“لا بد أن تكون الجنة” في كان
يضع المخرج الفلسطيني إيليا سليمان في فيلمه “لا بد أن تكون الجنة” الذي يعرض يوم الجمعة 24 يونيو 2019 في مهرجان كان، الهوية الفلسطينية في ظل الاحتلال الإسرائيلي تحت المجهر، وسط أجواء يغلب عليها الصمت والاستعارات الشعرية.
ويخوض سليمان مجددا المنافسة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان للفوز بالسعفة الذهبية مع أحدث أفلامه “لا بد أن تكون الجنة”، وهو قصة ملحمية مطعّمة بالفكاهة يسعى من خلالها إلى استكشاف الهوية والجنسية والمنفى.
ولد سليمان (58 عاما) في الناصرة، أكبر مدينة عربية في إسرائيل، وحصل على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان العام 2002 عن فيلم “يد إلهية”.
وينحدر سليمان من فلسطينيين بقوا في أرضهم بينما فرّ مئات الآلاف أو طردوا من منازلهم بسبب القتال الذي رافق قيام دولة إسرائيل العام 1948.
ويصوّر المخرج الفلسطيني الذي علّم نفسه بنفسه، في فيلمه، مجتمعا فلسطينيا ينهار تحت الاحتلال، وينجر نحو العبث. ويخيّم شعور دائم بوجود عنف كامن قابل للانفجار لكن من دون إظهاره بشكل واضح.
ويشكل العرب الإسرائيليون نحو 17,5 % من سكان إسرائيل، لكنهم يعتبرون أنفسهم فلسطينيين، ومعظم أقاربهم يسكنون في الأراضي الفلسطينية المحتلة من إسرائيل منذ العام 1967.
وفي مقابلة له مع صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية العام 2002، قال سليمان إن “هناك أنواعا مختلفة من الاحتلال”.
وأضاف “أنا محتل بطريقة مختلفة عن الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
ومكنّه فيلمه الروائي الثاني “يد إلهية” من أن يكون أول فلسطيني ينافس في مهرجان كان للفوز بالسعفة الذهبية.
فكاهة لا كليشيهات
وتتمحور قصة هذا الفيلم الرومانسية حول رجل فلسطيني من القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل العام 1967 وامرأة من مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، المدينتين اللتين حال بينهما حاجز عسكري إسرائيلي، ما يجبرهما على الالتقاء في موقف للسيارات قريب.
وقال سليمان “أن تكون فلسطينيا فهذا تحدّ في حد ذاته”.
وتابع “يجب أن تخرج عن هذا الخطاب القائم عن فلسطين، وأن تصنع فيلما له بعد عالمي”.
وأفلام إيليا سليمان قائمة على الرواية التأملية، ومبنية على مشاهد صامتة مع حوار متفرق صمم بمهارة يرافقها خيال جامح.
وهو قال أيضا “لقد وصلت في وقت لم تكن قبله أفلام كثيرة تعاملت مع +مسألة فلسطين+، وقد وضعت +مسألة فلسطين مع فكاهة+ بخط عريض”.
ووجهت انتقادات كثيرة لسليمان في بداية حياته المهنية، وكان هدفا لفتوى مصرية تبيح دمه بعد أول فيلم روائي طويل له.
ويصف المخرج نفسه بأنه “مسالم وغير عنيف”. ويقول إنه ومع مرور الوقت، تحوّل من “متعاون” إلى “بطل” في عيون جزء من جمهوره، لكن كلا التصنيفين لا يعجبانه.
وبدأ سليمان المقيم في العاصمة الفرنسية باريس، في إنتاج الأفلام في نيويورك حيث عاش بين العامين 1981 و1993.
وكان أول فيلمين قصيرين له “مقدمة لنهاية جدال” الذي ينتقد طريقة تقديم العرب في أفلام هوليوود وفي وسائل الإعلام، وفيلم “تكريم بالقتل” الذي يستحضر إحدى ليالي نيويورك خلال حرب الخليج.
حكايات عائلية
وعاش إيليا سليمان لفترة من الوقت في القدس التي ظهرت مع الناصرة في أول فيلم روائي طويل له حمل عنوان “سجل اختفاء” وأنتج العام 1996.
وعلى غرار كل أفلام سليمان، كان معظم الممثلين في العمل غير محترفين بمن فيهم والداه.
وحاز الفيلم جائزة “لويجي دي لورينتيس” عن أفضل فيلم في مهرجان البندقية السينمائي.
وبعد نجاح “يد إلهية” في كان، أنجز سليمان فيلمه الروائي الثالث “الزمن الباقي” العام 2009.
واستوحى إيليا قصة الأسرة الفلسطينية في الفيلم من كتابات والده الناشط الفلسطيني، ورسائل والدته إلى الأقارب الذين استقروا في المنفى بعد قيام دولة إسرائيل.
ونافس الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان كان في دورة العام 2009، وفاز بعدة جوائز في العام نفسه في مهرجاني أبوظبي السينمائي ومار ديل بلاتا في الأرجنتين.
وفي جعبة سليمان مجموعة أخرى من الأفلام القصيرة التي أخرجها، ومن بينها فيلم “الحلم العربي” الذي يشكك في الحياة في المنفى.
في “لا بدّ أن تكون الجنة”، يتمحص سليمان مرة أخرى في وجوده، وكأنه يطارد الأجوبة مسكونا بهويته الفلسطينية.