اول الكلام

“بشرى بالحاج حميدة.. إذهبي أنت وتقريرك فقاتلا” عن الصمت التقدمي في تونس وفضيلته الوحيدة ..

بقلم الصحفي التونسي نصرالدين اللواتي/الدوحة

ليس مفاجئًا الصمتُ أو التعثر أو “التلعثم” في قطاعات “تقدمية” واسعةٍ في تونس تجاه تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، وذلك مع التحشيد في أوساط التيار المقابل بساحاته الحزبية والمسجدية والجمعياتية والفيسبوكية.
و ما عدا أصوات وتحرّكات ومواقف محترمة وصادقةٍ فأعتقد أن هناك جانباً إيجابيا على الأقل من هذا التعثر أو الشعور بالخيبة.
ربما سنفهم من وراء معركة هذا التقرير ولمرّة واحدة معنى وملامح هذا الكيان التقدمي في تونس اليوم بعدَ أن سجنّاه وسجنَنا في ميراث يختلط فيه التاريخ بالشعر.

ربما سندركُ ديناميكية أو ملامح هذا التيار العائم بين ألوان اليسار وطبقات الليبرالية، وسنفصلُ مرةً واحدة بين المبدئية والأيديولوجيا والحزب. بين الرغائبية والحسابات وبين العقل والفعل التاريخي .

منذ سنوات وخلف سرديات مختلفة طلابية ونقابية ومدنيّة كان قسمٌ من هذا التيار بمثقفيه وحقوقييه وسياسييه ونقابييه يقطع المسافات بسهولة بين هذه الألوان والطبقات ويخترع كلّ مرة لنفسه أبواباً دوّارة تسمح له أن يكون هنا وهناك يشهر عناوين ويطمس أخرى يرفع شعارات ويدحرج أخرى يعلن معارك ويؤجل أخرى حسب الظرف أو الحسابات الحزبية أو التموقع و حتى حسب منسوب الحرج واللاشعبوية في تلك القضايا.

منتسبو الكيان التقدمي ممن اكتفوا بالانزعاج من الحملات المسمومة المجرمة ضدّ بشرى بلحاج حميدة وكامل فريق إعداد التقرير ولكنهم صمتوا على فبركة وتحريف محتوى التقرير.. و من ميعوا فرصة نشر هذا المحتوى ومناقشته بتلك الحكمة الغريبة “موش وقتُه”، ومن فضلوا انتظار نشرة الرياح الحزبية والانتخابية، أولئك من قالوا “إذهب أنت وَرَبُك فقاتلا”، وأعطوا أوكسيجيناً لماكينات تشتغل بلا هوادة لابتلاع التقرير وابتلاع اللحظة وابتلاعهم.

.تعيشُ التيارات والأفكار وتموت وتُشيعُ، وحتى الثورات تستحق الغفران، ولكن لا شيئ يعيدُ للحظةٍ أو فكرةٍ تاريخيتها إذا ما ضُيّعت.

لنتأمل جيدا الصمت التقدميّ، لنتأمل كيف يسكت الساكتون، وكيف يتلعثمون، فربّما لذلك على الأقل فضيلةٌ وحيدة: سنفصل أخيرًا بين التاريخ والشعر، وبين الفكرة و صورتها الجميلة، وسنعرف أخيرًا كيف تشتغل تلك الديناميكية التقدمية حتى نعرف متى وكيف نقيم الحداد، ونرسمَ مستقبلا حجم الانتظارات والخيبات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.