الرئيسيةتونس اليوم

الاتفاق الأوروبي مع تونس- حارس جديد على بوابة المتوسط؟

يثير الاتفاق الأوروبي مع تونس بشأن الهجرة جدًلا واسعًا. فبينما تقول بروكسل إن هدفه مكافحة تهريب البشر، ترى منظمات حقوقية أن الاتفاق “ترخيص لمستبد من أجل اعتراض قوارب المهاجرين”، فهل تصبح تونس “حارسًا جديدًا” لأوروبا؟

الرئيس التونسي قيس سعيّد مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (16.07.2023).

هل ينجح الاتفاق الأوروبي مع تونس بالحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر المتوسط؟

بعد ستة أشهر قضاها في  تونس، يفضّل المهاجر النيجيري فيكتور أمبيدان العودة إلى بلده  كما يقول لـ DW. فقد حاول عبور البحر مرتين للوصول إلى أوروبا، وفشل في كلتيهما. وفي المرة الأخيرة تعرض للسرقة، على حد تعبيره. وأضاف: “لقد هاجمتنا المافيا مؤخرًا. سرقوا هاتفي المحمول وأموالي وكل شيء، ومنذ أسبوع أنام في الشارع”.

لم يسمع فيكتور بأي شيء عن  اتفاق الهجرة الموقع في 16 جويلية  2023 بين تونس والاتحاد الأوروبي. لكنه تخلى بالفعل عن خططه في مواصلة محاولة العبور إلى أوروبا، حتى بدون تدخل من الاتحاد الأوروبي أو الحكومة التونسية. يضيف لـ DW: “لم أعد أعرف ماذا أفعل. لم أعد أفكر في الذهاب إلى أوروبا بعد الآن”. لا يزال  اتفاق الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي قائمًا فقط على إعلان نوايا كونه بحاجة لتوقيع كل الدول الأوروبية. لكن من الواضح مسبقًا في أي اتجاه يسير الاتفاق وماذا يستهدف، بحسب نشطاء حقوق الإنسان على طرفي المتوسط. فالهدف، بحسب النشطاء، هو فرض مزيد من القيود على خيارات  اللجوء والهجرة.

ويرى رمضان بن عمر، الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن الاتفاق “رؤية أوروبية أحادية الجانب”. ويضيف لـ DW أنه تم التوقيع على مذكرة التفاهم بين الطرفين في ظل ظروف “غير ديمقراطية”، مشيرًا إلى تدابير الرئيس  قيس سعيد، الذي فرض قيودًا متزايدة على الحقوق والمؤسسات الديمقراطية. ويؤكد بن عمر أن ما يهم الأوروبيين في المقام الأول هو الحد من الهجرة غير النظامية، ويعتقد أن وجود برنامج  دعم مكثف للاقتصاد التونسي في الاتفاق المقترح ليس سوى من أجل “أغراض تجميلية”. من جهتها وصفت الصحفية التونسية منية بن حمادي الاتفاق بأنه “بين الاتحاد الأوروبي وشخص واحد”، منتقدة افتقار “صفقة الهجرة”، من وجهة نظرها، لـ”الخصائص الشرعية من الناحية السياسية”.

ويرى كارل كوب، رئيس قسم أوروبا في منظمة “برو أزول” الألمانية المدافعة عن حقوق اللاجئين، الأمر بشكل مماثل. ويقول: “نرى أن شريكًا للاتحاد الأوروبي يتصرف بناء على خطاب كراهية ضد اللاجئين من جنوب الصحراء الكبرى. ونرى أن مئات الأشخاص قد تم التخلي عنهم في الصحراء باتجاه ليبيا”، ويضيف: “لا يمكن توقع أي شيء جيد من صفقة في ظل هذه الظروف. من الواضح أنها تتعلق بأن يقوم مستبد باعتراض قوارب المهاجرين المتجهة إلى أوروبا”.

زيادة الضغوط على المهاجرين
في الواقع، قامت السلطات التونسية بالتعامل بشكل صارم مع اللاجئين من أفريقيا جنوب الصحراء في الأسابيع الأخيرة، خصوصًا بعد اندلاع اشتباكات عنيفة بين مهاجرين أفارقة وسكان محليين في مدينة صفاقس. فقبل عدة أيام، نقلت السلطات التونسية نحو 800 لاجئ إلى الحدود مع ليبيا، وسط الصحراء. كما تم نقل لاجئين آخرين إلى الحدود مع الجزائر، في منطقة غير مأهولة أيضًا. ورغم أنه تم نقل بعض أولئك المهاجرين، بعد عدة أيام، إلى مراكز إيواء، اتهمت  هيومن رايتس ووتش تونس بارتكاب “انتهاكات خطيرة” ضد مهاجرين أفارقة.

مهاجر أفريقي مصاب في مركز إيواء في مدينة بنقردان التونسية- 12 يوليو/ تموز 2023 مهاجر أفريقي مصاب في مركز إيواء في مدينة بنقردان التونسية.

من جهتها دعت “المنظمة العربية لحقوق الإنسان”، يوم الإثنين (17 جويلية 2023)، المنظمات الدولية لرعاية حوالي 360 شخصًا “تم إنقاذهم من تونس”، وقالت المنظمة: “وفقاً لحرس الحدود الليبي، هناك 360 مهاجرًا، بينهم نساء وأطفال، بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية والطبية”.

وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، أنقذ حرس الحدود الليبي في وقت سابق عشرات المهاجرين الذين تُركوا دون ماء أو طعام أو مأوى على الجانب التونسي من الحدود في منطقة صحراوية غير مأهولة. وقال صحفيو فرانس برس إنهم شاهدوا لاجئين يتجولون بالقرب من بلدة العسة الليبية الحدودية. كان اللاجئون مرهقين بشكل واضح، وهم يرقدون عطشى على الرمال ويبحثون عن ملجأ من أشعة الشمس الحارقة وسط درجات حرارة تزيد عن 40 درجة مئوية.

“برنامج تحفيز للتهريب”!
ويخشى الناشط رمضان بن عمر من استمرار معاملة تونس المشكوك فيها للاجئين والمهاجرين نتيجة “صفقة الهجرة”، لأنها توسع السيطرة التونسية على السواحل وتحول البلاد بشكل فعال إلى مؤسسة لحماية الحدود الأوروبية، على حد تعبيره. كما يبدي تخوفه من أن يتم تنظيم عمليات ترحيل عبر إنشاء مراكز احتجاز، رغم أن تونس سبق أن أعلنت رفض الفكرة.

ويرى كارل كوب من “برو أزول” أن تصريحات الاتحاد الأوروبي بأنه يهدف في المقام الأول إلى اتخاذ إجراءات ضد مهربي البشر “ليست ذات مصداقية”، ويوضح: “من يريد مكافحة مهربي البشر عليه أن يقدم طرقًا قانونية. ولكن إذا قمت فقط بعزل نفسك، فأنت تدير حزمة تحفيز اقتصادي لمهربي البشر. ولذلك، فإن محاربة مهربي البشر تصبح عندئذ على الأرجح محاربة للباحثين عن الحماية. بهدف ألا يصلوا إلى أوروبا أبدًا”.

من جانبه، يتوقع الباحث السياسي طارق المجريسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن تستهدف الاتفاقية في نهاية المطاف المهاجرين التونسيين أنفسهم. وقال المجريسي: “لن يفعل (الاتفاق) شيئًا يذكر لوقف الهجرة، بل سيسهل على الأوروبيين إعادة التونسيين الذين نجوا من الرحلة (اللجوء عبر المتوسط)”. وانتقدت صحفية تونسية “غياب الشفافية في صفقة الهجرة”. مضيفة على تويتر أن هذا سيحول تونس إلى “مقبرة في الهواء الطلق” للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء.

“لا نريد العودة”
المهاجرة الغينية مريم طابا، التي لاتزال في صفاقس، أيضًا لم تسمع أي شيء عن صفقة الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وتونس. وعلى عكس المهاجر النيجيري فيكتور أمبيدان، لا تزال مريم ترغب في مواصلة محاولة الوصول إلى أوروبا. وتقول إنه “لن يوقفها أي شيء” عن تحقيق هدفها في الوصول، مؤكدة أنها ستتحدى كل الظروف، حتى لو كان ذلك صعبًا.

وقالت مريم لـ DW إنها في تونس منذ شهرين ونصف، وأضافت: “لقد تم اعتقالي مرتين. الوضع لا يسير على ما يرام حتى الآن. نحن متعبون”. ومع ذلك، فإنها مصرة على مواصلة نفس الطريق المؤدي إلى أوروبا الذي يرغب الاتحاد الأوروبي، بمساعدة تونس، في جعل عبوره أكثر صعوبة. وتضيف مريم: “نريد مساعدة عائلاتنا. لا نريد العودة”.

المصدر: DW arabic
طارق القيزاني
بالتعاون مع وحيد الداهش من صفاقس
ترجمة: محيي الدين حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.