في العالم

ضغوط كبيرة.. هل تبدأ دول عربية بتخفيف إجراءات كورونا؟

 

بدأ الأسبوع في أوروبا بأنباء جد سارة، فقد تراجعت أعداد الوفيات في العديد من الدول، خاصة إيطاليا التي سجلت ما بين الأحد والاثنين الماضيين أدنى حصيلة وفاة منذ ثلاثة أسابيع، لم تزد عن 431 حالة، كما انخفض عدد الإصابات اليومية في ألمانيا وإسبانيا.

هذه الأرقام الإيجابية دفعت بإسبانيا إلى تخفيف إجراءات الحجر الصحي، وسمحت بعودة العمل جزئيا في بعض القطاعات منها الصناعة والبناء، فيما أوصت الأكاديمية الوطنية للعلوم في ألمانيا “ليوبولدينا”، بعودة طبيعية للحياة على مراحل، في حال استمر انخفاض أرقام الإصابات الجديدة، ما يجعل الكثيرين يتوقعون رفع برلين لعدد من الإجراءات الصارمة التي أعلنت عنها في الأيام المقبلة، بينما أعلنت دول أخرى كالدانمارك والنرويج عن عودة الدراسة في بعض القطاعات التعليمية.

 كما سُجلت أرقام إيجابية في بعض الدول العربية، ومنها الأردن الذي لم يسجل أيّ إصابة جديدة يوم الجمعة الماضي قبل أن تعود الحصيلة ارتفاعا جد ضئيل، ما حدا بالملك عبد الله الثاني إلى التأكيد أن الحياة ستعود إلى طبيعتها في البلد قريباً، كما تراجع مؤشر الوفيات في مصر بشكل ملحوظ، مسجلاً أدنى مستوى له منذ 9 أيام حسب بيانات رسمية نشرها موقع مصراوي.

لكن هل تدفع هذه الأرقام بدول عربية إلى البدء في تخفيف الإجراءات؟ خاصة أن منها من استثنى عدة قطاعات صناعية من الحجر الصحي ومنها من ألزم المواطنين بالحجر الصحي في فترات متقطعة وليس اليوم بطوله؟

هل يجب رفع الحجر؟

كان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس قد حذر من أن أيّ رفع متسرّع لإجراءات العزل الصحي قد يؤدي على عودة قاتلة للوباء، مطالباً بضرورة التعامل السليم مع تراجع عدد الإصابات بالوفاة.

غير أن هناك من يملك نظرة أخرى. الطبيب المغربي المقيم بفرنسا، زهير لهنا يرى أنه يمكن رفع الحجر الصحي في الكثير من الدول، مع شرط تشديد السلطات على استمرار إجراءات الوقاية ومن ذلك وضع الكمامات وغسل اليدين باستمرار ومنع المصافحة، مبرّراً ذلك بالقول إنّ عدد المرضى الذين يحتاجون العناية المركزة يبقى عددهم قليلاً في أغلب الدول مع استثناءات قليلة.

إجراءات صارمة في الأردن لمواجهة كورونا
إجراءات صارمة في الأردن لمواجهة كورونا

ويبّرر لهنا كلامه في تصريح لـDW عربية بالقول إن درجة التزام السكان بالحجر الصحي غير قوية، وهناك خرق كبير لقوانين حالات الطوارئ الصحية في أكثر من بلد، مضيفاً أن الطريقة التي يدار بها الحجر الصحي حالياً غير ناجعة طبيًا، وأن ارتفاع حالات الوفيات، مقارنة مع عدد الإصابات في أكثر من بلد، يعود إلى ضعف التعامل مع الحالات التي تستوجب الإنعاش.

من جهته يقول الباحث الاقتصادي رشيد أوراز لـDW عربية إن تقييم رفع إجراءات حالة الطوارئ الصحية يختلف من دولة عربية إلى أخرى، لكنه عموماً سيأخذ وقتاً، ولن يتم البدء في العملية إلّا إذا كان هناك اقتناع عالمي أن الحجر الصحي الحالي لن يؤدي إلى الحدّ من وباء كورونا، مبرزاً أن بعض الدول عبر العالم بدأت تقتنع أنه من غير الممكن استمرار الخسائر الاقتصادية في ظل استمرار تأخر اللقاح، والأولى عودة بعض القطاعات للعمل لكن مع استمرار إجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي.

ويضيف أوراز أن الإجراءات الحالية تضرّ بالاقتصاد، لكن الضرر سيكون أكبر لو رُفعت حالة الطوارئ بشكل متسرّع، لأن الفيروس يصيب أهم عنصر في الاقتصاد، أي العنصر البشري. وفي جواب على تأثير الإجراءات على القطاع السياحي في بلدان عربية تعدّ السياحة أحد أنشطتها الاقتصادية الرئيسية، يجيب الباحث أن القطاع لن يتعافى على أقل تقدير إلّا في فصل الصيف، والسياح عموماً لن يبدأوا بالتدفق بمجرد رفع الإجراءات لأن التخوّف العالمي سيستمر لبعض الوقت.

ترّدد واسع في رفع الإجراءات

أكبر تحدِ يواجه الكثير من الدول العربية، هو ضعف عدد الاختبارات على المشتبه بإصابتهم بالفيروس، والمثال بمقارنة بسيطة بين ألمانيا التي أجرت إلى غاية 10 افريل أكثر من مليون اختبار، مقابل تونس التي أجرت إلى غاية 13 افريل حوالي 12 ألف تحليل، مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق بين السكان وتطوّر التجهيزات الطبية بين البلدين.

أجرت ألمانيا أكثر من مليون تحليل على المشتبه بهم منذ بداية انتشار كورونا في البلاد.أجرت ألمانيا أكثر من مليون تحليل على المشتبه بهم منذ بداية انتشار كورونا في البلاد.

وفي المغرب هناك دعوات لاستمرار الحجر الصحي إلى أبعد من 20 أفريل/، وهو التاريخ الأولي الذي حددته السلطات لرفع إجراءات صارمة سنتها يوم 20 مارس ومن المتوقع أن تعلن الحكومة المغربية عن تمديد الحجر الصحي لأسبوعين إضافيين في اجتماعها الأسبوعي القادم، حسب ما كتبته البرلمانية حنان رحاب.

وفي تونس، دعا الطبيب سمير عبد المومن، عضو لجنة مجابهة الفيروس، إلى تمديد الحجر الصحي الشامل الذي بدأته البلاد يوم 19 مارس الماضي، أسبوعين جديدين، بعد تمديده للمرة الأولى بداية افريل  وكتب عبد المومن على صفحته في فيسبوك أنه قدم هذا الاقتراح للدولة، لكن لم تتم الموافقة عليه بعد. وينتهي الحجر الصحي في تونس يوم 19 افريل.

لكن في مصر التي لم تعلن إجراءات صارمة كما فعلت دول أخرى، عادت بعض القطاعات للعمل منذ الخامس من أفريل الماضي، ومنها قطاع البناء والتشييد الذي يعمل فيه حوالي 4 ملايين عامل، وهو ما برّرته مصر بضرورة استمرار عجلة الاقتصاد في الدوران، كما عادت بعض المحاكم إلى العمل، وتعدّ مصر من أكثر الدول العربية التي تعاملت بشكل مرن مع فيروس كورونا، ومن ذلك أنها لم تلغ صلوات الجماعة في المساجد إلّا بعد ارتفاع الانتقادات بحق وزارة الأوقاف.

وفي الجزائر التي سجّلت بداية الشهر أعلى نسبة وفيات عربياً، لم تتضح بعد سيناريوهات التمديد أو رفع الحجر الصحي، ونقلت صحيفة الخبر أن السلطات العمومية لم تتطرق لموعد رفع الإجراءات، وأن هناك مؤشرات لعدم نيتها رفع الحجر في الأيام المقبلة، لأسباب منها ضعف التزام المواطنين بالإجراءات، وعدم قدرة السلطات على توفير أجهزة التحاليل والأقنعة الطبية بالعدد الكافي، فضلاً عن عدم قدرتها تحديد بؤر الوباء في البلد.

ضغوط كبيرة

لكن الدول العربية غير النفطية تقع في تحدٍ حقيقي، هو استمرار الحجر الصحي للحدّ من انتشار الفيروس، وكذلك إيجاد حلّ للملايين من السكان الذين تضرّرت أنشطتهم الاقتصادية جرّاء إجراءات الطوارئ. ورغم أن عدة دول سارعت إلى خلق صناديق تضامنية لمساعدة الأفراد وحتى الشركات المتضررة، إلّا أنه سيكون صعباً على هذه الصناديق تغطية كل النفقات التي يحتاجها السكان.

أعلنت الحكومة المغربية عن صندوق لمواجهة كورونا رُصدت له اعتمادات مالية ضخمة.أعلنت الحكومة المغربية عن صندوق لمواجهة كورونا رُصدت له اعتمادات مالية ضخمة.

وفي هذا الصدد يقول زهير لهنا إن المشكل الأكبر مع فيروس كورونا هو التهويل: “عدد الوفيات بالفيروس وصل حالياً عبر العالم إلى 120 ألفا، بينما تقتل الانفلونزا العادية سنوياً أكبر بكثير من هذا الرقم”، مضيفا أن استمرار الحجر الصحي قد يخلق صدامات بين سلطات عدة دول وشعوبها الفقيرة، خاصة منها التي تقطن في مساكن ضيقة أو “صفيحية” على أطراف المدن، إذ كان الخروج للشارع متنفسها الوحيد.

لكن أوراز يملك رأياً آخر، إذ يقول إن وضع انتشار الفيروس هو الذي يتحكم في الإجراءات وليس الوضع الاقتصادي المتدني، مبرزاً أنه يجب الاستمرار في الوضع الحالي إلى غاية ظهور مؤشرات حقيقية على إمكانية احتواء الفيروس. ويضيف الباحث: “صحيح أن الدول ستتعرض لضغوط كبيرة، لكن هناك وعياً عاماً أن رفع الإجراءات بشكل غير محسوب سيهدّد حياة الناس، وهم غير مستعدين للمخاطرة بحياتهم”.

الكاتب: إسماعيل عزام

DW

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.