تركيا تساوم أوروبا بورقة المهاجرين
أعلنت تركيا أنها لن تمنع بعد اليوم اللاجئين من عبور حدودها إلى أوروبا. ونشرت وسائل إعلام تركية لقطات فيديو لمهاجرين يتجهون إلى الحدود مع اليونان وبلغاريا. وردت أثينا على ذلك بتعزيز المراقبة على حدودها البرية والبحرية.
وعُقد الاجتماع بعد مقتل 33 عسكريا تركيا على الأقل في منطقة ادلب بشمال غربي سوريا في ضربات جوية نسبتها أنقرة لقوات النظام السوري المدعومة عسكريا من روسيا.
وقال المسؤول التركي أمس الجمعة (27 فيفري 2020) رافضا الكشف عن اسمه “لن نبقي بعد الآن الأبواب مغلقة أمام المهاجرين الراغبين في التوجه الى أوروبا”. وأضاف بأن أوامر صدرت للشرطة التركية، وخفر السواحل ومسؤولي أمن الحدود بعدم منع عبور اللاجئين عبر البر والبحر صوب أوروبا، تحسبا لتدفق وشيك للاجئين من إدلب.
وكانت وسائل إعلام تركية ذكرت في وقت سابق أن مجموعات مهاجرين كانت تتجه صباح الجمعة نحو الحدود مع اليونان في غرب تركيا.
وقالت وكالة دمير أوران التركية للأنباء إن حوالى 300 مهاجر ا بينهم نساء وأطفال من سوريا والعراق وإيران وباكستان والمغرب وصلوا إلى محافظة أدرنة على الحدود اليونانية. وأضافت الوكالة أن مهاجرين تجمعوا أيضا عند ضاحية أيواجيك على الساحل الغربي لتركيا في إقليم جناق قلعة بهدف السفر إلى جزيرة ليبسوس اليونانية في قارب.
وقالت رويترز التي نقلت الخبر أنه لم يتسن لها التحقق على نحو مستقل من هوياتهم هؤلاء المهاجرين أو وجهتهم. كما لم يتسن التحقق من صحة لقطات فيديو للمهاجرين بثتها قنوات تلفزيونية تركية مؤيدة للحكومة
ولم تتأخر اليونان بالرد على التطورات الأخيرة وإعلان تركيا فتح الحدود أمام المهاجرين، إذ قالت مصادر حكومية يوناينة إن أثينا عززت إجراءات المراقبة على الحدود البحرية والبرية مع تركيا بعد التطورات التي وقعت الليلة الماضية في إدلب السورية. وذكرت المصادر التي طلب عدم الكشف عن هويتها أن أثينا على اتصال أيضا بالاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي في هذا الصدد.
وكانت تركيا هددت عدة مرات في السابق “بفتح الأبواب” إلى أوروبا أمام المهاجرين، ما يعتبره المراقبون وسيلة ضغط على دول الاتحاد الاوروبي التي لا تزال تحت وطأة أزمة الهجرة التي شهدتها في صيف 2015. وتوجه حينذاك مئات آلاف الأشخاص إلى أوروبا عبر تركيا هربا من النزاعات في الشرق الأوسط.
وفي مارس 2016 أبرمت تركيا والاتحاد الأوروبي اتفاقا حول الهجرة أدى إلى تراجع كبير في أعداد المهاجرين الذين يتوجهون نحو اليونان. لكن أثينا والاتحاد الأوروبي تحدثا عن ارتفاع في عدد الوافدين في الأشهر الماضية.
بعد أن هددت مراراً وتكراراً بفتح الحدود أمام اللاجئين للعبور إلى أوروبا، يبدو الآن أن تركيا بدأت فعلا بتنفيذ هذه التهديدات من خلال السماح للاجئين بالتوجه إلى صوب الحدود الأوروبية بالفعل. فإثر تصريحات مسؤول تركي بأنهم قرروا “عدم منع اللاجئين السوريين من الوصول إلى أوروبا براً وبحراً”، توجه مئات المهاجرين إلى حدود اليونان وبلغاريا، واللتان أكدتا على عدم السماح بدخول المهاجرين إليهما.
جاء ذلك بعد أن تلقت أنقرة إحدى أشد الصفعات في سوريا، بفقدان 33 من جنودها على الأقل في ضربة جوية في إدلب. وتثير نبرة تركيا الحادة تساؤلات عن غايتها منها، كما تجدد المخاوف الأوروبية من انهيار اتفاقية اللاجئين بينها وبين الاتحاد الأوروبي.
“تركيا تبتز أوروبا“
ويرى فادي حاكورة، خبير الشؤون التركية في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن، أن تركيا “تبتز” أوروبا وتهدف من خلال فتح الحدود إلى “جر أوروبا إلى مستنقع الحرب السورية”. ويضيف في حديث لـDWعربية: “تركيا تريد –من جهة- أن تحصل على تأييد أوروبي لعملياتها العسكرية في شمال سوريا وخصوصاً في إدلب، كما أنها تريد –من جهة أخرى- الحصول على مزيد من الأموال من أوروبا”.
ويتفق كريستيان براكل، مدير مؤسسة هاينريش بول الألمانية في تركيا، أن أنقرة تقوم بـ”ابتزاز” أوروبا، ويتابع لـDWعربية: “الاتحاد الأوروبي هو الذي جعل نفسه قابلاً للابتزاز من قبل تركيا”، موضحاً أنه “لو اتفقت الدول الأوروبية على سياسة لجوء موحدة، لم يكن سيبقى لأردوغان سوى إمكانيات ضغط أقل بكثير”.
لكن ورغم ذلك، يرى براكل، أن “احتمالية تنفيذ أردوغان لتهديداته أقل مما قد يعتقد هو نفسه”، ويبرر ذلك بالقول: “رأينا أن عشرات الأشخاص شقوا طريقهم اليوم إلى الحدود اليونانية والبلغارية، لكن لا يمكن الحديث عن موجة لجوء جماعية”، ويضيف: “وهذا دليل على أنه ليس من السهل التحكم بحركات جماعية لأشخاص من سوريا وأفغانستان، على عكس ما يدعي أردوغان دائماً”.
إلا أن سمير صالحة، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كوجلي في إسطنبول، يرى أن التهديدات التركية لا تدخل في إطار “ابتزاز” أوروبا، ويوضح في حوار مع DWعربية: “تركيا تضغط لكي تتحرك العواصم الأوروبية وتضغط سياسياً على موسكو لتغيير سياستها في إدلب، وبذلك تقطع الطريق على موجة نزوح أكبر باتجاه تركيا”. والهدف الآخر لتهديدات تركيا، كما يرى صالحة، هو “الضغط على أوروبا لدعم الطرح التركي باتجاه إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا”.
ويعتقد الخبير الألماني بالشؤون التركية، كريستيان براكل، أن الرغبة التركية في الحصول على دعم أوروبي ضد روسيا “منطقية”، لكنه يرى أن تركيا “لن تحصل على دعم عسكري من أوروبا”، ويضيف: “من الصعب جداً تخيل أن تكون دول الاتحاد الأوروبي مستعدة للانخراط في عملية عسكرية ذات نتائج مجهولة ضد روسيا”.
هل ماتت اتفاقية اللاجئين؟
ورغم أن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة أشارا إلى أن أنقرة لم تعلن “رسمياً” عن تغيير موقفها بالنسبة للحدود، إلا أن هناك مخاوف من نقض أنقرة لاتفاقية اللاجئين التي وقعتها مع الاتحاد الأوروبي في 2016.
وفي ظل التهديدات التركية المستمرة بفتح الحدود، يرى كريستيان براكل أن “اتفاقية اللاجئين قد انتهت إذا نظر إليها المرء كما كانت مكتوبة بالضبط”، لكنه يشير إلى أن الطرفين يريدان الالتزام بها لأن كليهما يستفيدان منها، على حد قوله.
وبحسب الخبير في الشأن التركي فادي حاكورة فإن أوروبا “ستعيد إحياء الاتفاقية” من خلال تقديم المزيد من الأموال إلى تركيا، ويبرر ذلك بأن “الدول الأوروبية تخاف من صعود اليمين الشعبوي بشكل أكبر في حال حدوث موجة لجوء كبيرة أخرى”.
أما سمير صالحة فيرى أن اتفاقية اللاجئين قائمة وأن التطورات الأخيرة “فرصة مهمة جداً أمام الطرفين للتفاهم حول ما يمكن أن تقدمه أوروبا لتركيا ولتنسيق المواقف والضغط على روسيا لوقف استهداف المدنيين في إدلب”.
مصير المدنيين في إدلب
وفي وقت تفسح تركيا الطريق أمام اللاجئين الذين يعيشون فيها نحو الحدود الأوروبية، لايزال مئات آلاف النازحين من إدلب عالقين في المناطق الحدودية مع تركيا. ويستبعد الخبير الألماني كريستيان براكل أن تفتح تركيا أبوابها في وجه النازحين من إدلب، ويبرر ذلك بأن تركيا تخشى من أن يبقى غالبية اللاجئين فيها.
لكن سمير صالحة يرى أنه في حال استمر التصعيد في إدلب “فإن أنقرة ستفتح الأبواب أمام الكثير من الحالات الإنسانية التي لابد أن تدخل إلى الأراضي التركية”.
ويرى الخبير الألماني كريستيان براكل أن اتفاقية اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي “لم تكن حلاً صحيحاً أبداً”، ويضيف: “بل لم تكن في أفضل الأحوال إلا مثل لصاقة طبية على الجرح العميق للسوريين”.
المصدر:DW