الرئيسيةشؤون عربية

التطبيع أضعف موقف المملكة والسماح بالتظاهر لرفع الحرج.. لماذا يسمح المغرب بمساندة فلسطين رغم علاقته بإسرائيل؟

مسيرة حاشدة بالمغرب دعما لغزة/الأناضول
رغم إعلان المغرب بشكل رسمي تطبيع علاقاته مع الاحتلال الإسرائيلي، يُواصل الشعب المغربي تضامنه مع الشعب الفلسطيني، من خلال مسيرات حاشدة واحتجاجات شهدتها كبريات المدن في المملكة بسبب العدوان المستمر على غزة.
وإلى حدود الساعة كانت المسيرة التي خرجت في مدينة الدار البيضاء أكبر مسيرة تضامنية مع غزة، بالإضافة إلى مسيرة الأحد 5 نوفمبر/2023، في مدينة طنجة شمال البلاد، إذ شهدت مشاركة عشرات الآلاف من المتظاهرين المغاربة.
وقبل ذلك، احتشد الآلاف من المغاربة تضامناً مع غزة وسط العاصمة الرباط يوم الأحد 15 أكتوبر 2023، وحاملين شعارات داعمة لـ”طوفان الأقصى”، إذ كان أكبر احتجاج مناهض للدولة العبرية منذ تطبيع العلاقات الدبلوماسية العام 2020.
هذه التظاهرات والمسيرات والاحتجاجات الأخيرة، التي جاءت بعد 7 أكتوبر، لم تشهد أي منع من السلطات المغربية، رغم كل الشعارات المرفوعة، وخصوصاً دعوة المتظاهرين والمحتجين إلى وقف التطبيع بين المملكة وإسرائيل.
التطبيع يضعف الموقف المغربي
وتُكرر المملكة المغربية دائماً، أن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل كخطوة استراتيجية، لا يغير من موقفها من القضية الفلسطينية التي تعتبرها قضيتها الأولى إلى جانب قضية الصحراء، وهو ما يعتبره البعض حفاظاً على التوازن لتجنب مزيد من التوترات الداخلية وتنفير الجهات الفاعلة الرئيسة في الخارج.
يعتقد الفاعل الحقوقي، خالد بكاري، أن “المغرب حالياً قد خرج من معادلة لعب أي دور لصالح القضية الفلسطينية، وبالتحديد لأي دور في مسارات التفاوض أو التسويات، والتي كان المغرب من عرابيها الأساسيين، ولم يكن دوره تاريخياً مطلوباً من أمريكا وإسرائيل فقط، بل كذلك حتى من الفلسطينيين”.
وأضاف المتحدث أن “المغرب أصبح للأسف تابعاً، وليس فاعلاً في الملف الفلسطيني، والدليل على ذلك أنه سواء في عملية سيف القدس في 2021 أو في عملية طوفان الأقصى حالياً، لم يتم إشراكه في المفاوضات السرية أو العلنية لإيجاد هدنة”.
وأشار المتحدث إلى أنه لم تُطلب خدمات المغرب في ملف تبادل الأسرى، وحتى الجولات التي يقوم بها كبار الإدارة الأمريكية حالياً لا تشمل الرباط، كما كان يقع في السابق.
خلال توقيع اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل (أرشيف)/ رويترزخلال توقيع اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل (أرشيف)/ رويترز
“ولذلك يكتفي الخطاب الرسمي بترديد لازمة كلما يكون هناك إحراج بخصوص ما يقع بفلسطين، وهي أنه أرسل مساعدات، رغم أنه لا يستطيع أن يوصلها لغزة، وبأن صندوق دعم القدس يعتبر المغرب هو المساهم الأول فيه، وكأن سقف الدعم هو تقديم ما يشبه الصدقات”، يقول المتحدث.
وأبرز بكاري في حديثه مع “عربي بوست”، أن المغرب “للأسف في المجازر الحالية لم يستطع لحد الآن تكرار القيام بما حصل في 2002 حين قطع علاقاته مع الكيان الصهيوني بعد العدوان على غزة آنذاك، رغم أنه حينها لم تصل الجرائم إلى ربع ما يحدث حالياً”.
وأشار البكاري إلى أن “يد المغرب مغلولة، فقد أصبحت مغلولة للأسف في القضية الفلسطينية، لأن هناك من ورطنا في الربط بين قضية الصحراء المغربية والقضية الفلسطينية في الاتفاق الثلاثي”.
لذلك، يرى البكاري أنه “تقتضي رئاسة المغرب للجنة القدس موقفاً صارماً لصالح القدس أولاً، فلا يُعقل مواصلة التطبيع مع الحكومة الأكثر تطرفاً في التاريخ الإسرائيلي، والتي تستهدف القدس وتقوم باعتداءات متتالية على المسجد الأقصى غير مسبوقة”.
موقف محرج واسترضاء للشعب
الناشط الحقوقي خالد البكاري قال إن “السماح بالتظاهر في المغرب تضامناً مع الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر، تاريخ معركة طوفان الأقصى، أعتبره أمراً عادياً، ومن الطبيعي أن يحصل ذلك”.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ”عربي بوست”: “رغم أنني انتقدت ولا أزال التطبيع مع الكيان الغاصب، فإنني لا أعتقد أن المسؤولين في البلد غير رافضين لما يرتكبه الصهاينة من مجازر، وأعتقد أن كثيرين منهم نادمون على الورطة التي يكتشفون اليوم عواقبها”.
وأضاف البكاري في حديثه لـ”عربي بوست”، أن “السماح بالتظاهر لا يعدو أن يكون مساهمة في التنفيس فقط، وحين ستنتهي هذه الأحداث، سنعود لتصعيد وتيرة التطبيع، وقمع رافضيه”.
ولم تكن السلطات في المغرب دائماً متساهلة مع معارضي التطبيع مع إسرائيل، إذ قبل الحرب على غزة، فضّت السلطات الاحتجاجات والاعتصامات خارج البرلمان وسط العاصمة الرباط.
كما أن محكمة مغربية كانت قد قَضت بالسجن 5 أعوام نافذة بحق مُدوّن مشهور بسبب منشوراته شاركها على حسابه في فيسبوك ينتقد من خلالها تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
الكاتب الوطني (رئيس) لشبيبة العدالة والتنمية، عادل الصغير، قال إنه “فعلا صدرت قرارات لمنع الوقفات الاحتجاجية التي نظمت مباشرة بعد توقيع اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني وكانت مشاهد مسيئة”.
وأضاف المتحدث  في تصريح لـ”عربي بوست” أن “هذا السلوك لم يكن مستمراً في الزمن، فقد تم بعدها تنظيم عدد من الأشكال الاحتجاجية والتضامنية مع الشعب الفلسطيني ومنها ما خصص للمطالبة بإسقاط التطبيع ولم يتم منعها”.
وتابع الصغير في حديثه لـ”عربي بوست”، أن “السماح بالاحتجاجات المناهضة للعدوان الصهيوني على إخواننا في غزة يأتي في هذا السياق الخاص، وفي سياق عام مرتبط بأن العادة هي عدم منع الوقفات والمسيرات الاحتجاجية في المغرب”.
مسيرات سابقة في المغرب تضامنا مع القضية الفلسطينية/ أرشيفمسيرات سابقة في المغرب تضامنا مع القضية الفلسطينية/ أرشيف
كما أنه “لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسمح الدولة التي يرأسها رئيس لجنة القدس، بما لذلك من حمولة، بتصويرها أنها تمنع المغاربة من التعبير عن غضبهم إزاء المجازر التي يتعرض لها الأطفال والنساء والعزل واللاجئين في المستشفيات والمدارس ومراكز الأمم المتحدة، أو تمنعهم من الخروج للمطالبة بقطع العلاقات مع مرتكب هذه المجازر”.
وقد ذهب البعض إلى أن  المملكة وجدت نفسها اليوم في موقف محرج، وذلك من خلال سعيها حتى اليوم إلى استرضاء الشعب مع الحفاظ على صورته كمناصر للقضية الفلسطينية، بالرغم من استمرار علاقات التطبيع مع إسرائيل.
يؤكد رئيس شبيبة حزب العدالة والتنمية المغربي، أنه “شعبياً، المغاربة كانوا دائماً وتاريخياً إلى جانب الشعب الفلسطيني، وهذا ما أكده انخراطهم اليوم في مختلف الفعاليات الداعمة للمقاومة الفلسطينية، والمنددة بالجرائم الصهيونية، والمطالبة بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني كما حصل سنة 2000”.
واعتبر المصدر ذاته، أن “هذا السلوك التلقائي للمغاربة أفشل كل المحاولات التي اشتغلت عليها أجهزة الكيان بمختلف الوسائل لتطبيع الشعب المغربي معه، وتحويل موقف المغاربة منه من عدو إلى صديق”.
تخويف مناهضي التطبيع
بالتوازي مع العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة يقول الناشط الحقوقي خالد البكاري لـ”عربي بوست” إن “بعض النافذين في السلطة، وفي الإعلام، وفي قطاع المال والأعمال، وفي أجهزة حساسة يتحملون مسؤولية جر البلد نحو الوقوع في الشراك”.
وأضاف المتحدث أن “هؤلاء وظفوا كل إمكاناتهم ونفوذهم وهيمنتهم على بعض المؤسسات من أجل تخويف كل معارضي التطبيع، بل إنهم وظفوا ماكينة إعلامية رهيبة”.
“وحتى في وسائط التواصل الاجتماعي هناك ماكينة عملها تخوين كل من يرفض التطبيع، وتصويره خائنا يخدم أجندات أجنبية، مع العلم أن بعضهم متورط في علاقات مصلحية شخصية مع مراكز إعلامية واستخباراتية ومالية إسرائيلية وإماراتية”، يقول المتحدث.
وأكد البكاري أن “هذه مناسبة للمسؤولين الذين كانوا رافضين لمسار التطبيع، سواء مبدئياً أو حتى للكيفية التي حصل بها، والتي لا تخدم مصلحة المغرب، أن يكونوا في مستوى اللحظة”، وأن يساهموا في الدفع بموقف رسمي أقوى، ويتناسب مع حجم المجازر المرتكَبة”.
وأشار المتحدث إلى أنه “لا يكفي السماح بالتظاهر السلمي، في غياب أي تفاعل معه، مما يعني أن السماح بالتظاهر لا يعدو أن يكون مساهمة في التنفيس فقط، وحين ستنتهي هذه الأحداث، سنعود لتصعيد وتيرة التطبيع، وقمع رافضيه”.
اتفاقية مقايضة بين المغرب وإسرائيل
في خضم التحدي الجديد الذي يرتبط أساساً بالحفاظ على زخم التطبيع بين المغرب وإسرائيل، خصوصاً أمام التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، ثمة رأي سائد، على نطاق واسع، بأن تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، هو اتفاقية مقايضة في مقابل العديد من الصفقات مع الولايات المتحدة، فضلاً عن اعترافها بسيادة المغرب على منطقة الصحراء.
يذهب أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، نبيل غزاوي، أن “المغرب أدرك أن إسرائيل هي مفتاح واشنطن، أي إن الاعتراف الأمريكي بسيادته على الصحراء يعتمد بشكل حصري على إسرائيل تماماً مثلما صار هدف تحقيق دولة فلسطينية يعتمد على إسرائيل، ولذلك ارتضى بأن يكون تطبيع العلاقة معها هو ثمن المساومة مقابل اعتراف أمريكي ثمين بمغربية الصحراء”.
وسجل غزاوي، في تصريحه لـ”عربي بوست”، أن “كلا البلدين يشتركان في أن سياستهما الخارجية موالية للولايات المتحدة الأمريكية، إذ يطمح البلدان دوماً إلى تحصيل دعمها لمصلحتهما فيما يتعلق بالنزاعين اللذين يواجهانهما: نزاع الصحراء بالنسبة للمغرب، والنزاع مع الفلسطينيين بالنسبة لإسرائيل”.

المصدر: عربي بوست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.