الرئيسيةاول الكلام

من “الكرم” بدينا نقذّفوا،بقلم نادر الحمامي

 

كنت أتوقّع تماما استغلال من جادت عليه صناديق الاقتراع في البلديات بالأصوات مناصبهم في المجالس البلديّة وخاصّة رئاستها خدمة إمّا لمصالح ضيّقة أو لأغراض سياسويّة لا علاقة لها بالمهام الموكلة نظريّا ودستوريّا للسلط المحلّيّة، ولكن ما لم أتوقّعه هو سرعة هذا الاستغلال خدمة لمنهج في التفكير والتصرّف عهدناه من بعضهم منذ 2011 ثمّ فتر بعض الشيء ليعود اليوم في شكل ما سمّاه صاحب الشأن، رئيس بلديّة الكرم الجديد “إملاءات”، متجاوزا الخطب الوعظيّة الأخلاقوية الرتيبة التي سمعناه يردّدها في المنابر الإعلاميّة، ومتجاوزا رفع القضايا على هذا وذاك وهو محطّم كلّ الأرقام القياسيّة في هذا الأمر. نعم هذا ما قاله المحامي فتحي العيوني: “إملاءات” وجّهها إلى عدول الإشهاد وإلى مصالح الحالة المدنيّة الراجعة إليه بالنظر، مضمونها: “الامتناع عن إبرام أيّ عقد زواج بين تونسيّة وأجنبيّ غير مسلم إذا لم يثبت إسلامه”، كذا قال، وأضاف أنّ حضرته قد أمر أعوان الحالة المدنيّة بعدم تسجيل أيّ مولود إذا أسند إليه أبواه اللّذان أتيا به إلى هذه الدنيا اسما “غير عربيّ”. والحقّ أقول لكم لا أرغب في نقاش طويل لا أرى له موجبا لأنّه “ينقّص من الأعمار”، وأقصر كلامي على ماهو بسيط دون دخول في مسألة الحريّات ومسألة الفرد إلخ ممّا يستعصي على الأذهان المتحجّرة والمتهافتة. ولكن أقول فقط لمن ترك كلّ مشاكل المواطنين في الدائرة البلدية التي تعود إليه بالنظر وانبرى يدافع عن “الهويّة العربيّة الإسلاميّة” و”أحكام الشريعة” و”الأخلاق الحميدة” وهو ما يخرج تماما عن اختصاصه في منصبه الحالي، أقول له: ليس هناك قانون في تونس يمنع زواج التونسيّة بأجنبيّ، وأنّ الزواج في الجمهوريّة التونسيّة لا يشترط فيه النظر في الدين، وأنّ منشور سنة 1973 قد أصبح من الماضي منذ ما يناهز السنة، فهل رئيس البلديّة/ المحامي يعيش في دولة تحكمها القوانين أم أنّه يعيش في مقاطعة خارج البلاد التونسيّة ذات القوانين الموحّدة؟؟ من سيؤدّي بنا إلى التفرقة والتنازع وكسر الوحدة الوطنيّة وهو ما اعتمدته للدعوة إلى المطالبة بعزل رئيس الجمهوريّة؟ أليس مثل هذا التصرّف الذي يخرق وحدة القوانين في هذه البلاد؟ أليس هذا فتحا لباب تصرّف كلّ رئيس بلديّة وفق هواه وميوله ضاربا عرض الحائط قوانين البلاد؟ أمّا بالنسبة إلى الأسماء والمسميّات فليكن في علم السيّد رئيس البلديّة أنّ أغلب أسمائنا لا علاقة لها بالعربيّة وإذا كان يعتبر أسماء من قبيل إبراهيم ويونس وأيّوب ويوسف وزليخة وشاذليّة وشيراز إلخ إلخ أسماء عربيّة فعليه بمراجعة نفسه.

إنّ أخطر ما في كلّ هذا هو أن تصبح رئاسة البلديّات ومحاولة تركيز السلط المحليّة تنفيذا لما ورد في الباب السابع من الدستور مدخلا للتدخّل في حياة الناس واختياراتهم، وبابا لخرق القانون وتفكيك السلطة المركزيّة، ولكن يبدو فعلا أنّ مركزيّة الدولة اليوم بمثل هذه التصرّفات في خطر، فالواضح أنّ البعض فهم اللامركزيّة تمرّدا على الدولة ووحدتها وقوانينها، وإذا لم يوضع حدّ لمثل هذه التصرّفات فيمكن القول حينها أنّنا “من الكرم بدينا نقذّفوا” لتهديم الدولة التونسيّة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.