخلاص إن رغب هو في ذلك…فأثنى بورقيبة على موقفي وعين مزالي وزيرا أول

*لماذا كانت وسيلة بورقيبة رافضة لتعيينك وزيرا أول؟

لا يمكنني الجزم بسبب واضح ولكن القصور لها كواليسها كما تقول كتب التاريخ وقصر قرطاج ليس استثناء

*هل مازلت حاقدا على وسيلة؟

معاذ الله…أبدا…الله يرحمها

*ما رأيك في دعوات عدة أطراف لإقصاء التجمعيين من المشهد السياسي؟

أقول لهؤلاء إن “الدساترة”توانسة ولم يأتوا من الخارج ومن العيب أن تقصوا أشقاء لكم من خدمة البلاد إلا من أساء لتونس

* يقال إنك أول من بعث جهاز”الفيجل”vigile الذي سبق الأمن الجامعي؟

من السهل إلقاء التهم يمينا ويسارا ولكن تذكر معي أن اليساريين استولوا على الجامعة التونسية في السبعينات…ولم يكن في الجامعة أي حضور امني …بلغ الأمر حد احتلال مكتب الأستاذ محمد اليعلاوي الذي كان عميدا لكلية 9 أفريل…تباحثنا الموضوع في الديوان السياسي واستقر الرأي على بعث جهاز يحفظ أمن الجامعة ولكني رفضت مقترح إدراجه في الحزب كذلك كان موقف وزير الداخلية كما وزير الدفاع…فصدر مرسوم ببعث هذا الجهاز على أن يقوم الولاة بانتداب الأعوان ويتولى الحرس الوطني تكوينهم وهذا ما حدث…ف”الفيجل”لم يكن جهازا تابعا للحزب …وأعيد ما سبق أنقلته بخصوص إتهامي ببعث ميليشيات فهذا الاتهام صدر من الوزير الأسبق محمد المصمودي على أعمدة جريدة لبنانية وقد فتح تحقيق قضائي في الغرض بأمر من بورقيبة وتأكد عدم وجود أي ميليشيا حزبية …

*هل تتوقع أن تمسك حركة النهضة بزمام الحكم في تونس؟

لا أتمنى ذلك لأن التجارب بينت أن الحركات الدينية تحمل خطابا مزدوجا فهي تموت حبا في الديمقراطية لتصعد إلى سدة الحكم ثم تغير رأيها… ويكفي أن تنظر إلى ما حدث في الجزائر والسودان وإيران…كما لا أتوقع أن يسلم التونسيون مصيرهم لحركة دينية…فالتونسيون مؤمنون ولا ينتظرون فتاوى هذا الشيخ أو غيره

*هل أنت متفائل بمستقبل تونس؟

لا يمكنني أن أكون إلا متفائلا وأقول للشباب”بلاش وطن ما تنجموش تعيشو” ولا يعقل أن يصبح الصراع اليوم حول تعدد الزوجات واللائكية وشرب الخمر…وعلى الطبقة السياسية أن تتحمل مسؤولياتها…موش هذا إلي تستناه تونس منكم

*ماذا عن محمد الصياح الإنسان؟

لي ولد هو زياد وهو مهندس متخرج في مدرسة البوليتكنيك بكندا وأنا فخور به وبحفيدي الحبيب الذي يدرس القانون بباريس،كما لي إبنتان إشبيلية(على إسم شقيقتي المتوفاة) وشيراز…وهذه زوجتي…إمرأة مناضلة وهي رفيقة عمري…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.