ثقافة وفنون

الجايدة

 

حقق فيلم “الجايدة” للمخرجة “سلمى بكار” الكثير من النجاح الجماهيري، وأن يقبل الجمهور التونسي على فيلم تونسي يعرض في القاعات خارج فعاليات أيام قرطاج السينمائية، هو حدث كبير، لأن الجمهور السينمائي في تونس ميزاجي: يملك ثقافة سينمائية عالية، بفضله تستمر أيام قرطاج السينمائية بأكثر قوة من دورة إلى أخرى، ومع ذلك ينفض هذا الجمهور في الأيام العادية، لا يذهب إلى القاعات السينمائية ولا يشاهد الأفلام، ويعلق على السينما التونسية قائلا “أفلام متاع الحمام” على الرغم من أن فيلما واحدا صور في “الحمام” (عصفور سطح للمخرج فريد بوغدير)، لذلك كان نجاح فيلم “الجايدة” وقدرته على استقطاب الجمهور لافتا… هذا الفيلم لم يعرض في مهرجان عالمي يستمد منه القوة في ما بعد لاستقطاب الجمهور، ولكن يحمل معه أسماء مهمة: عبد العزيزة بن ملوكة وسلمى بكار ووجيهة الجندوبي وسهير بن عمارة وفاطمة بن سعيدان وتوفيق العايب وخالد هويسة وأحمد الحفيان وسامية رحيم ورؤوف بن عمر ومنجية الطبوبي ومنيرة الزكراوي ومحمد علي بن جمعة وخالد هويسة ونجوى زهير إضافة إلى ممثلين شابين منحا الفيلم الكثير من الfraicheur: سلمى المحجوبي وبلال الباجي، وعدد من أهم التقنيين في بلادنا: محمد المغراوي وفوزي ثابت ورحمة البجاوي وكاهنة عطية، ومروى بن جميع وسيدة بن محمود إضافة إلى الموسيقى التي تحمل توقيع ربيع الزموري

كل هؤلاء اجتمعوا من أجل “الجايدة” ومنحوه أجمل ما عندهم، طبعا توجد بعض الإخلالات، ولكنها غير مرئية، وعلى قدر عطائهم أقبل الجمهور لمشاهدة هذا “المنتوج” في صورته النهائية

لماذا نجح “الجايدة” جماهيريا وفشلت أفلام أخرى؟ هناك الكثير الذي يفسر النجاح الجماهيري الذي يحققه فيلم “الجايدة” والأهم أن هذا الفيلم احترم القاعدة الأساسية في السينما: الحكي، الخرافة، القصة البسيطة متماسكة البناء، الخرافة التي لا تضيع تفاصيلها، ولا تنفرط حباتها فقط لأن المخرج أراد أن يتدخل ليعقد الحكاية حتى يستعصي ما يقدمه على الفهم بعد ذلك، وحتى يجد هو ما يبرر به رأي النقاد الذي لن يعجبه “خاطر ما يفهموش”

لم تنتصر المخرجة “سلمى بكار” على أحد في فيلمها الجديد “الجايدة” ولكنها انتصرت للقواعد السينمائية الأولى والتقطت بذكاء من التاريخ التونسي ما قبل الاستقلال فضاء كان حافزا لمخيلتها لتنتج شخصيات وأحداث تنتهي بعودة “بورقيبة وتبرر به سر الدفاع عن مدنية الدولة

السياسة حاضرة في الفيلم ولكنها لا ترى، ما يراه المشاهد هو تلك القصص النسائية والإنسانية لسيدات الكون ينتهين في “دار جواد” لإجبارهن على طاعة كل سلطة في حياتهن…

ما الذي يدفع “سلمى بكار” إلى النبش في الماضي؟ هو الحاضر لا محالة، إنها مخرجة تؤسس للآن بما كان… تسكنها الأسئلة ولا يستقر لها رأي ولا فكر إلا إذا وضعت أمام أسئلتها إجابات حاسمة ومقنعة… ولعلها اليوم اكتفت بعد ثلاثيتها (رقصة النار: حبيبة مسيكة، الخشخاش، والجايدة) من النبش في الماضي لتفاجئنا في المستقبل بفيلم عن تونس اليوم الآن وهنا

 *كوثر الحكيري 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.