في العالم

أفغانستان: طالبان على مشارف العاصمة كابول

سيطر مقاتلو طالبان مساء السبت (14 اوت  2021) على مزار شريف، آخر كبرى مدن شمال أفغانستان التي كانت تسيطر عليها القوات الحكومية، وذلك “من دون أن يصادفوا مقاومة تذكر”، وفق ما أفاد سكان وكالة فرانس برس.

وقال عتيق الله غيور الذي يقيم في جوار المسجد الأزرق الشهير في مزار شريف إن متمردي طالبان “يحتفلون على آلياتهم ودراجاتهم النارية مطلقين النار في الهواء”، لافتا إلى أن القوات الافغانية انسحبت من المدينة.

تعهد حكومي بمواجهة طالبان

من جهته، تعهد الرئيس الأفغاني أشرف غني السبت بـ “إعادة تعبئة القوات الأمنية والدفاعية ووضعها على رأس أولوياته”. وأفاد عن بدء مشاورات، بالقول إنها “تتقدم بسرعة” داخل الحكومة مع المسؤولين السياسيين والشركاء الدوليين لإيجاد “حل سياسي يضمن توفير السلام والاستقرار للشعب الأفغاني”.

وبات الوضع الميداني حرجاً للغاية بالنسبة الى الحكومة، إذ تمكنت طالبان خلال ثمانية أيام من السيطرة على معظم الشمال والغرب وجنوب أفغانستان، أي حوالي نصف عواصم الولايات الأفغانية.

أشرف غنيتعهد الرئيس الأفغاني أشرف غني السبت بـ “إعادة تعبئة القوات الأمنية والدفاعية ووضعها على رأس أولوياته”.

ولا يبدو أن الحركة ستبطئ زحفها. فقد سيطرت السبت على ولاية كونار في الشرق وصار بإمكانها أن تتقدم نحو كابول من الشمال والجنوب والشرق.

ولا تزال كابول وجلال أباد في الشرق وغارديز وخوست (جنوب شرق) المدن الكبرى الوحيدة التي لا تزال تحت سيطرة الحكومة.

خوف وسط سكان كابول

ويسيطر الخوف على سكان كابول وعشرات آلاف الأشخاص الذين لجأوا إليها بعد الفرار من منازلهم في الأسابيع الأخيرة.

وقالت مزدة (35 عاما) التي وصلت إلى العاصمة مع شقيقتها من ولاية بروان شمالا، لوكالة فرانس برس “أبكي ليل نهار عندما أرى طالبان تجبر الفتيات الصغيرات على الزواج من مقاتليها، رفضت عروض زواج في الماضي، إذا أجبرني (مقاتلو) طالبان على الزواج منهم فسأنتحر”.

Afghanistan - Taliban-Kämpferباتت طالبان بعد سيطرتها الجمعة على مدينة بولي علم، عاصمة ولاية لوغار، على بعد 50 كيلومترا فقط إلى الجنوب من كابول.

من جهته، قال داود هوتاك (28 عاما) وهو تاجر من كابول إنه “قلق بشأن مستقبل” شقيقاته الصغيرات ولا يعرف “ماذا سيحدث لهن. … إذا ساء الوضع حقًا سنغادر أفغانستان مرة أخرى كما فعلنا مطلع تسعينات” القرن الماضي.

ويخشى كثير من الأفغان وخصوصا النساء، اللواتي اعتادن على الحرية التي تمتعوا بها في السنوات العشرين الماضية، عودة طالبان إلى السلطة.

فعندما حكمت البلاد بين 1996 و2001 قبل أن يطردها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة من السلطة، فرضت طالبان رؤيتها المتطرفة للشريعة الإسلامية. فمُنعت النساء من الخروج بدون محرم ومن العمل. كما مُنعت الفتيات من الذهاب إلى المدرسة. وتعرضت النساء المتهمات بجرائم مثل الزنا، للجلد والرجم.

ألمانيا تجلي موظفيها

وأعلنت وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب-كارنباور أن الجيش الألماني سيشارك في إخلاء سفارة ألمانيا في كابول وإجلاء موظفيها.

وقالت في بيان إن ألمانيا بصدد “تعبئة أوائل عسكرييها بأسرع ما يمكن”. وتابعت “الوضع الأمني في أفغانستان يواصل التدهور”، مضيفة أن جيشها سيؤازر وزارة الخارجية في إعادة الرعايا الألمان وإجلاء الطاقم الأفغاني “الذي يحتاج إلى حماية ألمانيا”.

أفغانستان ـ إحياء لجروح وهزائم لم يتعلم منها الغرب!

تُحيي مشاهد إجلاء مدنيين ودبلوماسيين غربيين على وجه السرعة من كابول، المهددة بزحف طالبان، بذكريات مؤلمة في فيتنام والصومال وغيرها. فيما تتابع ألمانيا بقلق بالغ هذه التطورات التي قد تكون لها تداعيات غير محسوبة على أوروبا.

    

إنزال العلم الأمريكي خلال مراسم تسليم إحدى القواعد في أفغانستان إلى الجيش الوطني الأفغاني. إنزال العلم الأمريكي خلال مراسم تسليم إحدى القواعد في أفغانستان إلى الجيش الوطني الأفغاني.

بات الأمر مجرد مسألة وقت إلى حين سيطرة حركة طالبان على كامل التراب الأفغاني، بعدما احتلت منذ بداية اوت  أجزاء كبيرة من أراضي البلاد في هجوم شامل شنته مع بدء انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو).

ويبدو أن الزحف السريع لقوات طالبان باغث القوات الدولية. فمع إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إرسال جنود مجددا، تذكر العالم الصورة التي خلدت هزيمة الولايات المتحدة الهزيمة الأمريكية في فيتنام ويظهر فيها لاجئون يستقلون مروحية على سطح أحد المباني. وبات من المرجح أكثر من أي وقت مضى، أن يعود الوضع في أفغانستانللمربع الأول، وكأن القوات الدولية، بزعامة حلف الناتو، لم تحقق أيا من أهدافها، في سيناريو رهيب مفتوح على كل الاحتمالات، أبرزها تأسيس دولة خلافة متشددة ونزوح مئات الآلاف من اللاجئين وفتح صفحة جديدة من حرب أهلية طويلة الأمد سيكون المدنيون، كالعادة، أول من سيؤدي فاتورتها.

وتتابع ألمانيا هذا الوضع “الكارثي” باهتمام بالغ، خصوصا وأن الجيش الألماني كان متواجدا إلى جانب القوات الدولية في أفغانستان على مدى عشرين عاما. نوربرت روتغن، القيادي في حزب ميركل ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الألماني حذر من مواجهة “كارثة” دولية في أفغانستان، خصوصا بعد سقوط مدينة قندوز في يد طالبان. وقال لصحيفة “فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ” (الأحد الثامن من اوت  2021) إن هناك خطرا محدقا يتمثل في استيلاء الإسلاميين على الدولة بأكملها. وأضاف “يجب ألا يتم السماح الآن بأن يقوموا (الإسلاميون) بإرساء حقائق عسكرية على الأرض من جانب واحد”. وشدد على ضرورة عدم السماح بتدمير نتائج عمل دولي على مدار عشرين عاما “أي أنه إذا كانت القدرات العسكرية للأوروبيين وللألمان، التي هناك حاجة إليها الآن، موجودة، فلابد من أن نوفرها”.

غير أن وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارينباور لها رأي آخر، فقد أقرت بشكل واضح أن وقف طالبان يتطلب خوض حرب شاقة وطيلة الأمد، وهو ما يعني أن أفغانستان ستترك الآن لمصيرها.

كتب موقع “شبيغل أونلاين” (الخميس 12 اوت ) مقالا اعتبر أن  “فشل الغرب في أفغانستان كان متوقعًا، فالحرب ليست بديلاً للسياسة ولا تدبيرًا إنسانيًا على الإطلاق”. واعتبر الموقع أنه حينما تُمنى الخطط العسكرية للديموقراطيات بالهزيمة، فإنها لا تهتم بتفاصيل كل التطورات على الميدان “إذا لم يكن الأمر مثيرًا للشفقة، فسيكون مثيرًا للضحك، فلم تعد ألمانيا تحاول حتى إعطاء انطباع بالموثوقية والولاء لحلفائها”، في إشارة للنقاش الدائر حول عدد الأفغان المتعاونين مع الجيش الألماني، الذين يمكن لألمانيا تحملهم بإنقاذهم من بطش طالبان.

واستعرض المقال السياق التاريخي الذي تدخل فيه الغرب في أفغانستان بعد نهاية الحرب الباردة “في ذلك الوقت، شعرت الديمقراطيات الغربية، وخاصة قوتها الأولى، الولايات المتحدة، بأنها خرجت منتصرة وبدا لها كل شيء ممكناً وأن كل مشكلة قابلة للحل”.

ويواجه ملايين الأفغان خطرا داهما اليوم على شكل سيناريوهات كوارثية، وخصوصا النساء وكذلك الأقليات والمفكرين والإصلاحيين وأصدقاء الغرب عموما، فيما يبدو أن تقديرات وكالات الاستخبارات الغربية ربما تكون أخطأت في تقييم الوضع. فقد سبق لوكالة الاستخبارات الأمريكية أن اعتبرت أن الرئيس السوري بشار الأسد لن يستمر أكثر من بضعة أشهر في السلطة بمجرد انطلاق الربيع العربي. وبعد عشر سنوات لا يزال الأسد رئيسا لسوريا.

ويرى عدد من المعلقين الألمان أن الانسحاب من أفغانستان يعتبر إهانة للغرب ونقطة تحول أساسية في السياسة الدولية. فتحت عنوان “العالم بدون شرطي” كتبت “فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ” (الجمعة 13  اوت ) تعليقا رأت فيه أنه كان من الواضح منذ فترة طويلة أن المقولة المأثورة التي ما فتأت حركة طالبان ترددها خلال السنوات الأخيرة تبثث صحتها في نهاية المطاف ومفادها “صنعتم الساعات، فيما نملك نحن الوقت. لقد فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها بسبب الأخطاء الإستراتيجية وبسبب الافتقار إلى الاتساق”.

أوروبا مثل ألمانيا تتوقعان تدفقا هائلا للاجئين

تتوقع ألمانيا زيادة تدفق عدد اللاجئينالأفغان نحو أوروبا، وبهذا الصد أكد وكيل وزارة الخارجية نيلس أنين في تصريح لمجموعة “فونكه” الألمانية الإعلامية نشرت يوم الخميس (12 اوت ) “من السذاجة الاعتقاد بأن تقدم طالبان والعنف في منطقة الحرب لن يكون لهما عواقب من حيث سياسة الهجرة، حيث سيضطر أشخاص من أفغانستان إلى الفرار بشكل أكبر من السنوات الماضية”. وتابع موضحا “سوف نشعر بالتداعيات في ألمانيا أيضا، حتى لو لم يكن ذلك خلال الأسابيع القادمة”، لافتا إلى أن ألمانيا تعد “وجهة جذابة” بالنسبة للأفغان.

من جهته، أكد وزير الهجرة اليوناني نوتيس ميتاراتشي (الأربعاء 11 اوت ) أن الاتحاد الأوروبي ليس في وضع يسمح له بالتعامل مع أزمة مهاجرين على غرار تلك التي حدثت في عام 2015 بعد انفجار الوضع في سوريا، وعليه أن يحاول منع الفارين من الصراع الأفغاني المتفاقم من دخول أراضيه.

وبهذا الصدد علقت صحيفة “نويه تسوريخه تسايتونغ” (11 أوت ) على هذه التطورات وتداعياتها على أوروبا وكتبت “لجعل طالبان يقدمون على الأقل حدًا أدنى من التنازلات؛ يمكن للغرب وقف الأموال عنهم. غير أن ذلك ستكون له عواقب وخيمة على سكان يعتمد أكثر من نصفهم بالفعل على المساعدات الإنسانية، ومع اشتداد القتال من أجل السيطرة على المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، سيستمر عدد الضحايا المدنيين وكذلك اللاجئين في الارتفاع. فقد نزح مئات الآلاف منذ بداية العام (..) هذا ما نشعر به نحن في أوروبا”.

وأوضحت الصحيفة أن “الأفغان أصبحوا بالفعل ثاني أكبر مجموعة من طالبي اللجوء في أوروبا بعد السوريين. في الأشهر المقبلة، سيزداد الضغط على الحدود الخارجية بشكل حاد مرة أخرى، وفي الوقت نفسه لن يكون من الممكن إعادة اللاجئين إلى منطقة الحرب “.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.