تونس: رحلات عبور خطرة وانتشال 900 جثة مهاجر خلال سبعة أشهر
تشهد السواحل التونسية موجات هجرة قياسية هذا العام رافقتها حوادث غرق مأساوية كلّفت أرواح مئات الأشخاص الساعين لبلوغ السواحل الأوروبية، ووصل عدد الجثث التي انتشلها السلطات إلى 901 منذ بداية العام الجاري وحتى 20 جويلية وزير الداخلية التونسي كمال الفقي قال أمام البرلمان أمس الأربعاء، إن من بين هؤلاء الضحايا 267 مهاجرا أجنبيا، في حين أن هوية الباقي غير معروفة.وأشار المتحدث باسم الحرس الوطني حسام الدين الجبابلي أثناء حديثه مع وكالة الأنباء الفرنسية اليوم الخميس، إلى أن حوالي 800 مهاجر قضوا غرقا خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، “انتشلت الفرق 789 مهاجرا من البحر، بينهم 102 تونسي، والآخرون أجانب ومجهولون”.وتسجل تونس التي تبعد بعض سواحلها أقل من 150 كيلومترا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، محاولات هجرة مستمرة، وتعتبر نقطة عبور رئيسية لآلاف المهاجرين المتحدرين من دول أفريقيا الصحراء.
تونس.. نقطة عبور رئيسيةوحلت تونس محل ليبيا كنقطة مغادرة رئيسية في المنطقة، إذ سجلت وكالة حرس الحدود الأوروبية “فرونتكس”، زيادة بنسبة 1100% في عدد عمليات العبور خلال النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ويعيش المهاجرون في تونس بشكل عام، وصفاقس خاصة، ظروفا متدهورة خلال الأشهر الأخيرة، لاسيما بعد خطاب ألقاه الرئيس قيس سعيد في 21 فيفري الماضي، قال فيه إن وجود “جحافل” من المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا جنوب الصحراء يشكل مصدر “عنف وجرائم”، ما عقّد الوضع وزاد من الحملات العنصرية الموجهة ضد المهاجرين. وتؤكد المنظمات الإنسانية إلى أن هذا الوضع المتوتر ساهم في دفع أعداد متزايدة من المهاجرين إلى الهجرة عبر البحر.وفي مطلع شهر جويلية الجاري، أدى مقتل رجل تونسي في مواجهات مع مهاجرين في صفاقس إلى تفاقم الأزمة، وانتشرت تقارير توثق طرد السلطات التونسية مئات المهاجرين من مدنهم وتركهم في مناطق نائية صحراوية على الحدود مع ليبيا والجزائر.
حصيلة قياسية
وكان المنتدى التونسي استنكر الوضع الحالي، وقال إن “الانتهاكات التي شوهدت في تونس تدفع المهاجرين للمجازفة بحياتهم على متن قوارب مكتظة، وغير صالحة للإبحار، وقد استغلت شبكات تهريب المهاجرين الوضع لتكديس الأرباح على حساب حياة المستضعفين”.تعد حصيلة الجثث الـ900 قياسية، فبحسب أرقام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لم يتعد عدد الجثث التي انتشلت من البحر سقف الـ600 على مدار العام 2022 بأكمله.وبالتالي، مع تضاعف أعداد المغادرين من تونس، تزداد الحوادث المأساوية التي تزهق أرواح المهاجرين. كما أن هناك الكثير من القوارب التي تنطلق من ليبيا، وتغرق قبالة السواحل التونسية.حسام الدين جبابلي، قال إنه منذ بداية العام الجاري وحتى 20 جوان ، اعترضت السلطات التونسية أكثر من 34 ألف مهاجر، ما يسجل ارتفاعا حادا بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، التي سجلت اعتراض حوالي 9 آلاف مهاجر.قوارب معدنية أقل كفاءةولتلبية الطلب المتزايد على رحلات العبور، أضحى المهربون يستخدمون مواد جديدة لتصنيع قوارب معدنية بشكل سريع وأقل تكلفة.في لقاء سابق مع مهاجرنيوز، قال المتحدث باسم وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة في إيطاليا فلافيو دي جياكومو، إن طريق تونس “لم يكن بهذا القدر من الخطورة كما هو الحال اليوم”. وأشار إلى أن القوارب المعدنية أضحت مستخدمة بشكل متزايد، وهي تكون مصنوعة من مواد رخيصة وبالتالي ليست صالحة للإبحار بعيدا في عرض البحر، لا سيما وأنها معرضة لخطر تسرب المياه والتصدع بفعل الأمواج.هذه القوارب يصنّعها المهربون من مواد رخيصة ويتم تجميعها بشكل بدائي في أقل من يوم واحد في ورشات متوارية عن السلطات، وهي أقل كفاءة من القوارب المطاطية ومراكب الصيد الخشبية التي كانت تستخدم سابقا انطلاقا من الشواطئ التونسية.كما أن أغلب القوارب المعدنية متآكلة بسبب الصدأ وهي “ذات نوعية رديئة للغاية” وليست متينة، حسب وصف صياد تونسي في لقاء مع صحيفة “لوموند” الفرنسية. وبالتالي، إذا حدثت تغيرات في حركة الركاب يمكن للقارب بأكمله أن يغرق في الماء وينقلب بسهولة.وبما أن فترة بناء القوارب قصيرة، ازداد العدد وباتت التكلفة أقل، ما أدى إلى انخفاض المبلغ المالي الذي يدفعه المهاجر عادة لرحلة العبور، فبينما كان يدفع الشخص الواحد حوالي 800 يورو ثمن الرحلة، بات السعر لا يتجاوز الـ400 يورو.ممارسات خفر السواحل التونسيمن ناحية أخرى، حذر حقوقيون ومهاجرون من انتهاج السلطات التونسية ممارسات خطرة للحد من محاولات العبور إلى السواحل الأوروبية، وتواجه قوات خفر السواحل التونسي اتهامات باعتراض قوارب المهاجرين في عرض البحر و”سرقة” المحركات وعبوات الوقود، وبالتالي يُترك المهاجرون على متن هذه المراكب التي تنجرف في البحر المتوسط.كاليلو، شاب يتحدر من ساحل العاج ويبلغ من العمر 28 عاما، كشف لمهاجرنيوز عن تعرضه لذلك قائلا “اعترض خفر السواحل قاربنا، وأخذوا ما لدينا من وقود (بنزين) وطلبوا من القبطان إزالة المحرك. ليس لدينا خيار سوى الامتثال لأوامرهم، لا سيما وأنهم مسلحين. وبعدها أخذوا المحرك وغادروا، وتركوا قاربنا ينجرف”.كما يتحدث المهاجرون عن مناورات خطرة في البحر، إذ تقترب مراكب حرس السواحل من قوارب المهاجرين بشكل سريع قد يولد أمواجا عالية تزيد من احتمالية انقلاب القارب.دعم أوروبي رغم الانتهاكاترغم التقارير المستمرة عن الانتهاكات التي ترتكبها السلطات التونسية بحق المهاجرين في الصحراء أو البحر، لا يزال الاتحاد الأوروبي يواصل تقديم الدعم المادي لخفر السواحل التونسي.وبين عامي 2016 و2020، حصلت تونس على أكثر من 37 مليون يورو عبر الصندوق الاستئماني للاتحاد الأوروبي الموجه لأفريقيا من أجل “إدارة تدفقات الهجرة والحدود”. ويوم الأحد 16 جويلية ، وقعت تونس وبروكسل “شراكة استراتيجية” بشأن الهجرة، بحضور رئيسة الوزراء اليمينية المتطرفة جيورجيا ميلوني.كما أدان المنتدى التونسي في بيان ما وصفه بـ “السياسات غير الإنسانية” للاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط. وزعم أن الاتحاد الأوروبي يتخلى عن دوره في مناطق البحث والإنقاذ البحرية، ويفرض سياسة عسكرة البحر في الجزء الجنوبي من المجرى، الأمر الذي قد يقود إلى تفاقم المآسي الإنسانية.