اول الكلام

سيمياء سياسيّة كيف تضعُ الدولة داخل “الشبه منحرف” في 5 حركات، بقلم نصر الدين اللواتي

 

من بين بعض ما تبقى لي من سنوات مصارعة الرموز والمعادلات الغامضة في دروس الرياضيات والهندسة، لغزُ تسمية ذلك الشكل الهندسي ب “شبه المنحرف”، ومن كل الدروس المتشعبة لم يشغلني سوى مصدر التسمية المُوحية بالكثير، بل عبثًا كنت أبحث عن الشكل الأصليّ “المنحرف”، الذي يُنسبُ له هذا الشِّبه..

حركة 1
عندما يباهي مسؤول حكومي اليوم بعدم تركيع الدولة، تعود لي تلك الحيرة عن الشكل ومنطقه.
فهل الدولة غير الراكعة هي ذاتها التي يواصلُ وزير داخلية سابق فيها الفرار من العدالة ويتسلى بتجاهل قاضي تحقيق فيها ؟ طيب، من المنحرف هنا ومن شبهُ المنحرف؟

حركة 2
هل تلك الدولة العصيّة عن التركيع هي نفسها التي تفصَّل وتخاطُ فيها حيلُ وتخريجات التهرب الضريبي من قبل أحزاب تحولت لمراكز نفوذ ومصالح وقوى مالية؟ تنطّ من مقعد لآخر فتُشرّع هنا وتبتزّ هناك؟
عموماً لا غرابة في ذلك فالذاكرة القصيرة تُفضلُ تناسي أن نواب هذا البرلمان ترشحوا وفقاً لتشريعٍ أعفاهم فيه المجلس التأسيسي من شرط التصريح الجبائي قبل خوض الانتخابات.

حركة 3
في اليوم الذي تأرجحت فيه تونس بين القائمات السوداء جراء تلعثم اجراءاتها المالية وغموض شفافيتها في مناخٍ من الحذر الدوليّ، وبدل المكاشفة وشرح الاستراتيجيات بدأت نفس تلك الدراما المكررة، تقافز مسؤولون بين التبرير والإنكار والترويج للمؤامرة، في حين اعتبرتها أحزابٌ وقوى سياسية فرصة للانقضاض على الخصم الحزبي و وصمه بالعجز والفشل، لكن تلك الأحزاب كانت كعادة الفيل في محل الخزف، ترغي وتحطم حولها كل شيئ بما في ذلك أضلاع تلك الدولة .

حركة 4
عندما تشتغلُ ماكينات حزبيّة لاختطاف حق الناخبين في الاختيار – حقهم الأصيل الذي به تصبح الديمقراطية التمثيلية واقعًا- وتُحولُ المنافسات في الانتخابات البلدية لمجرّد واجهةٍ للمحاصصات والحسابات، في حين تختطفُ ماكيناتٌ أخرى غضب الغاضبين وحرمانهم فتستخدمه في تبادل الشتائم واللطمات مع الخصوم السياسيين وتجيّش وراءها الناس، فهل سيتأثر شكلُ الدولة قليلاً؟ طيب هل يمكن أن تجعله بضعة آلاف من عقود البستنة أقلّ انحرافًا؟

حركة 5
يتحدث الناس في تونس منذ سبع سنوات عن الدولة معتقدين ان من حقهم الآن مناقشة الأشكال والانحرافات، فيما يتحدث آخرون مساهمين بضجيج الميديا الاجتماعية وركاكة النقاشات الحزبية وأمام البورنوغرافيا السياسية في الحديث عن الدولة بأكثر الأساليب نقيضاً للدولة، المنطق القبليّ وخطاب الشيطنة والتحشيد والتقسيم وقاموس المعارك وتحليل مباريات مرة القدم، فإذا بِنَا نحظى بصورة دولةٍ تأخذُ شكلا غريبًا في المخيال الشعبي شكلاً رخوًا رغائبياّ، شكلاً هندسيّا غامضًا منحرفاً، يشبهُ وعيَ من يصفونه، ويمكن بقليل من الصبر إدخاله في وسط شبه المنحرف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.