في العالم

ترسيم الحدود البحرية يشعل مواجهة جديدة بين المغرب وإسبانيا..

على غرار الأزمة بين تركيا واليونان بعد توقيع أنقرة اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، تلوح في الأفق أزمة مشابهة بين المغرب وإسبانيا بسبب ترسيم الحدود البحرية يمكن أن تصل للأمم المتحدة.

فرغم كل الضغوط السياسية والإعلامية الممارسة من قبل إسبانيا، صادق البرلمان المغربي بالإجماع على قانونين يبسطان سيادة المغرب البحرية على الأقاليم الجنوبية، لتشمل المياه والجرف القاري للصحراء، والتي يؤكد المغرب أنها جزء من أراضيه، في حين تطالب جبهة «البوليساريو» باستقلالها.

المملكة المغربية قررت بسط سيادتها الكاملة على المجال البحري الممتد من مدينة طنجة شمالاً إلى الكويرة (قرية يعتبرها المغرب تابعة له، تديرها موريتانيا بأقصى جنوبي الصحراء)، بدلاً من طرفاية، مع تحديد الجرف القاري للبلاد والمنطقة الاقتصادية الخالصة والمياه الإقليمية بناءً على اتفاقية قانون البحار.

وعلى الرغم من انتهاج المغرب لهذه الخطوة السيادية التي يعتبرها متوافقة مع قواعد القانون الدولي،  فإن الرباط حريصة على أن تكون هذه الخطوات في جو من الحوار والتفاوض والحفاظ على حُسن الجوار مع إسبانيا.

نزاع حول ترسيم الحدود البحرية بين المغرب وإسبانيا وتلويح بالتوجه للأمم المتحدة

48 ساعة فقط بعد إقرار القانونين الذي يتعلق أوله بالمياه الإقليمية للصحراء، والثاني بالمنطقة الاقتصادية الخالصة التي تبلغ طولها 200 ميل والتي تغطي جزر الكناري الإسبانية، وتوسيع نطاق حقوق الجرف القاري والتي تصل إلى 350 ميلاً بحرياً من الشاطئ، حلَّت وزيرة الخارجية الإسبانية بالرباط.

وعلى الرغم من طمأنة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة لنظيرته الإسبانية أرانشا غونزاليس لاي، خلال لقاء جمعهما، إلا أن رئيس حكومة جزر الكناري، أنجيل فيكتور توريس، أكد أن لديه «التزاماً من الدولة بتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة إذا ما بسط المغرب سيادته على مياه الكناري».

رئيسة الدبلوماسية الإسبانية صرّحت لوسائل إعلامية تابعة لبلادها بأن إسبانيا ستظل «يقظة لضمان احترام التشريعات الدولية». في حين قال رئيس حكومة جزر الكناري إن إسبانيا ستواجه المغرب في الأمم المتحدة في حالة لم يحترم القانونيْن المصادق عليهما والقوانين الدولية المعمول بها.

إشكالية الجزر.. الثروات الطبيعية والمعدنية مربط الفرس

من الواضح أن العلاقة بين المنطقة الاقتصادية للبر الرئيسي للدول وبين المنطقة الاقتصادية للجزر المواجهة لها يمثل إشكالية متكررة، مثلما حدث في مسألة الخلاف  التركي اليوناني حول وضع جزيرة كريت اليونانية.

وبالعودة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار فإن «لكل دولة ساحلية الحق في أن تكون لها مياه إقليمية تبسط عليها سيادتها الكاملة»، الأمر الذي سيزيد من استغلال المغرب لثرواته السمكية التي تضعه في المرتبة الـ 13 عالمياً من حيث الإنتاج، زيادة على حرية التنقيب عن النفط بسواحل منطقة «مير اللفت».

المنطقة الاقتصادية المحددة في 200 ميل بحري من الشاطئ (370 كيلومتراً)،  تعتبر أحد أكبر الأمور التي تعرقل ترسيم الحدود البحرية المغربية المتقاطعة مع جزر الكناري الواقعة تحت سيطرة إسبانيا.

خارطة للصحراء توضح الحدود وفقاً لخرائط المغرب والبوليساريو وخريطة القوى المسيطرة فعلياً/wikimedia

القانون الدولي يتيح استغلال ثروات المنطقة الاقتصادية، ما يشكل منطقة تماس ما بين المغرب وإسبانيا بسبب التداخل مع مياه جزر الكناري، وهي النقطة التي باتت تشكل ناقوس خطر لسياسيي إسبانيا وإعلامييها، بسبب الثروات القابعة تحت مياه الأطلسي الواقعة ما بين سواحل الأقاليم الجنوبية المغربية وجزر الكناري الإسبانية.

استغلال الموارد الطبيعية والثروات الباطنية الموجودة في قاع البحر وما تحته بمحاذاة السواحل، يبقى من أكثر التحديات التي تواجه المغرب وإسبانيا في ظل اكتشاف معادن مثل التيلوريوم والكوبالت والباريوم والنيكل والرصاص والفاناديوم والليثيوم في باطن الأرض البحرية.

جبل تروبيك.. الكنز الأطلسي المغمور 

منذ أن أعلن علماء وباحثون نتائج دراسات قاموا بها على الجبال البحرية العميقة الواقعة بمياه المحيط الأطلسي قبالة السواحل الجنوبية للمغرب، التي سبقتها جهود علمية مبكرة لمعهد دراسات المحيط بشراكة مع جامعات إسبانية، حتى بدأت معركة التسابق نحو حيازة جبل يسمى «تروبيك».

يوجد الجبل البركاني الخامد على عمق 1000 متر، وكان نشطاً قبل 119 مليون عام، ويبعد عن جزيرة «إلهييرو» أصغر جزر الكناري التابعة لإسبانيا بنحو 500 كيلومتر.

وأكدت الدراسات أن «تروبيك» غني بالمعادن المهمة، إذ يحتوي على 10% من الاحتياطي العالمي من «التيلوريوم» المستعمل في صناعة ألواح الطاقة الشمسية والإلكترونيات، إلى جانب مخزون ضخم من «الكوبالت» المستخدم في صناعة السيارات والصناعات العسكرية.

موقع جزر الكتاري قبالة سواحل المغرب/wikipedia

الدراسات بخصوص الجبل كشفت أرقاماً تقريبية لكميات المعادن التي يزخر بها جبل «تروبيك» النفيس، يأتي في مقدمتها الكوبالت بكمية تناهز 7.1 كلغ عن كل متر مكعب، ثم الباريوم بـ 5.6 كلغ، والفاناديوم بـ 3.6 كلغ، والنيكل بـ 2.9 كلغ، والرصاص بـ 2.1  كلغ عن كل متر مكعب.

الخبير الاقتصادي مهدي الفقير قال إن ترسيم المغرب لحدوده يأتي من أجل الحفاظ على مصالحه، لافتاً إلى أن القرار لا يمكن إلا أن يكون إيجابياً للبلاد، وفي نفس الوقت سيبني لبنة جديدة من التعاون مع الشريك الإسباني والأوروبي عموماً.

وأضاف الفقير لـ «عربي بوست» أن التوقيت فرض نفسه، وأن للمغرب مصالح أشمل على رأسها ترسيخ وحدته الترابية، بالإضافة إلى مصالح اقتصادية من قبيل الثروات السمكية والبنى التحتية والتجارة البينية، خاتماً كلامه بالقول إن المسألة أبعد وأشمل من المصالح الاقتصادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.