الرئيسيةفي العالم

لعنة الانقلابات تضرب غينيا

أطاح جنود من القوات الخاصة بالرئيس الغيني ألفا كوندي. الانقلاب لم يكن مفاجئاً لمتابعي شؤون غينيا، وخاصة بعد “النزعة السلطوية” للرئيس وتغييره الدستور وتنظيم انتخابات تسمح له بالحكم لولاية ثالثة أثارت الكثير من الجدل.

    

الانقلابيون يعلنون اعتقال رئيس غينيا والسيطرة على العاصمة كوناكريالانقلابيون يعلنون اعتقال رئيس غينيا والسيطرة على العاصمة كوناكري

أعلن ضباط من القوات الخاصة الغينية أمس الأحد (الخامس من  سبتمبر 2021) اعتقال الرئيس ألفا كوندي والسيطرة على العاصمة كوناكري وكذلك “حل” مؤسسات الدولة في انقلاب قد ينذر بانتهاء دور أحد مخضرمي السياسة الإفريقية الذي بات معزولا بشكل كبير. بدأ كوندي (83 عاما) ولايته الثالثة في ديسمبر 2020 رغم طعون من منافسه الرئيسي سيلو دالين ديالو وثلاثة مرشحين آخرين نددوا بـ “حشو الصناديق” وتجاوزات كثيرة مختلفة.

“انقلاب في الانقلاب”.. ما الذي يحدث في مالي؟

أصبح كوندي وهو معارض سابق تاريخيا، عام 2010 أول رئيس ينتخب ديموقراطيا في غينيا بعد عقود من أنظمة سلطوية.

الأمم المتحدة نددت بأي استيلاء على السلطة بالقوة  وهددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) باتخاذ إجراءات عقابية. وقال الاتحاد الأفريقي إنه سيعقد اجتماعا على وجه السرعة وسيتخذ “الإجراءات المناسبة” بينما دعت وزارة الخارجية في نيجيريا، القوة الرئيسية في المنطقة، إلى العودة إلى النظام الدستوري.

الرئيس الغيني ألفا كوندي يقسم على الدستور بعد فوزه بالولاية الثالثة في عام 2020الرئيس الغيني ألفا كوندي عدل الدستور بما يسمح له بالبقاء في السلطة لولاية ثالثة

أزمة سياسية واقتصادية عميقة في البلاد منذ عامين

منذ أشهر، تشهد هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا وتعد بين الأفقر في العالم رغم مواردها المنجمية والمائية الكبرى، أزمة سياسية واقتصادية عميقة تفاقمت من جراء وباء كوفيد-19. وتسبب ترشح كوندي لولاية ثالثة عام 2020 بتوتر استمر أشهراً وخلّف عشرات القتلى. واعتُقل عشرات المعارضين قبل الانتخابات وبعدها. يذهب الخبير السياسي كين إلى حد القول إنه لا يوجد أحد في السلطة بشكل شرعي في غينيا. ويضيف: “شرعية الدستور التي سمحت لألفا كوندي بولاية ثالثة هي موضع تساؤل. لقد فرض إجراء تلك الانتخابات. والجيش الغيني كان منذ فترة طويلة جيشا يعكس حالة الفوضى في البلاد”.

وكانت وزارة الدفاع الغينية قد قالت في بيان إنّ الحرس الرئاسي “صد المتمردين” حين حاولوا اقتحام القصر الرئاسي. لكن السلطات التي كانت قائمة، لزمت منذ ذلك الحين الصمت. من جانبهم، حضّ الانقلابيون “جميع الوحدات (العسكرية) في الداخل على التزام الهدوء وتجنب التحركات نحو كوناكري”. وقال ضباط في بيان بثه التلفزيون الوطني إنه سيتم عقد اجتماع لوزراء حكومة كوندي ومسؤولين آخرين كبار اليوم الاثنين في العاصمة كوناكري. وأضافت مجموعة الضباط أنّ “أيّ رفض للحضور، سيُعتبر تمردا” على المجلس الذي شكله الانقلابيون لحكم البلاد.

قائد القوات الخاصة اللفتانت كولونيل مامادي دومبويا قائد القوات الخاصة وزعيم الانقلاب اللفتانت كولونيل مامادي دومبويا أعلن اعتقال الرئيس حل الدستورالحكومة وإغلاق الحدود

وقال قائد القوات الخاصة اللفتانت كولونيل مامادي دومبويا وهو إلى جانب الانقلابيين الذين كانوا يرتدون بزات عسكرية ويحملون السلاح، في فيديو وجه إلى مراسل فرانس برس “لقد قررنا بعد القبض على الرئيس الذي بات حاليا في أيدينا، حل الدستور الساري وحل المؤسسات وقررنا أيضا حل الحكومة وإغلاق الحدود البرية والجوية”.

خطر نشوب صراعات مسلحة على السلطة

في حين، يعتقد المحلل السياسي الغيني كابين فوفانا أن هناك مخاطر كبيرة بأن تنشب صراعات على السلطة داخل الجيش نتيجة للانقلاب. وأضاف “الخطر كبير. لقد رأينا ذلك في الصباح: كان على الوحدة الانقلابية أن تقاتل ضد الحرس الرئاسي، وهو الحرس التقليدي الذي يحمي رئيس الجمهورية. كان هناك تبادل لإطلاق النار، لذا لا يوجد إجماع على هذا الانقلاب. والسؤال الآن هو كيف سيستمر الوضع في المساء وفي الأيام المقبلة. سيكون بمثابة مواجهة، لأنه مع مثل هذا الاستيلاء على السلطة عادة ما يفوز الشخص الأقوى”.

وعلى مدى عشر سنوات من حكم كوندي، شهدت غينيا نموا اقتصاديا مستداما بفضل ثروتها من البوكسيت وخام الحديد والذهب والألماس، لكن قلة من مواطنيها حصدوا ثمار هذا النمو. ويقول منتقدون إن الحكومة لجأت لقوانين جنائية لكبح أي معارضة، بينما تأججت الخصومات السياسية بسبب انقسامات عرقية وفساد مستشر.

نزل مئات من سكان كوناكري لا سيما في الضواحي المعروفة بأنها مؤيدة للمعارضة، إلى الشوارع للترحيب بالانقلابيين نزل مئات من سكان كوناكري لا سيما في الضواحي المعروفة بأنها مؤيدة للمعارضة، إلى الشوارع للترحيب بالانقلابيين

وقال أحد سكان كوناكري لرويترز “بينما كان الرئيس يزعم في كل مكان أنه يريد أن يحكم بطريقة مختلفة من خلال اجتثاث الفساد، زاد اختلاس الأموال العامة… كل ذلك جعل الأمر أسهل على الجيش”. وزادت الحكومة الضرائب زيادة كبيرة في الأسابيع القليلة الماضية لملء خزائن الدولة، ورفعت سعر الوقود 20 بالمئة ما تسبب في حالة سخط واسعة النطاق.

وبعد الإعلان عن عزل الرئيس نزل مئات من سكان كوناكري لا سيما في الضواحي المعروفة بأنها مؤيدة للمعارضة، إلى الشوارع للترحيب بالعسكريين من القوات الخاصة، كما أفاد مراسلو وكالة فرانس برس. وقال أحدهم رافضا كشف اسمه “نحن فخورون بقواتنا الخاصة، عار على الشرطة وعار على ميليشيا الرئيس السابق ألفا كوندي، الموت لجلادي وقتلة شبابنا”.

وقال ماديو سو وهو سائق “لم أكن لأتخيل أن ألفا كوندي سيترك السلطة في حياتي، لقد أساء إلي كثيرا”، مضيفا “لقد قتل خلال التظاهرات شقيقتي ماريانا، وابن أخي بيسيريو وابن عمي الفاديو، ولم يحظ أي منهم بتعاطف السلطة”. وكان يشير إلى القمع الدموي لتظاهرات المعارضة والتعبئة ضد اعتماد دستور جديد في استفتاء عام 2020 والذي استخدمه كوندي للترشح والفوز بولاية ثالثة.

)

“شهوة حب السلطة”

ويصف أستاذ العلوم السياسية إبراهيما كين،  إصرار كوندي على الاستمرا في الحكم بأنه “شهوة حب السلطة” التي عانى منها كوندي. ويضيف “أعتقد أن هذا هو مرض شهوة حب السلطة. عندما تصل السلطة إلى شخص في بلادنا، يصبح لديه الانطباع بأنه أصبح ملكا، وأنه شخص يمكنه فعل كل شيء، ويمكنه أن يقرر كل شيء، وأنه أصبح مركز اهتمام الكون. وأعتقد أن ألفا كوندي سقط في هذه اللعبة. أحاط نفسه بأشخاص جعلوه يعتقد أنه يمثل الألف والياء في الحياة السياسية بغينيا. وأنه بدونه، لن ينجح شيء. ولكن دعونا ننظر إلى الرجل: إنه يبلغ من العمر 83 عاما! عندها نعرف إنه لم يعد يمتلك قوته الكاملة للسيطرة على بلد معقد مثل غينيا”.

من جانبه أكد زعيم الانقلابيين “سنعيد صوغ دستور جديد معا، هذه المرة، كل غينيا”، معربا عن أسفه “لسقوط كثير من القتلى بدون جدوى، كثير من الجرحى وكثير من الدموع”. لكن الجبهة الوطنية للدفاع عن الدستور، وهي تحالف حركات سياسية وأخرى من المجتمع المدني، نظمت الاحتجاج ضد ولاية ثالثة لكوندي، قالت إنها أخذت علما “باعتقال الديكتاتور” وبتصريحات العسكريين حول الدستور.

الانقلاب الثاني في أفريقيا خلال عام

وكانت مالي التي ترزح تحت وطأة تمرد جهادي دام،  قد غرقت في أزمة سياسية العام الماضي أدت إلى انقلاب عسكري في اوت 2020 ضد الرئيس المنتخب ابراهيم بوبكر كيتا. وفي ماي  الماضي، أثار تعديل وزاري غضب الجيش فأطاح بالرئيس المدني الانتقالي وعين مكانه الكولونيل أسيمي غويتا.

لكن قادة مالي يكررون باستمرار تعهدهم الالتزام بجدول زمني مدته 18 شهرا لنقل السلطة للمدنيين، وهو مطلب أساسي لجيران مالي القلقين إزاء الاضطرابات. ويتضمن الجدول الرسمي الدعوة لاستفتاء على تعديلات دستورية في 31 أكتوبر القادم، تليه انتخابات إقليمية ومحلية في 26 ديسمبر تؤدي إلى دورة أولى من الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 27 فيفري

لكن تحقيق هذه الروزنامة، الطموحة في أي بلد، يبدو أكثر صعوبة في بلد مثقل بالمشكلات السياسية واللوجستية. ويكرر القادة العسكريون الذين يحكمون مالي تعهدهم تسليم السلطة للمدنيين بعد الانتخابات، لكن مع أقل من ستة أشهر على ذلك الموعد تتزايد الشكوك بشأن احترام هذا الجدول الزمني.

إدانات دولية للانقلاب الذي أطاح بحكم كوندي في غينيا

توالت ردود الفعل الدولية المنددة بالانقلاب العسكري في غينيا بعدما أعلن ضباط من القوات الخاصة اعتقال الرئيس ألفا كوندي والسيطرة على العاصمة كوناكري وكذلك “حل” مؤسسات الدولة.

   

زعيم الانقلابيين مامادي دومبويا في أول ظهور تلفزيوني بعد الإطاحة بالرئيس ألفا كونديزعيم الانقلابيين مامادي دومبويا في أول ظهور تلفزيوني بعد الإطاحة بالرئيس ألفا كوندي

ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالانقلاب العسكري في غينياعقب تقارير باعتقال الرئيس ألفا كوندي خلال سلسلة من الاشتباكات المسلحة بالعاصمة. وقال غوتيريش في تغريدة على تويتر “أندد بقوة بأي عملية استحواذ على الحكومة بقوة السلاح وأدعو إلى الإفراج الفوري عن الرئيس ألفا كوندي”. وأظهر العديد من المقاطع المصورة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يبدو أنه إطاحة بالرئيس كوندي.

وفي مقطع مصور يحمل شعار هيئة الإذاعة الحكومية، شوهد عدة رجال يرتدون الزي العسكري ويحملون العلم الوطني. وقال أحدهم إنه تمت الإطاحة بالحكومة، وتعطيل الدستور وإغلاق حدود البلاد. وفي مقطع مصور آخر، شوهد كوندي نفسه مع رجال بزي عسكري. ولم يتضح في بادئ الأمر المكان الموجود به الرئيس. وقال شهود عيان إن الوضع متوتر للغاية خاصة في المنطقة المحيطة بالقصر الرئاسي في حي كالوم. وتردد أن الجيش يُسيّر دوريات في شوارع كوناكري. وأفاد شهود عيان بانتشار جنود يحملون أسلحة آلية في شوارع المنطقة التي يوجد بها القصر الرئاسي في العاصمة الغينية كوناكري، وذلك بعد سماع دوي إطلاق نار كثيف.

إدانات إفريقية ودولية للانقلاب العسكري

دعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) المجلس العسكري في غينيا إلى الإفراج فورا عن الرئيس ألفا كوندي، ولوحت بفرض عقوبات. وطالبت المجموعة  بعودة سريعة للنظام الدستوري.وندد بيان صادر عن رئيس غانا نانا أكوفو-أدو، الرئيس الحالي لإيكواس، بما وصفها “بمحاولة انقلاب” وطالب بإطلاق سراح كوندي، الذي يحتجزه الجنود، على الفور ودون شروط.

من جهتها،أدانت الولايات المتحدة أحداث الانقلاب في العاصمة الغينية. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان إن العنف وأي إجراءات خارجة عن الدستور لن تؤدي إلا إلى تراجع فرص غينيا في السلام والاستقرار والازدهار. وجاء في البيان أن “الولايات المتحدة تدين أحداث اليوم في كوناكري”. وأضاف أن “هذه الإجراءات يمكن أن تحد من قدرة الولايات المتحدة وشركاء غينيا الدوليين الآخرين على دعم البلاد وهي تتجه نحو الوحدة الوطنية ومستقبل أكثر إشراقا للشعب الغيني”.

غينيا: مكافحة ختان الإناث

كما نددت فرنسا (القوة الاستعمارية السابقة) بـ”محاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة” في غينيا، داعية إلى “الإفراج الفوري وغير المشروط عن الرئيس (ألفا) كوندي”، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الفرنسية.  وجاء في البيان أن باريس “تنضم إلى دعوة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، لإدانة محاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة” الأحد و”للمطالبة بالعودة إلى النظام الدستوري”.

ودعت مصر، العضو الفاعل في التحاد الإفريقي كافة الأطراف في غينيا إلى ضبط النفس والالتزام بالطرق السلمية. وقالت الخارجية المصرية، في بيان، إن مصر تتابع “عن كثب وببالغ الاهتمام التطورات المتسارعة التي تشهدها جمهورية غينيا، والمنعطف الخطير الذي آلت إليه الأزمة الراهنة في البلاد”. ودعت “جميع الأطراف الغينية إلى ضبط النفس والالتزام بالطرق السلمية والحوار لتسوية الأزمة والوصول بالبلاد إلى بر الأمان”. واستولت قوات من الجيش في غينيا أمس على السلطة وعطلت العمل بالدستور، كما قامت بنقل الرئيس ألفا كوندي إلى “مكان آمن”. وكان الرئيس ألفا كوندي أدى اليمين الدستورية في كانون أول/ديسمبر الماضي لولاية ثالثة في منصبه.

رئيس معزول بعد تغييرات دستورية مثيرة للجدل

وكان الرئيس ألفا كوندي (83 عاما) أدى اليمين الدستورية في  ديسمبر الماضي لولاية ثالثة في منصبه. كوندي كان موضع ترحيب عندما تولى السلطة في عام 2010 أملا في أن يمثل حكمه بداية مرحلة جديدة من الديمقراطية، إلا أنه بدأ يشن حملة قمع متزايدة ضد خصومه مع تزايد المعارضة لحكمه المستمر منذ أكثر من عقدين. ونجا كوندي من محاولة اغتيال عام 2011 أسفرت عن مقتل اثنين من حراسه الشخصيين وإصابة آخرين، ما عكس التحول الهش في غينيا بعد الانقلاب الذي شهدته عام 2008.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.