في العالم

إصلاح اتفاقية “شنغن”.. المزيد من المراقبة على الحدود الأوروبية وتسهيل عمليات “الصد”

توصل مسؤولون أوروبيون،الثلاثاء، إلى إدخال تعديلات على اتفاقية “شنغن” التي من المفترض أن تضمن حرية الحركة والتنقل بين 27 دولة. ويسعى الإصلاح إلى منح الدول الأعضاء المزيد من الصلاحيات على الحدود وتمديد عمليات المراقبة بهدف الحد من حركة الهجرة، الأمر الذي يثير مخاوف المنظمات الحقوقية من ارتكاب “ممارسات عنيفة” بحق المهاجرين، قد تؤدي إلى “تنميط عنصري”.

اتفق المفاوضون من البرلمان الأوروبي ومجلس دول الأعضاء على إصلاح اتفاقية “شنغن”، وإدخال تعديلات تتعلق بفرض وتوسيع الضوابط على الحدود الداخلية والخارجية لهذه المنطقة، حسبما أعلن المجلس الثلاثاء 6  فيفري في بيان صحفي.

ويهدف الإصلاح إلى تشديد المراقبة على الحدود عبر منح سلطات الدول الأعضاء شروطا مخففة تتيح لهم فرض رقابة على حدودهم، ضمن المنطقة التي من المفترض أن تكون فيها حرية التنقل متاحة لجميع المسافرين. ولا يزال يتعين الحصول على موافقة رسمية من قبل البرلمان الأوروبي والمجلس قبل تبني التعديلات الجديدة رسميا.

داخل منطقة شنغن، التي تضم 27 دولة، بما في ذلك 23 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى أيسلندا وليختنشتاين والنرويج وسويسرا، يمكن للأشخاص التنقل بحرية دون الخضوع للضوابط (لمعاينة الخريطة التفاعلية، يمكن الضغط هنا). ولكن منذ عام 2015، وبسبب ضغوط الهجرة أو التهديد الإرهابي أو جائحة كورونا، أعادت العديد من البلدان فرض قيود على الحركة وأجرت عمليات تحقق من هوية الأفراد على حدودها.

خريطة منطقة شنغن المنشورة على الموقع الرسمي للمجلس الأوروبي
خريطة منطقة شنغن المنشورة على الموقع الرسمي للمجلس الأوروبي

اتفاقية “شنغن” تسمح للدول بفرض رقابة على حدودها ولكن لفترة مؤقتة وضمن شروط معينة، إلا أنه مع الإصلاح الجديد بات من الممكن فرض تلك الضوابط لوقت أطول.

وأوضحت وزيرة الداخلية البلجيكية أنيليس فيرليندن، التي تتولى بلادها الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي كل ستة أشهر، أن “حرية الحركة داخل حدودنا الداخلية وأمن حدودنا الخارجية هما حجر الزاوية في منطقة شنغن. والاتفاق الذي تم التوصل إليه اليوم (…) سيوضح ويعزز هاتين الركيزتين”.

مراقبة على الحدود الداخلية لمدة عامين أو ثلاث بدلا عن ستة أشهر

بموجب الإصلاح الجديد، ستتمكن أية دولة من فرض الرقابة على حدودها، لمدة عامين قابلة للتمديد عاما واحدا، في حالة وجود تهديد خطير لأمنها. وسيتعين على هذه الدول تقييم مدى ضرورة هذه الضوابط، وتحديد ما إذا كانت هناك تدابير بديلة يمكن اتخاذها

قبل الإصلاح الجديد، كان بإمكان الدول فرض الضوابط بشكل استثنائي ومؤقت لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد إلى عامين كحد أقصى، في حالة وجود تهديد خطير للنظام العام أو الأمن الداخلي لدولة ما. فيما كانت أشارت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي في  افريل  2022 إلى أنه يجب ألا تتجاوز تلك المدة ستة أشهر.

على سبيل المثال، أعادت فرنسا خلال الفترة الماضية فرض الرقابة على حدودها المشتركة مع جارتها إيطاليا مؤقتا، رغم أن كلتاهما عضوتان في منطقة “شنغن”. وبررت فرنسا ذلك لدواع أمنية، وكانت تهدف الحد من دخول المهاجرين إليها.

إعادة على المناطق الحدودية

وفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع المجلس الأوروبي، يتضمن الإصلاح الجديد أيضا السماح لأي دولة عضو بنقل رعايا الدول الثالثة (المهاجرين) الذين توقفهم الشرطة في المنطقة الحدودية إلى الدولة العضو التي وصلوا منها مباشرة. لكنها تحدد بأن ذلك يجب أن يكون في سياق “إطار تعاون ثنائي”، بين البلدين.

على سبيل المثال، لطالما أجرت السلطات الفرنسية عمليات مراقبة في المناطق الحدودية مع إيطاليا، لا سيما في مدينة مونتون، وتعمل على التحقق من هويات بعض الأفراد وإيقافهم في محطات القطار المجاورة، الأمر الذي يثير استنكار المنظمات الحقوقية التي ترى في ذلك انتهاكا لحقوق الأفراد.

عمليات صد وفحص “عشوائية” و”تنميط عنصري”

منصة للتعاون الدولي بشأن المهاجرين غير الموثقين (PICUM) أصدرت بيانا انتقدت فيه الاتفاق الجديد، مشيرة إلى أنه سيسمح في تسيير دوريات شرطة مشتركة وإجراء عمليات فحص “عشوائية” للوثائق بالقرب من الحدود بهدف القبض على الأشخاص الذين ليس لديهم وثائق سفر أو إقامة صالحة. إلا أن “الشرطة تميل إلى إيقاف الأشخاص على أساس الخصائص العرقية أو الإثنية أو الدينية”. وبالتالي ستشجع تلك الممارسات “التنميط العنصري”.

ترى المنظمات أن التعديل الجديد يعمل على شرعنة “الممارسة العنيفة” المتمثلة في “الصد الداخلي”، أي القبض على الأشخاص واحتجازهم بدون وثيقة صالحة بالقرب من الحدود الداخلية، ونقلهم إلى الدولة العضو التي تعتقد الشرطة أن الشخص جاء منها دون إجراء تقييم فردي. ولا يزال من غير الواضح ما هي “الضمانات” التي تم تقديمها لحماية الأطفال، الذين لم يتم استبعادهم صراحة من إجراءات النقل هذه.

ومن المرجح أن يؤدي الاتفاق إلى “تصعيد استخدام تقنيات الرصد والمراقبة التي لا تطبق الضمانات ذات الصلة، وستتعارض مع تشريعات الاتحاد الأوروبي الحالية لحماية البيانات والحقوق الأساسية”.

سيلفيا كارتا، العاملة في المنصة قالت لمهاجرنيوز، إن “الممارسات كانت مبنية على اتفاقيات ثنائية، لكن الآن سيكون هناك قانون أوروبي ينظم ويضفي الشرعية على هذه الممارسات العنيفة. ونخشى أن يضفي هذا، من بين أمور أخرى، الشرعية على الاحتجاز غير القانوني للأشخاص”.

ويعتبر أولريش ستيج، محامي متخصص في حقوق الأجانب ضمن جمعية الدراسات القانونية حول الهجرة (ASGI) أن “ما رأيناه في الممارسة العملية منذ عام 2015، وليس فقط في فرنسا وإيطاليا، يشير إلى استمرار التنميط العنصري للأشخاص، مضيفا خلال حديثه مع مهاجرنيوز “أن إدخال هذا الاحتمال، مع المادة 23.أ، يعني أننا نتجه نحو تنظيم هذه الضوابط، مع ضوابط عنصرية”.

إشكاليات على الحدود الخارجية

على الحدود الخارجية، ينص الإصلاح على الرد على محاولات الدول الثالثة “استغلال” المهاجرين بهدف زعزعة استقرار دولة في الاتحاد الأوروبي، كما اتُهمت بيلاروسيا وروسيا بالقيام بذلك، وخاصة من خلال الحد من نقاط العبور. وآخر تلك الأزمات كانت على الحدود بين فنلندا وروسيا، حيث اتهمت موسكو بإرسال مهاجرين إلى فنلندا العضو في الاتحاد الأوروبي، ردا على انضمام الأخيرة إلى حلف شمال الأطلسي.

توضح المنصة الحقوقية أن تلك النقطة “تثير إشكالية إلى حد كبير، ومن شأن تدوينها في قانون الاتحاد الأوروبي أن يؤدي إلى استثناءات واسعة النطاق للحقوق الأساسية، بما في ذلك الحق في اللجوء وحرية التنقل”.

المحامية سيلفيا كارتا، ترى في ذلك “أمرا مثيرا للقلق لأنه يمثل رؤية أمنية للهجرة. كما لو كان تهديدا أمنيا. ومن ثم يطرح تساؤلا حول تعريف “الاستغلال”؟ هل يمكن أن يستهدف هذا أيضا مهام إنقاذ المهاجرين على سبيل المثال؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.