الرئيسيةتونس اليوم

الدكتور أحمد المناعي: المنصف المرزوقي كما عرفته

صدرت هذه الشهادة بأخبار الجمهورية في نوفمبر 2014 ونعيد نشرها بموافقة صاحبها الدكتور أحمد المناعي أحد أبرز معارضي نظام بن علي، مؤلف كتاب”الحديقة السرية لبن علي” الصادر عام 1995

في شهر أكتوبر من سنة 1981، زارني في بيتي في الوردانين الصديق د. عبد الحميد هاشم الذي عين وقتها رئيس قسم جراحة العظام بكلية الطب بالمنستير. كنت وقتها منشغلا بسجناء « حركة الاتجاه الإسلامي » وناشطا في الدفاع عنهم مع كل من د. حمادي فرحات وعلي الأرناؤوط والطيب قاسم رحمهم الله. سألت عبد الحميد إن كان يعرف من بين زملائه شخصا يساعدنا فيما كنا فيه من مشاغل فنصحني بالدكتور المنصف المرزوقي ونصحني بالاتصال به من طرفه وكان الأمر كذلك والتقيت به على شاطئ بوجعفر سوسة. جلسنا لأكثر من ساعة أشرح له قضية الموقوفين ومشاكل عائلاتهم والرجل غارق في تأملاته، متوجها إلى البحر لا يكاد يشعر بوجودي، ثم فجأة وما إن ذكرت له أني مسافر إلى المغرب حيث كنت أعمل مع البنك الدولي التفت الي وذكر لي أن والده يعيش في المغرب وطلب مني إن كنت مستعدا لأزوره في مراكش وأنقل له رسالة. و كان الأمر كذلك. على مدى عقد الثمانينات لم نلتق مع بعضنا كثيرا. كان ذلك مرتين أو ثلاث على الأقصى، لم تترك لي انطباعا طيبا، فالرجل متعال فظ الطبع لا يعرف وجهه الابتسامة. وفي أفريل من سنة 1991، وقع إيقافي في وزارة الداخلية و بقيت عائلتي لأيام تجهل مصيري. فاتصلت به زوجتي مليكة بصفته رئيس رابطة حقوق الإنسان وكصديق قديم، وطلبت منه فقط أن يستخبر ان كنت حيا أو ميتا.و كان رده أن المئات بل الآلاف هم في وضعي وأنه لا يستطيع عمل أي شيء. بعد خروجي من تونس أواخر شهر ماي، التقيت به في باريس يوم 15 جوان 1991 في ندوة انتظمت في اليونسكو وكان من المفروض أن يلقي فيها كلمة غير انه تراجع عن ذلك ورفض حتى أن يحدثني والتقينا بعد ذلك المرات العديدة ; في ندوة نظمتها CEDETIM .وأخرى نظمتها شخصيا له بعد إعلانه عن ترشحه للانتخابات الرئاسية لسنة 1994 وكانت فرصة أعلنت فيها عن تنازلي عن ترشحي لفائدته، فقد كنت أعلنت عن ذلك في شهر أوت 1993. وقع إيقافه بعد رجوعه مباشرة إلى تونس، وأعتقد أني أديت واجب المساندة له والتعريف بقضيته، أنا و المرحوم علي السعيدي والمنذر صفر، فقد أسسنا لجنة لمساندته و شهرنا بقمعه وقمع كل الأطراف الحرة وحركنا كثيرا بين المنضمات الحقوقية لأجل مساندته وكثيرا من الصحافيين لأجل التعريف بقضيته. كان المرحوم علي السعيدي بالخصوص يصدر بيانا كلما بلغه أن أحدا ضايق المرزوقي في السوق أو آخر غمزه … أو حتى ناموسة قرصته. على مدى عقد التسعينات كنت أهتف للمرزوقي مرة في الأسبوع على الأقل فقد كنت أعرف العزلة القاتلة التي يعيشها، وعندما يكون هاتفه معطلا اتصل بأخيه مخلص. في المقابل لم يحدث أن اتصل بي يوما وحتى عندما وقع الاعتداء علي في يوم 29 فيفري 1996 و14 مارس 1997، لم يتصل بي حتى للمواساة، وإنما ابلغني ذلك أحد أنصاره الذي أصبح مستشاره فيما بعد، وأبلغني أنه صعب عليه مهاتفتي. لم أآخذه على ذلك وواصلت مهاتفته و لقاءه كلما جاء إلى باريس وحضر حفل زواج ابني باديس سنة 1999، وواصلت تقديمه إلى كل معارفي من عرب وأجانب كمرشح المعارضة للانتخابات الرئاسية.
وفي نهاية سنة 2000 بعث لي بمخطوط كتاب وطلب مني أن أجد له ناشرا و سعيت إلى ذلك طيلة سنة دون جدوى. يوم 03 جانفي سنة 2001 اتصلت به هاتفيا لأطلعه على ما كان يحدث في تونس آنذاك خاصة من احتجاجات طلابية لم يكن يعرف عنها شيء، يومها قال لي شيئا غريبا قال إنه أسعد يوم في حياته فقد اتصل به أحد طلبته القدامى وعبر له عن مساندته في الإجراء التعسفي الذي اتخذته الحكومة ضده . أكثر من ربع قرن من التعليم في كلية الطب ومئات الأطباء الذين تخرجوا على يديه وواحد منهم فقط يعبر له عن تضامنه. كاتبته كثيرا لأجل نصحه خاصة ليتخلى عما كان ينادي به من تغيير للعلم الوطني وتحويل العاصمة من تونس إلى القيروان وغيرهما من الترهات التي أرسى عليها برنامجه السياسي.
وعندما جاء إلى باريس أواخر سنة 2001 كنت في انتظاره في المطار عل الرغم من أني كنت حديث عهد بعملية جراحية على القلب. إني أستحي أن أقول ما فعلت معه وبما خدمته لأنني أعتبر أن كل ذلك هو من أجل قضيتنا المشتركة.
بعد ثلاثة أشهر من قدومه إلى باريس طار المنصف المرزوقي إلى واشنطن لكنه رجع منها خائبا فالأمريكان مازالوا وقتها راضين عن بن علي وهم على أية حال لا يراهنون عليه.
ففي سنة 2003 انتظمت ندوة في إكس آن بروفنس وضمت مكونات كثيرة للمعارضة التونسية وكانت الندوة برعاية منظمة مسيحية على غرار ما حدث مع المعارضة الجزائرية في سنة 1995 في روما ولكن الراعي الخفي كانت المخابرات الفرنسية التي أخذت بيدها أمر إعادة هيكلة المعارضة التونسية وكانت تهدف أولا إلى إخراج حركة النهضة من عزلتها وإدماجها مع باقي الفصائل وثانيا تنصيب المرزوقي على رأسها. استمرت الندوة ثلاثة أيام من نقاشات وحوارات ومناورات انتهت بصياغة بيان ختامي غير أن بن جعفر رفض التوقيع عليه فقد كان هو الآخر يطمح إلى الرئاسة إضافة إلى أنه كان خائفا من ردة فعل النظام عند رجوعه.
في سنة 2008 و قع المرزوقي على رسالة إلى أوباما صاغها رضوان المصمودي لمطالبته بالتدخل في العالم العربي لإحلال الديمقراطية. كانت هذه المناشدة بداية التحضيرات لما سيسمى بالربيع العربي فيما بعد وهي أيضا السنة التي فتحت فيها قناة الجزيرة أبوابها لتوظيف الحابل والنابل من أتباع النهضة.
كنت آنذاك قد قطعت كل اتصال بالمرزوقي منذ سنة 2003 لتصرفاته الرعناء و سلاطة لسانه وأنانيته ونرجسيته المفرطة. ومن عشرات المواقف المستهجنة أذكر اثنين فقط . أولهما الأتي فبعد استقبالي له في المطار اتفقنا على لقاء أقدم له فيه صديقة جزائرية أستاذة اقتصاد في جامعة باريسية وناشطة في جبهة القوى الاشتراكية الجزائرية. وصل المرزوقي في الموعد وسلمت عليه ودعوته للجلوس إلا أنه ظل واقفا ووضع يديه على الطاولة وقال لي هيا لتأتي معي. فقلت له إلى أين ونحن على موعد مع السيدة – وكانت جالسة على طاولة محاذية – فقال لي لتأتي معي إلى حزب المؤتمر. فاستشطت غضبا وقلت له حتى لو جئت تراود بائعة هوى وجب أن تعاملها باحترام. وقفل راجعا وأنا أذكره بموعدنا مع السيدة. أما الحادثة الثانية فقد وقعت في ندوة انتظمت بداية سنة 2003 بضواحي باريس. فبعد فترة الأعمال الصباحية تحول الحاضرون إلى المطعم و كنت أحمل طبقي وابحث عن كرسي شاغر فرأيت واحدا مقابل المنصف المرزوقي فقصدته كارها فسلمت و جلست و بدأنا الحديث عن الأوضاع في تونس وفي لحظة ما وصل الحديث عن الأمن ، كان يزبد ويرعد عن البوليس السياسي والأمن فقلت له بكل لطف سي المنصف الامن ضروري في كل مجتمع وتحت أي نظام فقام من كرسيه غاضبا و أخذ طبقه وتحول إلى طاولة أخرى قائلا لي بغضب « أنت تحب الأمن اقعد فيها أنت وأمنك » . ولعل البعض يذكر كيف أنه في 1 جانفي 2012 قدم تهانيه كرئيس دولة إلى كل الأسلاك المدنية و العسكرية و استثنى منها الأمن وتدارك أمره في اليوم التالي بعد موجة الاحتجاجات. وبعد لقد حاولت على مدى سنوات استدراج المنصف المرزوقي للحوار الجدي حول البديل الذي يتصوره وتنبيهه إلى خطورة التفكير والسعي لإسقاط النظام وإحداث فراغ دستوري في غياب بديل جاهز وقادر على تحمل مسؤوليات الدولة ولكنه ظل وفيا لمزاجه المشاغب وطبعه الثورجي وهو دور أتقن لعبه.
تعودت ألا أحفظ عمن عرفته وحتى من أساؤوا إلي منهم إلا أفضل ما فيهم ولكنني عجزت أن أجد شيئا من ذلك عنده. فما وجدت عنده إلا الجحود والأنانية والصلف و سلاطة اللسان والكذب. ومن كذبه ما ألفه هو و أزلامه في شخصي و في شخص ابني في كتابه الأسود مدعيا أنها من أرشيف وكالة الإعلام الخارجي ومن شاء أن يطلع على المستوى الأخلاقي المنحط لما ذكره فيه فليرجع إلى الكتاب الأسود صفحة 303 و304
اهدي هذه الورقة إلى بعض رفاقه في حزبه من اللذين أصبحوا وزراء ومستشارين في دولته والذين كانوا يأتونني متذمرين من رئيسهم ومعاملته السيئة لهم ودكتاتوريته مما أدى إلى بقاء أربعة من المؤسسين فقط سنة2011 من جملة 31 عند تأسيس الحزب في سنة 2001.
___________

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.