الرئيسيةفي العالم

 الدكتور عبد الرزاق الحمامي يكتب لكم من النيبال

 

نشر الدكتور عبد الرزاق الحمامي سلسلة تدوينات عن مشاهداته في النيبال التي زارها بدعوة من أحد طلبته بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، والدكتور الحمامي أستاذ الحضارة في الجامعة التونسية قبل أن يشد الرحال ألى السعودية، وقد كان يكتب أسبوعيا في جريدة البيان في مجالات النقد الفني والثقافي طيلة سنوات باسم علي بلحاح

بإذن من الدكتور الحمامي ننشر شهادته عن النيبال

اشهر رياضة  في النيبال هي لعبة الكريكات ولديهم قناة تلفزيونية خاصة بهذه اللعبة تبث المباريات المباشرة والمسجلة على مدار الساعة كما يهتم بعضهم بكرة القدم والكرة الطائرة وكرة السلة والسباحة في الأودية ورياضة التجديف بالقوارب في الشلالات والتزلج على الجليد وتسلّق الجبال…ولا علم لهم بكرة اليد أصلا..
في نيبال ثلاثون مليون نسمة على مساحة 181,171 كم مربع فهي بلد محدود السكان مقارنة ببنغلاديش 180 مليون أو اندونيسيا290مليون نسمة وعلى ما عندهم من شواغل فإنهم يعشقون الموسيقى من التراتيل الدينية من نوع نمدح الأقطاب فهم يمدحون بوذا وأصحابه الى الموسيقى الكلاسيكية والشعبية وصولا الى الراب ولا تكاد موسيقاهم تختلف عن الموسيقى الهندية وكل الأغاني مصورة في كليبات ضخمة تعتمد كثافة عدد الراقصين والراقصات وتنوع الملابس والألوان والانتقال بسرعة من لوحة الى أخرى وحتى ان كنت لا تفهم الكلمات فإن مدار الكليب على الحب والصراع بين الحبيب وأهل الحبيبة لتكون النهاية سعيدة وبوس خوك رجع من الحج..
ولا توجد في النيبال  قطارات لعدم وجود سكة الحديد باستثناء منطقة منبسطة فيها سكة طولها خمسين كلومترا وتبقى السيادة للدراجات النارية وما اكثر دكاكين إصلاحها في كامل كاتمندو المدينة التي يمتد شعاعها من الجهات الأربع على طول خمسين كلومترا وتبرز السيارات الهندية واليابانية الصغيرة في الشوارع مع اعتماد خطوط الطيران الداخلية والطائرات التاكسي للشخص الواحد من السياح .وفي الأرياف مازالوا يركبون الكريطة او الشريط يقودها ثوران أبلقان أقرنان رأيت صورا تمثلها في كتيبات الدعاية السياحية.
ونعود في التفاتة الى الشارع من جديد فرغم الحرص على نظافة المحيط فإنهم لا يتورعون من البصاق على الأرض نساء ورجالا واطفالا كلما رابت البصقة في الحلق عافاكم الله وحاشاكم وحان القذف بها الى الخارج…
وللحفر في بعض الشوارع الخلفية شأن بارز فبعد يوم من الامطار المتواصلة نشأت برك صغيرة يحاذر السائق عند قرب العجلات منها ويكاد يتوقف حتى يتجاوزها المارة ولا يتسبب في ايذاءيهم برذاذ الماء وهذا سلوك حضاري محمود ما زلنا لم ندركه في ديارنا فالسائق لا يعنيه أمر الراجلين وقد يشوّه ملابس احدهم او إحداهن ونسمع موشحات في السباب تبدأ من لعن المكان الذي نزل عن طريقه من بطن أمه الى آخر حجرة في قبر والده ولكم تصور بقية المشهد..
ويشكو من قابلتهم من السياح العرب وهم قلّة إما من السعودية او من الإمارات من حالة الطرقات نحو المدن الداخلية خارج العاصمة فكلها ضيّقة ومتآكلة وكثيرة المنعرجات والحفر ولا تقاس المسافات بالكيلومتر وانما بعدد الساعات الطويلة لقطع مسافة قصيرة..
أما ردّ فعل سائحة غربية كانت ترافق امها نحو نفس النزل الذي أقيم فيه ،فجدير بالتعليق اذ كانت هناك حفرة غير عميقة على مساحة مترين عل متر تقريبا توقفت عندها مشدوهة والتقطت لها صورة للذكرى فتبسمت متسائلا في صمت ماذا لو رأيت ما في طرقاتنا من حفر؟
في الشارع أيضا يتمتّع شرطي المرور بهيبة واحترام ولا يجوز الكلام معه أوامره مسموعة ولا تقبل التأجيل وعاينت في مناسبتين تحرير خطيّة ضد مخالف، كان مطرقا ولم يعترض أو يطلب العفو او يحاول اعتماد خطة خموس أو عاشور… وعلى الجانب الآخر من الطوار وفي نفس الشارع ينام مخمور على الأرض ملء شواردها ولا أحد يحاول إزعاجه ولا تأتي الشرطة البيئية أعزّها الله وقدّس سرّها لتنبيهه.
وكم هي كثيرة دكاكين الوشم ومحلات الماساج والتدليك والتمسيد ومشتقاته وادنى سعر للماساج ما يعادل ستين دينارا للساعة ولا فائدة من التفاصيل الا لمن يهمه الأمر وفي جلسة خاصة لأنّ لكل بلد تقاليده في هذا الاختصاص وتختلف الممارسة من جاكارتا الى مانيلا عاصمة الفليبين… الى تايوان…
للصناعات التقليدية في نيبال شأن عظيم لارتباطها بأول قطاع اقتصادي في البلاد اي السياحة على مدار السنة وتصوروا نهج جامع الزيتونة على طوله كيف يمكن ان يصبح بالعشرات واكثرفي العاصمة كاتمندو وقد يعجز الواصف عن تعداد المعروضات من النحاسيات والنحاس المطروقCuivre martelé ومنسوجات من الحرير والصوف والكشمير والزرابي والخشب المنحوت والمخروط والعاج والتحف بشتى الأشكال والرموز التعبدية واللوحات الفنية والجلود والأحذية التقليدية والملابس الوطنية والحلي المحلية وانواع الشاي والقهوة والعسل ومحلاتها ضمن أسواق الصناعات التقليدية.ويمكن لطلاب وطالبات المعاهد العليا للفنون والتصميم بتونس ومن الدندان الى قفصة مرورا بنابل وسوسة والمهدية ان يستفيد المختصون منهم في مجال الصناعات التقليدية ويظفرون ببحوث ومشاريع بحث نادرة هذا اذا تعلقت همة وزارة التعليم العالي بتنظيم رحلات لهم لتحقيق مثل هذا الهدف فمجال هذه الصناعات يتجاوز ما رأيته في كامل الوطن العربي وفي بعض اقطار آسيا مثل اندونيسيا او ماليزيا أما الهند فصناعاتها على نحو ما هو في نيبال.
والحديث في السياحة قد يطول لكن القاعدة وانت سائح ان تفاصل في الأسعار وعادة ما يذكر لك البائع السعر مضاعفا فإذا قبلت كان رابحا واذا نزلت به الى نصف السعر يتظاهر بالرفض واذا هممت بالانصراف يبدي قبول اقتراحك وهو في هذه الحالة أيضا رابح.
واذا اقتضتك الحاجة لخدمة حلاق فأسأل عن الأسعار وانت في النزل ثم بعد الحلاقة احمد ربك انك خرجت سالما ولم يصب عنقك بالتواء.
دكاكين الحلاقين اما في ركن تحت المدارج عن مدخل عمارة او السطح وعند الدخول تطلب تخفيف اللحية بالماكينة وتسأل عن سعر الخدمة فيجيبك فورا عشرين روبية فتهم بالانصراف وتقول له عشرة وهو السعر المعمول به فيقبل أي ما يساوي ثلاثة دنانير تونسية تجلس الى الكرسي وتسترخي حالما كما هي عادتك في تونس ويسالك من اي بلد أنت وكم ستقضي في نيبال وتجيب وبعد ذلك يسكت فهو ليس حلاقا ثرثارا كما وصفه ابراهيم عبدالقادر المازني.لكن المشكلة وانت تحلم مغمض العينين ان تصيبك تجليغة علي ذقنك لتدير رأسك ويعيدها ثانية بغير لطف لتلتفت الى الناحية الأخرى و عند ذلك قررت عدم الغفلة والصحو حتى فرغ من معالجة لحيتي بماكينة قديمة صدعت رأسي فتنهدت متحسرا على حلاقنا سامي في الحوانت بالحمامات ولطفه مع الحرفاء ورغم أنه من انصار النجم الساحلي المتيمين وانا من انصار الترجي المعتدلين فإني اغمض عيني على كرسيه مطمئنا. ولا أفعل مثل ظريف آخر من أنصار الإفريقي قال لي مازحا لقد اعدت صلاة العشاء لأني علمت بعد الصلاة ان الامام مكشخ…
نعم صديقي عبدالقادر المقري الصحافي الفذ ما تزال كاتمندو قبلة للشبان متعاطي الزطلة بانواعها والبعض يتقمص زي البوذيين ويسير في الشارع حافي القدمين.وينضاف اليهم سياح من مختلف الأعمار أغلبهم من اليابان بحكم التقارب في العادات والتقاليد ولليابان اياد بيضاء على نيبال فقد قامت وعلى حسابها بتهيئة شبكات الطرقات بين العاصمة والمناطق الجبلية خارجها وتصادف سياحا من اوروبا واستراليا بكثافة والعديد منهم ومنهن قد تجاوز السبعين من عمره ومازال به حب للحياة وشغف بالمغامرة والإطلاع خلافا لكبارنا ممن يغلب عليهم الكبي واليأس وسبحة وسجادة وغلفة راس بالبوفاس وتمسيدة بالزيت وقعدة قدام الكانون وكاس تاي يشهي أما القافز فيهم فيذهب للعمرة ويرجعلنا مفتي وينادونه يا حاج ويستأسد في اقناعك بأن العيد غدوه موش اليوم.
وفي نيبال حوادث يومية تمارسها عصابات مشتركة بين هنود ونيباليين تتمثل في خطف النساء وتحويل وجهتهن للهند في سياق المتاجرة بالرقيق الأبيض او سرقة الاعضاء وهي تجارة رائجة وتحبط السلطات النيبالية معدل ثلاث عمليات تهريب يوميا على الحدود مع الهند والسارق يغلب اللي يحاحي…


وعودة الى الفضاء العام في تكمندو فإنهم يصففون أكياس القمامة صباحا بجانب الطوار وحوالي الساعة ١١ تمر الشاحنات لرفعها والغريب ان حوالي٦ شبان يقومون برفع الأكياس ثم يعتلونها على ظهر الشاحنة وليس لهم زي خاص وانما ملابسهم رثة ومختلطة بالفضلات ويرفعون عقيرتهم بالغناء في طرب وانسجام مما ذكرني بمثل تونسي يشير الى الديك ساقيه في الخ.. وهو يغني
ويبقى أهل الخضراء دام عزها مثالا نادرا في التعامل مع الفضلات حيث لا يتورع جار من وضع زبلته اكرمكم الله امام باب جاره ولعل تونس البلد الوحيد الذي لا يأمن فيه المواطن على حاوية(قزدرية) الزبلة فهي مما يسرق أيضا. وقد عدلت حكمي بشأن بيع السجائر بالسيجارة عند الحماص وكنت اظنها عادة تونسية وإذا بالاخوة في النيبال يشترون ايضا بالسيجارة من الكشك ولا تأمل ان تتسلم الصندويتش او القهوة من قبل ان تدفع فاللافته واضحة وتشترط الدفع أولا لان صاحب المحل محشور في حيز مكاني ضيق ولن يقدر على الخروج لملاحقتك لو أخذت المطلوب ثم فررت…فالحذر واجب.
ومما قد لا يعجب التوانسة تأسيا بالتقاليد الفرنسية ان يصلك صوت من يتجشأ عاليا في المطعم من أحد الجالسين قريبا منك فذلك امر عادي عندهم ولا حرج فيه ومن قبيل الذكريات ايام كنت طالبا واقضي الصيف للعمل في مغازة كبرى بلوزان في سويسرا لاحظت استنكارهم لمن يتجشأ وينعتونه مباشرة بالخنزير بينما يباركون صوت الضراط فمن يضرط بنغمة عالية يهنئونه قائلين:صحة santé. وللمتابعة فقد أنجز طالب في جامعة الازهر دكتورا حول الضراط اي البص وانواعه وما ينقض الوضوء او لا شارحا الفرق بينه وبين الفساء واعتمد آلة لقيس الصوت للتفريق بين الدرجات واشبع لجنة المناقشة بصا ونال شهادة الدكتورا بملاحظة ممتاز ومرتبة الشرف الأولى ووالله لا أمزح فقد تمت المناقشة وانتشر الخبر ولم تكذبه ادارة الازهر…ماعلينا.
وقد لا يفرح شعب الخبزيست بعدم توفر الخبز عندهم وقد أثرت نفس الملاحظة العام الماضي عند الحديث عن تقاليد الهند فلا وجود الا للملاوي او رقائق التوستtoast المحمرة في فطور الصباح.ومن عاشر التوانسة في فنادق استانبول خاصة ومكة والمدينة يدرك قيمة الخبز عندهم فقد اضطر المشرفون على مطاعم الفنادق في تركيا الى تعليق لافته تمنع إخراج الطعام من المطعم مع تشديد المراقبة إذ بالغ التوانسة والليبيون في التزود من بوفيه الافطار الصباحي لكامل اليوم وذاك باعداد صندويتشات ووضع ما تيسر من البيض المسلوق والجبن والبريوش في الحقائب الصغيرة واكياس النيلون توفيرا للمال ولشراء اكثر ما يمكن من الأغراض…وصدقوني حين أقول إن بعض مواطنينا عاد الى تونس بالبريوش والمعجون من فنادق إستانبول.
وقد يطول الحديث في مثل هذه الظواهر وموضوع صلاة الجمعه في كاتمندو لاقلية مسلمة في مجتع بوذي في جزء وهندوسي في جزء آخر الى جانب ملل ونحل اخرى قد يحتاج الى عودة لاحقا وان جرّنا توارد الخواطر الى مواضيع شتى

ولعلّ أطرف ما أودّعكم به حضور مناقشة في المقهى بين ثلاثة أشخاص من الصمّ والبكم عافاهم الله وعافانا كانت المناقشة بالحركات والإشارات انطلاقا طبعا من لغتهم الأردية التى لا افهمها كتابة ونطقا وهنا ازداد الأمر تعقيدا ومهما تحاول الفهم فلن تستطيع حتى لو جئت بعرّاف مغربي رديفا…تعابير وحركات غريبة يكون بعضها في ربوعنا ذا دلالات لا أخلاقية وحين أيقنت بعجزي عن الفهم انسحبت فرحا وغير مسرور .فرح بعدم انتباههم لتركيزي معهم وغير مسرور لأنها من المرات القليلة التي أجتهد فيها ويستعصي عليّ الفهم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.