الرئيسيةتونس اليوم

ما الذي ينتظر المهاجرين الأفارقة في تونس؟ نشر بتاريخ : 01/03/2023

أثارت تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد عاصفة من الجدل في البلاد، بعد اعتباره أن الهجرة “ترتيب إجرامي لتغيير ديمغرافية” بلاده. تصريحات الرئيس المعادية للأجانب اعتبرها متخصصون وحقوقيون عنصرية، وتهدف إلى إزاحة الاهتمام عن الأزمات المتتالية التي تعيشها البلاد، ومسؤولية الحكومة فيها.

جدل غير مسبوق أطلقته تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد بشأن المهاجرين في بلاده، قسّم المجتمع التونسي بين مساند لتصريحاته ومعارض لها، وترافق مع حملة توقيفات واعتداءات طالت مهاجرين (خاصة من أفريقيا جنوب الصحراء) شملت طردهم من مساكنهم والتعرض لهم بالضرب.

وفي البيان الذي صدر عن رئاسة الجمهورية التونسية في 21 فيفري ، عقب الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن القومي الذي انعقد لمناقشة “أزمة الهجرة”، قال الرئيس سعيّد “هناك ترتيب إجرامي تم إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس… هناك جهات تلقت أموالاً طائلة بعد سنة 2011 من أجل توطين المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس… هذه الموجات المتعاقبة من الهجرة غير النظامية الهدف غير المعلن منها هو اعتبار تونس دولة إفريقية فقط ولا انتماء لها للأمتين العربية والإسلامية”.

خلال الاجتماع، طالب سعيّد القيادات الأمنية “بالسرعة والصرامة في وضع حد لهذه الظاهرة، مع ما تؤدي إليه من عنف وجرائم وممارسات غير مقبولة”.

منذ ذلك الحين، أفادت جماعات حقوقية في تونس بتصاعد أعمال العنف ضد المهاجرين “ذوي البشرة الداكنة”، الذين يقولون إنهم طردوا من مساكنهم بشكل جماعي.

لجأوا لسفارات بلدانهم

أمام هذا الواقع، لم يجد هؤلاء المهاجرون ملجأ سوى سفارات بلدانهم، حيث لوحظ أ الثلاثاء 28 فيفري  اصطفاف المئات من المهاجرين قبالة سفارة ساحل العاج للتسجيل للعودة الطوعية إلى بلدهم. كثير من هؤلاء اضطروا للنوم في العراء حيث صدرت أوامر لأصحاب العقارات التونسيين بإجلاء المهاجرين غير القانونيين، تحت طائلة التعرض لغرامات مالية باهظة.

وفي رد فعل على التطورات الأخيرة، اعتبرت مالي خلال جلسة في باماكو ضمت دبلوماسيين من البلدين أن ما يتعرض له المهاجرون الماليون في تونس من “عنف جسدي وإخلاء المباني ومصادرة الممتلكات، مشاهد غير مقبولة”.

وأكدت جمعية الطلاب والمتدربين الأفارقة في تونس (AESAT) خلال حديث مع مهاجر نيوز عمليات العنف التي تعرض لها مهاجرون أفارقة، “أحد أعضاء جمعيتنا، وهو مالي الجنسية، تعرض لهجوم يوم الأربعاء الماضي من قبل شبان تونسيين في منزله في تونس العاصمة… تم إلقاء آخر من الطابق الأول من أحد المباني”.

وأعرب الأمين العام لوزارة الخارجية في مالي، سيدو كوليبالي، في بيان عن “مخاوف جدية” لدى حكومة بلاده بشأن وضع المهاجرين من جنوب الصحراء بشكل عام ومواطنيه خصوصا، وبينهم طلاب ماليون في تونس، مشيرا إلى أن حماية الماليين في تونس وأمنهم من مسؤولية السلطات التونسية.

وقال دبلوماسي مالي لوكالة فرانس برس (طلب عدم الكشف عن هويته) إن حوالي 30 مهاجرا مشردا يقبعون الآن قبالة مبنى سفارة مالي. وقال الدبلوماسي إن 200 شخص تم تسجيلهم بالفعل لإعادتهم.

“الاستبدال الكبير” وعنصرية الدولة

وعقب بيان الرئيس سعيّد، اعتبر السياسي الفرنسي اليميني، إريك زمور، في تغريدة على حسابه على تويتر “لقد بدأت البلدان المغاربية في دق ناقوس الخطر لمواجهة تصاعد الهجرة. تونس تريد اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية شعبها، فما الذي ننتظره لمحاربة الاستبدال العظيم”، في إشارة إلى نظرية المؤامرة العنصرية التي جاء بها الفيلسوف الفرنسي رينو كامو، واستخدمها اليمين الفرنسي المتطرف بانتظام.

ونددت منظمات غير حكومية عدة بخطاب سعيّد ووصفته بأنه “عنصري ويدعو للكراهية”، كما استنكره الاتحاد الأفريقي واعتبر تصريحات الرئيس “صادمة”، داعيا الدول الأعضاء إلى “الامتناع عن أي خطاب عنصري يحض على الكراهية”.

وبهذا البيان، انتقلت تونس في غضون ساعات قليلة من “عنصرية متاحة على شبكات التواصل الاجتماعي إلى عنصرية مجازة من قبل الدولة”، حسب رمضان بن عمر من المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمهاجر نيوز، الذي أورد أن قيس سعيّد يتطلع لخلق “عدو جديد للتونسيين”، ليتمكن من التهرب من المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

“أزمة أخلاقية”

وخلال اتصال هاتفي معه، قال علاء الطالبي، المدير التنفيذي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إن “حملة تجييش سبقت خطاب الرئيس قادها حزب قومي تونسي (الحركة القومية التونسية) ضد المهاجرين، أدت إلى تنامي الاعتداءات بحقهم فضلا عن الخطابات العنصرية”.

الطالبي اعتبر أن “هناك أزمة هجرة لا يمكن إنكارها لكن حلها لن يكون عبر هذه الطريقة. الحوار هو الباب الوحيد، ويجب إشراك الجميع في هذه العملية”.

وأضاف “هذه الأحداث أدت إلى وقوع شرخ في المجتمع التونسي، وللأسف أظهرت خطابات عنصرية أقل ما يقال فيها أنها إهانة للمجتمع التونسي قبل أي جهة أخرى. هذا الانقسام أبرز أزمات سياسية واجتماعية في تونس، فضلا عن أزمات أخلاقية”.

وشدد الناشط الحقوقي على أنه من الممكن أن تكون هناك “انعكاسات لاحقا على مجتمعات المهاجرين واللاجئين في دول أخرى، في أوروبا مثلا، قد تنظر إلى النموذج التونسي على أنه قابل للتطبيق لديها. كما ستؤدي هذه السياسات إلى وضع تونس ضمن خانة الدول العنصرية، وهذا ما لا نريده ولا نعتبر أنه يمثل حقيقة المجتمع التونسي”.

انعدام المعطيات يفسح المجال أمام الشائعات

يذكر أنه ما من معطيات أو أرقام دقيقة حول أعداد وجنسيات ووضعيات هؤلاء المهاجرين، مما سهل تداول الإشاعات بأن أعدادهم في البلاد ضخمة للغاية، مليون مهاجر وأكثر. لكن حسب الأرقام الرسمية التي وردت سنة 2022 في تقرير أعد بالتعاون بين مؤسستي المعهد الوطني للإحصاء والمرصد الوطني للهجرة، نجد أن عدد المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء يبلغ 21,466 شخصا. وهذا الرقم لا يشمل إلا المهاجرين الذين يتمتعون بوضع الإقامة القانونية.

في المقابل، تقدّر جمعيات ومنظمات أممية أعداد المهاجرين إجمالا في تونس بحوالي 60 ألفا.

وشهدت تونس منذ تسعينيات القرن الماضي موجات هجرة متنوعة، كان عامودها الفقري الطلاب الأفارقة الوافدين على جامعات البلاد. لاحقا مع تسارع الأحداث، شهدت البلاد موجات متجددة. عام 2011، مع اندلاع الثورة الليبية، فر عشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة باتجاه تونس. حينها ساهمت المنظمات الدولية والأممية في استقبالهم وإجلاء أعداد كبيرة منهم إلى بلدانهم الأصلية.

لاحقا، تزايدت أعداد الوافدين على تونس باعتبارها دولة عبور، خاصة بعد 2017 حين باتت مخاطر الطريق الليبية أكبر بعد سيطرة الميليشيات المسلحة والعصابات على أجزاء واسعة من البلاد. جزء من هؤلاء المهاجرين استفاد أيضا من توقيع تونس اتفاقيات ثنائية عدة مع دول أفريقية مختلفة، تسمح لمواطنيها بالدخول دون حاجة لطلب تأشيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.